حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران.. «العين» على السعودية و«القلب» على اليمن!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

الاهتمام الدولي والاقليمي، بما يجري من تفاوض في فيينا، بين ايران والمجموعة الدولية 4+1 والولايات المتحدة الامريكية، لاعادة احياء الاتفاق النووي وتطوير بنوده او مضامينه وتوسيع تأثيراته، لا يوازيه سوى الاهتمام باي مؤشر، قد يصدر او يظهر على خط الحوار الثنائي، بين ايران والمملكة العربية السعودية. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إيران.. «يتمنعن وهُنّ الراغبات»!

فاذا ما كان التركيز والاهتمام بالمفاوضات النووية، لجهة انها تشكل المدخل لمعالجة مصادر القلق الدولي والاقليمي من الطموحات النووية لايران، وما يمكن ان ينتج عنها من تداعيات سياسية وامنية وعسكرية، وخلط لموازين القوى والمعادلات الاستراتيجية. فان المسار التفاوضي او الحواري بين طهران والرياض، قد يكون محط اهتمام بالمستوى نفسه، او متساوقا مع الاهتمام النووي، لجهة التداعيات والتأثيرات التي تطال الازمات الاقليمية برمتها، بداية من اليمن، مرورا بالعراق وسوريا، وصولا الى لبنان.

ما كان التركيز والاهتمام بالمفاوضات النووية لجهة انها تشكل المدخل لمعالجة مصادر القلق الدولي والاقليمي من الطموحات النووية لايران

ولا شك ان الطرفين السعودي والايراني، يدركان اهمية الحوار الثنائي بينهما، وما يمكن ان يخرج به من نتائج تنعكس على جميع الملفات والازمات الاقليمية، التي تشكل مساحة اختلاف وصراع وتنافس بين الطرفين. من هنا يمكن فهم المسعى الايراني لاقناع الجانب السعودي، بتحويل بعض التفاهمات الشفهية الى خطوات عملية وعملانية، بعيدا عما يجري في فيينا وما يمكن ان تسفر عنه المفاوضات النووية. اي محاولة الفصل بين المسار النووي ومسار الحوار الاقليمي. 

التريث السعودي في الاستجابة الى الرغبة الايرانية، باعادة فتح السفارات والقنصليات الايرانية في جدة والسعودية في مشهد، لا يعني عدم رغبة سعودية في تطبيع العلاقات، والمضي قدما بالحوار القائم والوصول به الى نتائجه النهائية. لان الاختلاف على تنفيذ هذه الخطوة، وهل تأتي في التوقيت السعودي ام في التوقيت الايراني، تؤكد وتكشف حقيقة ان توافقا قد حصل بين الطرفين، حول مبدأ اعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما، في جلسات الحوار التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد، مع الابقاء على زمن التنفيذ مفتوحا، من دون تحديد تاريخ لها، بانتظار النتائج النهائية لهذه المفاوضات، فضلا عما يمكن ان تخرج به مفاوضات فيينا النووية من حقائق، قد تعيد انتاج مرحلة عام 2015، او تؤسس لمرحلة جديدة بناء على معطيات مختلفة. 

التريث السعودي في الاستجابة الى الرغبة الايرانية باعادة فتح السفارات والقنصليات الايرانية في جدة والسعودية في مشهد لا يعني عدم رغبة سعودية في تطبيع العلاقات

من هنا، لا يمكن التعامل مع مسألة منح الرياض لثلاثة دبلوماسيين ايرانيين، تأشيرة دخول الى الاراضي السعودية للالتحاق بمركز عملهم، في ممثلية ايران في منظمة التعاون الاسلامي(OIC)  في مدينة جدة، كدليل على عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، بل مؤشر على تراجع حدة التوتر بينهما، ووجود نوايا جدية لبدء مسار ايجابي في هذه العلاقة، لكنها تبقى محكومة بالمحددات، التي وضعتها الرياض وليس طهران. 

طهران التي تنظر الى هذه الخطوة السعودية، كدليل على حصول انفتاح في العلاقة بين البلدين، بعد ست سنوات من القطيعة الدبلوماسية التامة، واول مؤشر عملي على الرغم من رمزيته، على اعادة تطبيع تدريجي لهذه العلاقة، وسيكون لها انعكاس على النظام الاقليمي في الشرق الاوسط، وتسعى لتحويلها الى حقيقة جديدة على طريق تطبيع العلاقات التام. الا ان هذه النظرة الايرانية والرغبة في تعميمها، لتشمل كل العلاقات الاقليمية بشكل حقيقي وعملي. 

الا ان الوصول لهذا الهدف، يجب ان يمر عبر بالشروط السعودية، التي تربط اي تقدم على مستوى العلاقات الثنائية مع طهران، بالتقدم الحاصل في مفاوضات فيينا، وهو الشرط الذي حاولت ايران الابتعاد عنه، او ابعاده عن الحوار الثنائي الذي انطلق بين البلدين، بالتزامن مع عودة مفاوضات فيينا. 

الرياض تعتقد، بان اعادة احياء اتفاق 2015، بين الولايات المتحدة وايران، وتفعيل التعهدات والالتزامات النووية، يشكل ارضية قد تساعد الرياض في حسم موقفها من اعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران، خصوصا وان عودة الرقابة الدولية، وحصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ضمانات، بعدم تطوير ايران لبرنامجها النووي، قد تمهد الطريق امام الانتقال مستقبلا، لبحث مصادر القلق الاقليمية الاخرى، كالبرنامج الصاروخي الباليستي والنفوذ الاقليمي. خاصة وان واشنطن والاطراف الاوروبية، لم تستطع جر ايران الى فتح هذه الملفات، بالتزامن مع مفاوضات النووية. 

والتقدم في مفاوضات فيينا، من وجهة نظر سعودية وحسب القراءة الايرانية، سيفتح الباب لبحث الازمة اليمنية، بما تمثله من معضلة للرياض، وتؤثر بشكل مباشر على تطبيع العلاقة بين الطرفين، بما تشكله من صدع يهدد باستمرار التوتر بينهما. 

يمكن القول، بان الازمة اليمنية تشكل العامل الابرز، الذي يعيق التقدم في الحوار بين الرياض وطهران، والتوصل الى تفاهم واضح حول مستقبل هذه العلاقة، وتأثيراتها على المنطقة والاقليم، فالرياض تريد من طهران ممارسة ضغوطها على الحوثيين، للجلوس الى طاولة التفاوض ووقف عملياتهم العسكرية، وان التقدم في هذا المسار، يشكل عاملا مهما وبارزا في رسم مستقبل العلاقة. 

التقدم في مفاوضات فيينا من وجهة نظر سعودية وحسب القراءة الايرانية سيفتح الباب لبحث الازمة اليمنية بما تمثله من معضلة للرياض،

في المقابل، فان طهران وعلى الرغم من وعودها، في تقديم المساعدة في تسهيل عملية الحل في اليمن، وبذل جهودها لاقناع الجانب الحوثي بالجلوس الى طاولة التفاوض، فانها تبدو حذرة من تداعيات اي ضغوط، قد تمارسها على جماعة الحوثيين، او تقديم وعود والتزامات نيابة عنهم، بتسهيل عملية التفاوض والانتقال الى مباحثات الحل السلمي، قد يجعلها او يضعها في خانة المتهم المباشر عن هذه الحرب، بعد ان كانت متهمة بالدعم والتوظيف؟ خاصة وان الحوثي، مازال متمسكا بالسقف العالي الذي وضعه، برفض التفاوض مع حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، ويشترط  الجلوس مع الجانب السعودي مباشرة. 

العودة الدبلوماسية الايرانية الى جدة قد تكون مؤشرا على تقارب حذر بين الطرفين الا ان الطريق لتطبيع العلاقة بينهما ما زال بانتظار اتضاح صورة المفاوضات النووية

العودة الدبلوماسية الايرانية الى جدة، قد تكون مؤشرا على تقارب حذر بين الطرفين، الا ان الطريق لتطبيع العلاقة بينهما ما زال بانتظار اتضاح صورة المفاوضات النووية في فيينا، وكذلك مصير وآليات حل الازمة اليمنية، والدور الايراني في تفكيك عقدها ومعوقاتها. 

السابق
استراحة جوية قصيرة.. استعدوا لمنخفض جوي جديد!
التالي
الدولار لا يزال تحت عتبة الـ ٢٤ الفا.. كم سجل اليوم؟