
إن النظام السياسي الطائفي مولد دائم للأزمات في لبنان ، و هو السبب الرئيسي في فساد السلطة السياسية و في تصدع المؤسسات الدستورية و الإنحراف في إستعمال السلطة و إستثمار الوظيفة العامة و هدر المال العام و التدخل السياسي في شؤون الإدارة و القضاء .
إن شكل النظام السياسي في لبنان ، هو نظام برلماني حر ، قائم على مبدأ الفصل بين السلطات و التعاون فيما بينها ، وقد أرسى دستور العام 1990 (الطائف) قواعد دستورية جديدة ، ساهمت في الإخلال بتوازن السلطات الدستورية التي كانت قائمة قبل مؤتمر الطائف ، الذي وضع حدا” للحرب الأهلية التي دامت زهاء خمسة عشر عاما” متوالية ، و إن طبيعة نظامنا الدستوري تقوم على توافقية تعددية ذات طابع طائفي و مذهبي و شكلت أعرافا” تكاد تسمو على النصوص الدستورية ، وهي عموما” ذات صلة بجذور تاريخية تعود الى زمان السلطنة العثمانية ومتصرفية جبل لبنان و الإنتدات الفرنسي ، وحيث شكلت تلك الأعراف الموروثة ، مجموعة من القيم الإجتماعية و السيكولوجية لمكونات المجتمع اللبناني ، و التي جعلت من الصعوبة الإلتزام بالنصوص و المواد الدستورية التي أحدثها إتفاق الطائف ، وأدى ذلك الى عدم الإلتزام بغالبية النصوص الطامحة الى إحداث تغييرات جذرية في طيبعة النظام السياسي ، و المتصلة بمغادرة نهج الطائفية السياسية و التوجه نحو الدولة المدنية التي يتوق إليها غالبية الشعب اللبناني للخلاص من فساد السلطة و قيام الدولة الحديثة ، و التحول نحو علمانية النظام السياسي في مجتمع مؤلف من ثماني عشرة طائفة متنوعة المشارب و المذاهب .
لقد أتاح النظام الطائفي في لبنان ، بنشوء ما يشبه “فيدراليات الطوائف” ذات حدود جغرافية معينة ، كما أتاح بنشوء سلطات سياسية محلية شكلت سلطات موازية للسلطة المركزية ، و ذات إرتباط مباشر بسكان تلك المناطق أو الفيدراليات المسلحة ، التي يحكمها أمراء الطوائف الذين أصبحوا جميعهم في رأس السلطات المتتالية منذ مؤتمر الطائف حتى اليوم ، كما سعت هذه المنظومات الى نسج علاقات خارجية بعيدة عن السياسة الخارجية للسلطة المركزية للدولة ، مما أتاح لها في بعض الحالات الإستقواء بالخارج على سلطة الدولة و فرض شروطها في تكوين المؤسسات الدستورية الأساسية ، و محاولة فرض معادلة الثلث الضامن في مجلس الوزراء ، أو الحصول على أكثرية مطلقة في مجلس النواب ، بل أكثر من ذلك ، وحيث علت المصالح الفئوية للكتل النيابية أو السياسية على المصلحة الوطنية العليا للبلاد ، و خلقت من وقت الى آخر جوا” من التوتر السياسي و عدم الإنسجام في تحقيق الخيارات الإستراتيجية للوطن من النواحي السياسية و الإقتصادية و المالية ، و الإمعان في إستغلال الإثارة المذهبية و شد العصب الطائفي للحفاظ على إستمرارهم في السلطة بذريعة الحفاظ على مصالح طوائفهم و مناطقهم وما شابه ذلك.
لذلك، فإن العلة الرئيسية التي أوصلت البلاد الى ما وصلت إليه، تكمن في طبيعة هذا النظام و مرتكزاته الطائفية، هذا النظام القديم و المتعفن ينبغي الخلاص منه من أجل خلاص الوطن من أمراء الحرب و الزبائنية السياسية التي تشبه حالة الإتجار بالطوائف و المذاهب، و بالتالي الإتجار بالبشر، إذ ليس في العام كله نظام سياسي يشبه هذا النظام المتخلف عن ركب الحضارة و الإزدهار الإقتصادي و الإجتماعي، بل هو يساهم في خلق حالة دائمة من عدم الإستقرار و التدهور المستمر في القطاعات الإنتاجية للدولة و المجتمع، و هروب الإستثمارات المنتجة و هجرة الشباب نحو الخارج.
-لا خلاص للبنان و اللبنانيين إلا بمغادرة هذا النهج المتخلف، و العمل على إقرار قانون إنتخابي عابر للطوائف و على قاعدة النسبية، وإقرار قوانين جديدة لإحداث أحزاب سياسية علمانية وغير طائفية، وتطبيق المادة 95 من الدستور اللبناني بعد إجراء إنتخابات على أساس القانون الجديد ، و إعتماد مناهج تربوية تساهم في تهيئة الأجواء لقيام الدولة المدنية، ليصار اثرها على الإنتقال التدريجي نحو قيام الدولة العلمانية، دولة القانون و المؤسسات التي هي من أبرز طموحات إنتفاضة السابع عشر من تشرين و الملاذ الآمن لجميع اللبنانيين في وطن حر سيد مستقل.