«قارب الموت» اللبناني يُغرق «المركب الطرابلسي»!

ياسين شبلي

ما أشبه لبنان اليوم بقارب كبير يوشك على الغرق، ما يجعل منه أقرب الى “قارب موت” جماعي، الباقي فيه مفقود والقافز منه مولود، ربما إذا حالفه الحظ، حيث يخوض اللبنانيون على متنه بمجهود فردي، وبإمكانيات جد ضئيلة مغامرة الإنقاذ في معركة حياة أو موت، في الوقت الذي تتولى فيه القيادة مجموعة من القراصنة، قاموا بإختطافه بالتكافل والتضامن فيما بينهم، البعض منهم بالغش والإحتيال والتدليس، والبعض الآخر عبر الفساد والإفساد، والبعض الثالث بالسلاح الذي يحمي هذه العصابة، التي ما أن أحكمت سيطرتها عليه حتى بدأت بالتصارع داخله فيما بينها على المغانم والحصص والوجهة النهائية، تارة بإسم الدين وبدعوى حماية الطائفة والمذهب، وأخرى بإسم المقاومة والحفاظ على الوجود وتحرير الأرض، وطوراً بإسم  الحرية والسيادة والإستقلال، ما أدى لفرز وتقسيم المخطوفين، بحيث بدأت كل فئة من هذه المجموعة الخاطفة، بالسيطرة على المخطوفين من أتباع ملتها بحجة حمايتهم من أقرانها القراصنة الآخرين. 

اقرا ايضا: خاص «جنوبية»: دار الفتوى «تُفتي» بالإنتخابات والحريري يوفد مستشاره الى السنيورة.. هل تنقلب معادلة المقاطعة؟

أدى صراع القراصنة هذا إلى تخريب القارب، وتجريده من كل عناصر القوة والمنعة في مواجهة العواصف والأعاصير، بحيث بات  خالياً من أي طوق نجاة أو قارب إنقاذ، في خضم صراعه مع الأمواج العاتية التي يمثلها وينوب عنها هؤلاء القراصنة، والتي تضربه من كل جانب، أمواج من الطائفية والتعصب والجهل، وأمواج من الشبق السلطوي الذي يستجلب الفساد، ويستخدمه في سبيل الوصول.

أدى صراع القراصنة هذا إلى تخريب القارب وتجريده من كل عناصر القوة والمنعة في مواجهة العواصف والأعاصير بحيث بات  خالياً من أي طوق نجاة أو قارب إنقاذ

هذا الفساد الذي يقوم هو بدوره بمقايضة، يسكت بموجبها عن سلاح خارج عن سلطة الدولة، مقابل توفير حماية له عبر الإستقواء بهذا السلاح، الذي يُستعمل في محاولة تغيير إتجاه ووجهة سير القارب، لجعلها عكس التيار التاريخي والسياسي والإجتماعي لكل من الإقليم والمنطقة. 

في ظل هذه الأجواء والظروف الكئيبة، يحاول البعض من المخطوفين، ضحايا هذا الواقع الأليم، النجاة من القارب المختطف والمثقوب بأي ثمن، ولو عن طريق القفز و “رمي النفس في البحر”، في عملية أقل ما يقال فيها بأنها “إنتحارية”، ومع ذلك يجد فيها هذا البعض الكثير من الأمل،  مقارنة بما يراه أو يتوسمه في القارب، الذي كان يوما ما وطن. إنها المأساة بأقسى صورها وأبشعها، عندما يصبح البحر بأمواجه وتياراته و”غدره” الذي يحكى عنه، أكثر أمناً وأماناً وطمأنينة من تيارات السياسة وأمواجها، ومكر السياسيين وغدرهم.

إنها المأساة بأقسى صورها وأبشعها عندما يصبح البحر بأمواجه وتياراته و”غدره” الذي يحكى عنه أكثر أمناً وأماناً وطمأنينة من تيارات السياسة وأمواجها

عائلات بأكملها إختارت القفز من قارب “الموت” هذا طلباً للنجاة، إلى قارب آخر رأت فيه طوق نجاة لها ولأولادها، وأملاً بمستقبل أفضل بعيدا عن مسقط الرأس ومراتع الطفولة والصبا، ومع ذلك لم تسلم من نزق وغباء وسوء تصرف بعض المتهورين، الذين بغرورهم وصلفهم وضيق أفقهم، وتبعيتهم للقراصنة الكبار الذين يريدون تقديم شهادة حسن سلوك لأوروبا، لإعادة تعويمهم عبر الإستماتة في منع اللجوء إلى شواطئها، إنما ساهموا بتحويل المأساة إلى كارثة، أودت بحياة الكثيرين ممن لا يزال البعض منهم في عداد المفقودين، مع دخول الكارثة أسبوعها الثاني، في حين نرى أن القوى العسكرية الرسمية المولجة أصلاً حماية الناس العاديين والمواطنين، هي في مواكبة كبيرة لأحد القراصنة المسؤولين عن المأساة في “قارب الموت” الكبير لبنان، وهو يجول متنقلاً بين المناطق، معيداً تسويق نفسه وتياره على حساب اللبنانيين في خرق واضح وصريح لكل موجبات قانون الإنتخابات، ومفتتحاً جولاته من نفس المنطقة – يا للصفاقة – التي تجرعت مرارة الكارثة، والتي تحاول أن تلملم جراح البعض من بنيها المنكوبين، وتبرِّد قلوب البعض الآخر الذي لا يزال ينتظر مصير أحباب له ، ما زالوا في عداد “المفقودين”.  

نرى أن القوى العسكرية الرسمية المولجة أصلاً حماية الناس العاديين والمواطنين هي في مواكبة كبيرة لأحد القراصنة المسؤولين عن المأساة في “قارب الموت” الكبير لبنان

كل هذا من دون أن يرف جفن لأي من القراصنة الكبار وكأن شيئاً لم يكن، فيما هم مستمرون في مسرحية هزلية يسمونها “إنتخابات” ، لتقرير مصير ووجهة القارب المختطف وركابه الرهائن، رهائن المصالح المتضاربة، والمقامرات والمراهنات المختلفة على طاولات ” اللعب ” المحلية والإقليمية.     

السابق
ملتقى الجمعيات الاهلية في صور يكرم المناضل منيف فرج : رجل حوار وانفتاح
التالي
لمشتركي «الفا».. فرصة أخيرة من وزير الاتصالات!