تعددت الأسباب والموت واحد، لكن موت الشاعر ليس كمثله موت. ها هو العدم يقنص الشاعر اللبناني حسن العبدالله، وبغفلة تفوق جنون اليقظة الكبرى، اختفى الشاعر وغاب في غياهب السؤال، الى أين أيها الشاعر، الى أين تفرّ وتتركنا في هيصة العجب!
ولادة الشاعر كانت سنة ١٩٤٣، وأعلن خبر رحيله اليوم الثلاثاء ٢١ حزيران ٢٠٢٢. شارف على ختم عقده الثامن، لكن الموت لم يسمح للشاعر التمادي والتفوق على مسارات الأمل التي سلكها الشاعر طوال حياته.
رسم الراحل وطنه بالقصيدة والشعر ، بكلمات أغنت اللغة وبلورت الشاعرية كنور دافق. وكما قصيدته ، دخلت أغنياته زمن الحرب وطبعت ذاكرة اللبنانيين، إلى أن قرر أن يعكس شعره على شجرة اللون، مرآة الرسم واللوحة الشعرية المغردة، في واحدة من إحدى تجاربه المفاجئة المطعمة بفرح الطفولة.
فعلى مدى خمس سنوات أنجز حسن عبد الله 40 لوحة ضاربة في سهول ومروج وأودية وقدمها في معرض في دار الندوة في بيروت تحت اسم “مقام الأخضر”. حشد اللون واللوحة مع الشعر واللغة، مجسدا لوحات الذاكرة والصبا والطفولة، وكان يقول الراحل: “كنت أعيش في بلدة محاطة بالزرع والاخضرار والمروج والأودية ولا شك أن لوحاتي هي ترجمة للطبيعة في بلدتي الخيام”.
ويضيف الشاعر الراحل أن تجربة الرسم بدأت لديه خلال مراحل الدراسة الثانوية وكان موضع إعجاب لدى معلمة الرسم.
ظهر جمال الطبيعة في لوحات عبد الله حيث رسم الحقول والأشجار والمرتفعات والهضاب والبيوت الصغيرة.
غير أن الشاعر الراحل معجون ومجبول ومخبوز بالشعر واللغة، فهو واحد من الشعراء الملتصقين بالأرض والذين يصنفون “بأبناء البراري” الذين يستنبطون من السهول والمزارع شعرا ويصطادون كلمة.
عاش الراحل مرحلة الصبا ، قبل انتقاله للمدينة، بين الكروم والينابيع فتشكلت عنده أولى مراحل الكتابة والتي أوصلته فيما بعد إلى ديوانه الشهير “الدردارة” في أوائل الثمانينيات الذي كان من أبرز الأعمال الشعرية.
كتب الراحل الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره في بيئة تهوى الروايات والسير الشعبية. وتمتع بنبرة صوت صالحة للإلقاء وحماسة شباب قل نظيرها في السبعينيات. ترافقت وشيطنة شعرية سحرية جعلت منه أحد نجوم الشعر لاسيما عندما أطلق مجموعته “شعراء الجنوب” والتي ضجت بها الجامعة اللبنانية وكلية التربية.
أصدر الراحل أول دواوينه أواخر السبعينيات بعنوان “أذكر إنني أحببت” وهي مجموعة اختار منها الفنان مارسيل خليفة قصيدة “أجمل الأمهات” ولاحقا “من أين أدخل في الوطن”.
وفي خلال الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975 و1990) كانت “أجمل الأمهات” من أجمل القصائد المغناة التي انتشرت مخلدة الأم التي تنتظر ابنها العائد من الحرب شهيدا.
نودع شاعرنا الكبير في زمن تصعب فيه الحياة، وتزداد ظلمتها على كل الصعد.
وداعاً يا حسّون شارع الحمراء.