كل طرق الإنقاذ تمرّ بالإصلاحات وبما ستُفْضي إليه الانتخابات النيابية، فإما التقاط الفرصة الأخيرة لتفادي «الانهيار الشامل» المالي، وإما اندثارُ «لبنان الذي كان» تحت أنقاض الارتطام الكبير الذي تكاتَفت لحصوله عناصر تقنية وسياسية شكّلت «وليمة سمّ» لوطنٍ اقتيد إلى «موائد» الصراعات في المنطقة وعليها.
هذه الخلاصة البالغة القتامة لم تعُد تكتمها دوائر ديبلوماسية في بيروت تحذّر من أيّ «لعب» بالانتخابات وموعدها المحدَّد في 15 مايو المقبل، أو «تَلاعُب» بخريطة الإصلاحات التي أرسى إطارها التنفيذي الاتفاقُ الأولي مع صندوق النقد الدولي وأخْذِها رهينة استقطاباتٍ تلوح في أفق المرحلة التي ستعقب الاستحقاق النيابي، وذلك بعدما «رحّلت» المزايداتُ الانتخابية وضرورات مجاراة الشارع واتجاهاته المشاريع الإصلاحية وفرضت على البرلمان وحتى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الانتقال إلى «التقاعد المبكر» بانتظار البرلمان الجديد.
وإذ انطلق العدّ التنازلي لأول جولة من الانتخابات النيابية في 6 و8 مايو وهو موعد اقتراع المغتربين في دول الانتشار (بحسب يوم العطلة فيها)، في محطةٍ ستشكّل أولَ امتحانٍ لحماسة أكثر من 200 ألف لبناني تسجّلوا للمشاركة في الاستحقاق على إنزال أصواتهم في الصناديق ولمدى تأثير عملية توزيع هؤلاء و«تشتيت» العائلات انتخابياً في أكثر من بلد خصوصاً اُستراليا والولايات المتحدة، فإنّ جلسة طرْح الثقة بوزير الخارجية عبدالله بوحبيب التي لم يتوافر نصاب انعقادها أمس اعتُبرت في خلاصتها «توثيقاً» لشكوى حزب «القوات اللبنانية» مما قالت إنه إجراءات «مخطَّط لها لضرب فاعلية الصوت الاغترابي» وتبديد مفعوله على مجريات الانتخابات برمّتها ومحاولة حرمان «القوات» من كتلة أصوات «كاسرة» لحسابات «التيار الوطني الحر» الذي يترأسه النائب جبران باسيل.
«اشتعلت» بين «التيار الحر» و«القوات» حول اقتراع المغتربين
كما أن الـ «لا جلسة» التي قطعتْ في جانب منها الطريق على «فتيل» جديد كان يُخشى أن يُستخدم كـ «لغم» لتطيير الانتخابات، لم تُتِح للتيار الحرّ «تجديد الثقة» بوزير الخارجية و«تبرئة ذمته» من «مضبطة الاتهام» بحقه، ما اضطر باسيل للصعود إلى المنبر والدفاع عن حزبه، مندفعاً في الوقت نفسه بهجوم مضادّ على «القوات» التي حمّل ماكينتها مسؤولية الخطأ في تسجيل مغتربين وفق أماكن سكنهم ومحاولة الضغط لحصْر المقترعين في مراكز معيّنة لتسهيل «ضبط التصويت والنقل»، وأيضاً مسؤولية «التعديلات على المهل» التي فرضها تعديل قانون الانتخاب وتعليق اعتماد 6 نواب للمغتربين والتي «انعكست سلباً على ناخبي الانتشار»، مضيفاً «ليدفعوا ثمن غبائهم، والغباء أضيف إلى اسلوبهم الميليشيوي».
وفيما ردّت «القوات» بلسان النائب جورج عدوان الذي اعلن «ان باسيل هو وزير الخارجية الفعلي وهو عضو فاعل في المنظومة التي أوصلت لبنان الى هنا ويترك ودائعه في الوزارات خصوصاً باسكال دحروج التي تتولى تنظيم الانتخابات بدل من الوزير بوحبيب»، ولافتاً إلى «اننا لسنا الوحيدين الذين اعترضنا فحركة أمل وحزب الله اعترضا على ألمانيا وتمت تلبية طلبهم»، فنّد بوحبيب المآخذ على وزارته، مؤكداً رداً على شق منها «أن إيداع المعلومات الصحيحة لدى التسجيل تقع على مسؤولية الناخب.
وبالتالي إن وزارة الخارجية والمغتربين لا تتحمل مسؤولية أخطاء الأفراد والماكينات الانتخابية. كما أنه لا يمكن ان تقوم الوزارة بتعديل مراكز اقتراع الناخبين من مكان الى آخر، بناء لطلب أي جهة كانت.
وكذلك، لا يمكن للوزارة أن تلبي رغبات كل الأطراف التي قد تتضارب مصالحها الانتخابية. فهذا أمر يعرّض نتائج الانتخابات للطعن».
كما شدّد على «حرص الوزارة على تأمين حق كل ناخب بالاقتراع وشفافية العملية الانتخابية»، متمنياً ان«يساهم هذا التوضيح في الحفاظ على سمعة الوزارة ومهنيتها والعاملين فيها، ومنهم نخبة من الديبلوماسيين والاداريين، راجياً وقف تصنيفهم سياسيا وحزبياً لانهم جميعاً، وبغض النظر عن ميولهم السياسية، يعملون لرب عمل واحد هو لبنان».
وعَكَسَ هذا المناخ المشحون و«القتال»بالمغتربين و«التقاتل»عليهم بلوغ التحمية الانتخابية أعلى مستوياتها وسط انفلاشٍ لِما بدا«مناورات»سياسية لضمانٍ فوزٍ ولو على طريقة«مَن يخسر أكثر من الآخَر»لاسيما في المقلب المسيحي في ضوء أمريْن: الأول الترجيحات بأن الغالبية الساحقة من الأحزاب أصيبت بتراجعات شعبية في ظل تداعيات الانهيار العاتي.
إقرأ أيضاً: تأكيداً لمعلومات «جنوبية»: جلسة طرح الثقة ببوحبيب «تطير»..وباسيل خائف من «القوات» على مقعد البترون!
والثاني رسْم«حزب الله»أولوية عدم ترْك«القوات»تتحوّل صاحبة أكبر كتلة مسيحية، لاعتباراتٍ تتصل بحسابات الانتخابات الرئاسية والحاجة للإبقاء على الإمساك بكل«مفاتيحها»وأوراقها وإدارتها بأريحية وترْكها«سباقاً بين الحلفاء»(سليمان فرنجية وباسيل)، وأيضاً ضمان عدم إفلات الغالبية النيابية من يد الحزب في لحظة إقليمية بالغة الحساسية، تجعل استحقاق 15 مايو بتوازناته السياسية، كما الانتخابات السابقة، محطة ذات امتداد خارجي.
ولم يفوّت«حزب الله»فرصة لتظهير أهمية هذا«الهدف»الذي يُعمل عليه بأدوات عدة، بينها الانسحابات المتتالية لمرشحين شيعة من لائحة«القوات»في بعلبك – الهرمل لتصعيب حصولها على حاصل انتخابي للنائب انطوان حبشي، وسط رهان على أن تتكفل الحساسيات التي تزنّر وضعية«القوات»في مناطق التماس مع المكوّن السني بإضعاف حظوظ مرشحيها في ظلّ التشظيات المستمرة لانكفاء الرئيس سعد الحريري وتحميل«القوات»جزءاً من المسؤولية عن دفْعه إلى هذا الخيار«المُرّ».
كما أن بعض الدوائر استوقفها تصويب رئيس الجمهورية ميشال عون على رئيس البرلمان نبيه بري من دون تسميته بكلامه عن أن«هناك مَن يتلاعب بالمسائل المالية وبسعر صرف الدولار وهناك تقارير تشير الى وجود جهات هدفها تأزيم الوضع ومنها مَن هو في موقع السلطة»، وهو ما لاقاه باسيل في حديث تلفزيوني أعلن فيه «ليس هناك موجب لانتخاب الرئيس بري مجدداً لرئاسة مجلس النواب».
ما سرّ تصويب عون وباسيل على بري؟
ولم تتوانَ دوائر سياسية على خصومة مع العهد عن اعتبار الاندفاعة بوجه بري من»عُدّة«استنهاض الناخبين، في الوقت الذي يتحالف»التيار الحر«مع حركة»أمل«في العديد من الدوائر على لوائح واحدة مع»حزب الله«، لافتة إلى أن هذا»الهامش«بالاستهداف»المدوْزن«لرئيس البرلمان يتيح لباسيل»توسعة الكوع«عشية استحقاق 15 مايو لحصْد ما أمكن من أصوات ستصبّ في النهاية»في سلة«الحزب الذي لا فكاك لشراكته وثنائيته مع»أمل«، وسط اقتناع هذه الدوائر بأن باسيل يدرك تماماً أن عدم تصويت»التيار الحر«لبري لرئاسة مجلس النواب هو بمثابة»إطلاق رصاصة في الرأس«على حظوظه الرئاسية التي يشوبها أصلاً شبه استحالة إقناع»حزب الله«لرئيس البرلمان بالسير بباسيل و»تجرُّع«هذا الخيار الذي سيكون بمثابة»تمديد مقنَّع” لعون الذي لم يهضم بري بعد انتخابه.
وفي أي حال، وفيما تَمْضي الاستعدادات للانتخابات وكأنها حاصلة بمواعيدها، لم تهدأ المخاوف من مفاجآت ربع الساعة الأخير التي يُخشى أن تكون مُعدَّة سلفاً للإطاحة بهذا الاستحقاق لاعتباراتٍ يتشابك فيها المحلي بالاقليمي، أو أن تكون وليدة دينامية توتراتٍ تتسع مؤشراتها وبعضها مرتبط بالاختناقات المعيشية التي تتفاقم مع قفزة الدولار في السوق الموازية في الأيام الأخيرة، وبعضها الآخر بفاجعة مركب الموت في طرابلس والتي تضع السلطات أمام تحدي كشف مصير أكثر من 30 مفقوداً يرجّح ذووهم أن تكون جثث غالبيتهم عالقة في المركب القابع على عمق نحو 300 أو 400 متر في قعر البحر والذي تأخر لبنان الرسمي في طلب الاستعانة بدول صديقة لانتشاله وسط رفْع أهالي الضحايا معادلة: لا انتخابات في عاصمة الشمال قبل تعويم القارب وكشف مصير المفقودين وتحديد المسؤوليات.