حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران والوكالة الدولية و «لعبة الغميضة النووية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

حالة من الاستنفار هيمنت على المشهد داخل اروقة القرار الايراني، بانتظار ما ستسفر عنه اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتقرير الذي سيرفعه مديرها رافايل غروسي عن مستوى التعاون الايراني، واستجابة طهران للاسئلة التي وجهتها الوكالة للحصول على توظيحات تتعلق بمصادر الاشعاعات المرتفعة في بعض المواقع، التي لم يسبق لايران الكشف عنها لمفتشي الوكالة. 

روايتان قدمهما غروسي وطهران حول اسباب العودة الى التصعيد في المواقف، والتوجه لاصدار ادانة لايران واتهامها بعدم الجدية في التعاون. فالطرف الدولي يقول ان ايران تعمدت المماطلة في تقديم الاجابات، على الرغم من التفاهم الذي توصل له مع مدير الوكالة الايرانية محمد اسلامي، خلال زيارته لطهران مطلع شهر ابريل/ نيسان الماضي، خاصة وان المهلة التي طلبتها طهران لتقديم هذه الاجابات، قبل انعقاد اجتماع الوكالة ومجلس الحكام التابع لها قد انقضت دون تحقيق تقدم، وان الغموض مازال مسيطرا على طبيعة هذه الانشطة ومصادر الاشعاع فيها. في حين ان الخطوة الايجابية الوحيدة التي نتجت عن هذه الزيارة، تمثلت بموافقة طهران على تركيب كاميرات مراقبة للوكالة، في موقع “تسا” في مدينة كرج الواقعة على بعد 40 كليومترا غرب العاصمة طهران.

 في المقابل، تتهم طهران مدير الوكالة الدولية، بنقل ملف التعاون بين الطرفين من المستوى الفني والتقني الى المستوى السياسي، خاصة وان التقرير الذي رفعه الى الوكالة جاء مباشرة بعد الزيارة التي قام بها الى اسرائيل، والمباحثات التي اجراها مع المسؤولين في تل ابيب حول اخر تطورات الملف النووي الايراني، والحديث الاسرائيلي الواضح حول ضرورة اعتماد التشدد في التعامل مع ايران وعدم السماح لها بالاستمرار في تطوير برنامجها النووي.

من المستبعد ان يلجأ الايراني الى موقف تصعيدي باعلان التخلي عن المفاوضات واعلان الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل

التقرير الذي قدمه غروسي الى الوكالة، تضمن ادانة لايران بعدم التعاون والمماطلة في تقديم الاجابات، وهذا يحمل على الاعتقاد بانها تسعى لاخفاء بعض الانشطة بعيدا عن الرقابة الدولية، خاصة وان الوكالة فقدت مستوى مهم من عملية المراقبة على هذه الانشطة، في العديد من المنشآت المعلنة والمدرجة على جدول الوكالة، بعد قرار طهران عدم تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة التابعة للوكالة، انسجاما مع قرارها تقليص التزاماتها وتعهداتها التي نص عليها الاتفاق النووي عام 2015، ردا على قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق والعودة الى سياسة فرض العقوبات الاقتصادية. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: أميركا وإيران و«تركيا».. ثالثهما!

تصعيد المواقف الدولية مع ايران، سلك مسارين متوازيين، الاول عبر الوكالة وتقرير غروسي، والثاني عبر مشروع القرار الذي تقدمت به واشنطن، بالتعاون مع الترويكا الاوروبية الى مجلس حكام الوكالة الدولية، ما يعني تفاهما ضمنيا بين ادارة الوكالة وهذه العواصم، على ممارسة مزيد من الضغوط على ايران، لاجبارها على العودة الى طاولة التفاوض “من دون الشروط ذات السقوف العالية التي وضعتها على الطاولة”، خاصة وان مجلس الحكام الذي وافق وتبنى على هذا القرار، بموافقة 30 عضوا ومعارضة الصين وروسيا، وامتناع ثلاث دول من بينها الهند وباكستان عن التصويت، لم يذهب الى قطع جميع الجسور التي تربط بين ضفتي امكانية التفاهم والذهاب الى المواجهة، واكتفى بالادانة وعدم احالة الموقف الى مجلس الامن الدولي، الذي تعني عودته لبحث هذا الملف اعادة تفعيل “آلية الزناد” وترجمتها باعادة تفعيل جميع القرار السابق لهذا المجلس، بما فيها العقوبات الاقتصادية تحت البند السابع. 

لا شك ان الجانب الايراني، الذي رفض ما جاء في تقرير غروسي وقرار مجلس الحكام، ووضعه في خانة الضغط السياسي، لن يتخلى عن مبدأ التمسك بالتفاوض، ومن المستبعد ان يلجأ الى موقف تصعيدي باعلان التخلي عن المفاوضات، واعلان الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، لان مثل هذا الاتجاه قد تكون اثمانه اكبر واقسى من الثمن، الذي يتكبده جراء التمسك والاستمرار بالتفاوض والالتزام بالمعاهدات الدولية. 

في المقابل، فان الجهات المعنية في اتخاذ القرار الاستراتيجي للرد على هذه الضغوط والمواقف الدولية التصعيدية، ستلجأ لاستخدام الغطاء التشريعي الذي وفره لها القانون الذي اقره البرلمان الايراني في نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، والذي الزم الحكومة الايراني تطبيق استراتيجية، تضمن حقوق ايران النووية وتلغي العقوبات الاقتصادية”، لذلك جاءت الخطوات التي اعتمدتها طهران بالرد على هذه الاجراءات، مدروسة وتحفظ خط الرجعة وتترك الباب مواربا لامكانية استئناف المفاوضات، عندما اعلنت تعطيل نحو 20 في المئة من كاميرات المراقبة، التي وضعت في المنشآت النووية تطبيقا لما نص عليه الاتفاق النووي، في وقت تركت نحو 80 في المئة من كاميرات الوكالة فاعلة، تطبيقا لنصوص معاهدة الحد من الانتشار، مع استمرار احتفاظها بالتسجيلات وعدم تسليمها للوكالة، ما دفع مدير الاخيرة للقول، بان الوكالة تواجه صعوبة في مراقبة الانشطة الايرانية. 

من المتوقع ان تلجأ ايران وبالتزامن مع ابلاغ الوكالة الدولية الى رفع مستويات تخصيب اليورانيوم الى درجات مرتفعة قد تتجاوز نسبة 60 في المئة التي وصلت اليها

ومن المتوقع ان تلجأ ايران، وبالتزامن مع ابلاغ الوكالة الدولية، الى رفع مستويات تخصيب اليورانيوم الى درجات مرتفعة، قد تتجاوز نسبة 60 في المئة التي وصلت اليها، خاصة بعد اعلان مدير الوكالة الايرانية “اسلامي”، ان التقنيات الايرانية قادرة الى تحقيق مستويات تخصيب تتجاوز نسبة 90 في المئة.

وفي حال لجأت ايران لاعتماد هذا الخيار، يعني انها ستذهب الى خيار تطوير اجهزة الطرد المركزي، واللجوء الى استخدام اجيال جديدة منها اكثر تطورا من جيل IR6. وبالتالي محاولة فرض امر واقع جديد على طاولة التفاوض، تحاول من خلاله قلب الموازين والحصول على اقصى ما يمكن من اعتراف بهذه الانشطة. 

يبقى القول ان ايران، تدرك جيدا ان معركتها ليست مع الوكالة الدولية، بل مع اسرائيل، والاشارة التي صدرت عن وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان بان المفاوض الاوروبي، طالما طرح على المفاوض الايراني مسألة الاعتراف باسرائيل، مقابل اعادة تفعيل الاتفاق النووي والخروج من العقوبات. الا ان اي من الطرفين – الايراني والاسرائيلي- يسعيان للابتعاد عن ادخال نفسيهما في مواجهة مباشرة ومفتوحة، لان تداعياتها لن تقف عند حدودهما، بل قد تتوسع لتشمل الاقليم، وهذا ما يحاول جميع الاطراف الدولية والاقليمية الابتعاد عنه في هذه الدائرة، ونتائجها المدمرة وغير معروفة النتائج. 

السابق
النواب «التغييريون» لم يحسموا قرارهم بشأن مرشحهم لرئاسة الحكومة
التالي
تأكيد أميركي على زيارة هوكشتاين الإثنين..وواشنطن تأمل بتوصل لبنان واسرائيل لحلول حدودية!