
ثورة او حراك ١٧ تشرين كان لها جانب ايجابي جداً انها عبّرت عن شريحة واسعة من اللبنانيين ترفض كل الترتيبات التي وضعها “حزب الله” منذ اتفاق الدوحة في لبنان، سواء ضمن الرئاسة الاولى والثانية، والثالثة عبر تشتيت القوى السنية، ومحاولاته ضرب السلطة القضائية او السيطرة عليها.
بكل الاحوال، أوجدت ١٧ تشرين، شريحة جريئة جدا وفي غاية الوضوح في رفضها هذه المنظومة، تدعو لازالتها من خلال شعار “كلن يعني كلن”.. هذا الشعار هو شعار قوي وصارخ وشجاع، لانه يرفض الواقع السياسي الذي وصل اليه لبنان.
الشيء السلبي في حراك ١٧ تشرين ان هذه القوة المجتمعية، لم تستطع ان تترجم نفسها مشروعاً سياسياً
لكن الشيء السلبي في حراك ١٧ تشرين، ان هذه القوة المجتمعية، لم تستطع ان تترجم نفسها مشروعاً سياسياً، او برنامجاً، او اطاراً تنتظم فيه قوى الثورة، لقد ظلّت حركة اعتراض و احتجاج، ولم تتحول الى مشروع لاستعادة الدولة، نتيجة “الشخصنة” التي عانت منها ١٧ تشرين..
لم يترجم الحراك الى خطة واضحة او برنامجاً جلياً، أو عقيدة “سلسلة”، و تكوين هيكلي شفاف، ولو تنسيقي في الحد الأدنى.
يمكن ان يكون هذا طبيعياً، في بدايات الثورة، بحكم انها حركة فتية وجديدة، وتحتاج الى وقت لتتبلور وتنضج بسبب غلبة العنصر الشبابي وغياب الخبرة.
رغم ذلك، وضع حراك ١٧ تشرين “حزب الله” على المحك و عرّاه، وظهر ان الحراك هو جدي لا يقبل التسوية، وحراك له عمق شعبي،وهذا ما ترجم من خلال الحراك الإنتخابي وتعدد لوائح المعارضة، وحضورها نسبيا عبر العديد من المرشحين والفاعليات، على الرغم من هجمة “حزب الله” عليهم في مناطق نفوذه، و محاولاته المتمادية في قمعهم “بما ملكت أيمانه”.
وضع حراك ١٧ تشرين “حزب الله” على المحك و عرّاه
وهذا ربما جعل “حزب الله”، ينتقل من مرحلة المراقبة الى الهجوم والاختراق والتفتيت، للقضاء عليه، ولعل عنصر الاختراقات الامنية، استعمال القوة والترهيب، والتهم بالعمالة والارهاب الفكري والجسدي هي من عناوين سلوك حزب الله القمعي تجاه هذا الحراك. و في الحقيقة لم يدع “حزب الله” وسيلة الا وقام بها من اجل ضربه، قبل موسم الإنتخابات، فقد حرق رمز الثورة في وسط بيروت حرق الخيم في مدن عدة، وافتعل اعمال شغب ونسبها للحراك.
الاكيد ان “حزب الله” شعر باحراج شديد، وانتقل من حال رصد هذه الظاهرة، الى ضرورة ضربها والقضاء عليها، و المشكلة ان هذا الحراك هو حراك اعزل، بمعنى ان لا تكافؤ بينه وبين هذه المنظومة التي يقودها “حزب الله”، فليس لديه امكانات ولا وسائل اعلام ولا “بروباغندا”، بالاضافة الى كون الحراك بدأ كاحتجاج شعبي ومجتمعي وليس لديه نضجاً سياسياً.
عدم التكافؤ مكّن “حزب الله” من انتزاع المبادرة والعمل على تفتيت الحراك وخلق مجموعات تابعة له داخلها
عدم التكافؤ مكّن “حزب الله” من انتزاع المبادرة والعمل على تفتيت الحراك، وليس بعيدا من ذلك، خلق مجموعات تابعة له داخلها، بالاضافة الى أن عدم التناغم بين مجموعات الحراك وفر فرصة لضربه، وبدأ “حزب الله” العمل على ضربه وتشتيته. وفي المقابل لم يقصر العديد من المعارضين في الاشارة بوضوح الى “حزب الله” كحامي المنظومة ومديرها، ربما في البداية كان هناك حذر، لكن لاحقا بدأت تخرج الاصوات عالية ضد “حزب الله”، ولعل المطالبة برفع المشانق كان الرسالة الأوضح للحزب من وسط بيروت.
كان هناك يقين لدى معظم مجموعات الحراك، ان لم يكن كلها، ان “حزب الله” هو جزء من منظومة الفساد، رغم محاولة البعض الفصل بين دوره في الفساد ودوره في المقاومة، لكنه في حقيقة الأمر هو فصل غير منطقي، حاليا ليس هناك مشروع مقاومة، هو شعار يرفعه “حزب الله” له مضمون اخلاقي وعاطفي ومعنوي، فالمقاومة لا يمكن ان تكون انتقائية، تقاوم احتلالا ولا تقاوم احتلالاً آخر، او تقاوم نفوذا ولا تقاوم نفوذا آخر.
“حزب الله” هو جزء من منظومة الفساد، رغم محاولة البعض الفصل بين دوره في الفساد ودوره في المقاومة
الفصل هنا فصل مزيف، كل شعارات المقاومة التي يحملها “حزب الله” هي شعارات تستهدف السيطرة على لبنان.. لا شيء اسمه مشروع مقاومة، هناك مشروع هيمنة على لبنان، يعتمد عناوين المقاومة كواجهة.
١٧ تشرين لم يتمأسس، فلم يحظ بالدوام والاستمرارية والزخم والقوة في المواجهة وامتلاك ادوات واستراتيجيات، كما نقصه حيازة مشروع خاص، فضَعف مع الزمن لانه لم يأخذ اي شكل سياسي، على الرغم من ان الانتخابات قد تشكل فرصة ومحطة.
كان الحراك واضحا ضد “حزب الله”، واستهدف الرموز التي كانت تعتبر مقدسة، لكنه لم يكن بالقوة الكافية، فهو حراك جديد يحتاج الى وقت لمزيد من التبلور والنضوج.
تعرُض المحتجين للتهديد والعنف، يعكس خوف “حزب الله” من انتشار اي فكرة تخالفه، وانزال “الرعاع” لضرب المحتجين بالعصي والشتم في ساحة الشهداء، كان أبلغ تعبير عن خوفه هذا.
روح ١٧ تشرين مستمرة، ويحسب “حزب الله” لها ألف حساب، لانها ترمز الى روح لبنانية صافية
اثار هذا الحراك موجودة حتى الآن، وهي تحتاج الى عناصر جديدة ودعم وتنظيم وخطاب افضل.. روح ١٧ تشرين مستمرة، ويحسب “حزب الله” لها ألف حساب، لانها ترمز الى روح لبنانية صافية، ذات عمق اجتماعي قوي لتغيير معادلة الشرعية وموازين القوى، فالحراك طرح مسألة شرعية “المنظومة” فيما “حزب الله” يعتبر سلاحه هو مصدر الشرعية.
يبقى ان قوة ١٧ تشرين، تكمن في انها ظاهرة مخالفة، ويقابلها “حزب الله” بالعمل على تسكين المجتمع شيعيا ومسيحيا لتأمين الغطاء له، ثم سنيا، حيث يسعى الى تفتيت الجماعة السنية لانها الاكثر تهديدا له، فالجبهة المسيحية جبهة غطاء، اما الجبهة السنية فهي جبهة منافسة بحكم الامتداد العربي والدور الخليجي.
مهما فعل “حزب الله” ويتمادى بفعله، لخنق شعلة ١٧ تشرين، فهو يبقى عاجزاً عن خمدها، كونها تحولت الى شوكة عالقة في حلقه وخاصرته، يصعب انتزاعها من دون ان يُدمي نفسه!