
هناك فرق كبير، بين ان تعود الى طاولة التفاوض، وبين ان تصل هذه المفاوضات الى النتيجة المطلوبة. ويبدو ان هذه المعادلة، هي التي لجأ النظام الايراني، للعب على خيوطها في الرد على الضغوط الغربية – الامريكية والاوروبية – المطالبة بالعودة الى تفعيل مسار فيينا التفاوضي، لاعادة احياء الاتفاق النووي.
قد لا يكون مستغربا او مستبعدا ان تلتزم طهران، بما سبق واعلنته بامكانية العودة الى طاولة التفاوض، مع مجموعة 4+1 خلال الاسبوعين المقبلين، وان تشهد فيينا عودة جلسات الحوار بين جميع الاطراف، بناء على المعادلة التي حكمت هذه المفاوضات، منذ مطلع العام الحالي، اي تفاوض مباشر مع الخماسية الدولية (4+1)، وغير مباشر مع الولايات المتحدة الامريكية.
كل الاجواء المستقاة من تصريحات المسؤولين الايرانيين، خصوصا المعنيين بموضوع المفاوضات والبرنامج النووي، تشي بان طهران ترغب وتريد ولا تمانع، العودة الى طاولة التفاوض في اسرع وقت ممكن، ولن تفوت هذه الفرصة ولو لدقيقة واحدة، اذا ما شعرت ان نوايا الاطراف الاخرى صادقة وجدية. ولعل التطور الاوضح في هذا السياق، المواقف الصادرة عن وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان، بعد اللقاءات الثنائية التي عقدها مع نظرائه اعضاء طاولة المفاوضات، وممثل السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي جوزبي بوريل، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك.
الانفتاح الاوروبي على ايران يصطدم ومازال بالعقبة الاساس والعائق الاول المتمثل في الموقف الامريكي وازمة الشروط والشروط المتبادلة بينه وبين الايراني
ممثلو الترويكا الاوروبية ومعهم الاتحاد الاوروبي، الى جانب ممثلي روسيا والصين يدركون بشكل واضح، ان لا ازمة بينهم وبين طهران، حول مسألة العودة لاحياء المفاوضات والاتفاق النووي، فهم على استعداد للانفتاح السريع والكبير، على النظام الايراني سياسيا واقتصاديا وماليا، خاصة الاطراف الاوروبية، في اطار سعيهم لقطع الطريق على الطرفين الروسي والصين، من الاستئثار بالحصة الاكبر من الكعكة الاقتصادية، والمشاريع والفرص الاستثمارية وعقود تطوير التصنيع، التي يتعطش لها السوق الايراني، والتي ارتفعت مخاطرها الاقتصادية، بعد ان تحولت ايران رسميا الى عضو كامل في منظمة شنغهاي للتعاون، وما يوفره ذلك من فرص اقتصادية كبيرة، بعيدا عن التردد وبعض الاحيان الابتزاز الاوروبي والغربي.
الا ان الانفتاح الاوروبي على ايران، يصطدم ومازال بالعقبة الاساس والعائق الاول، المتمثل في الموقف الامريكي وازمة الشروط والشروط المتبادلة بينه وبين الايراني، حول آليات العودة الى الاتفاق النووي وانهاء العقوبات، التي سبق ان فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب بعد انسحابه من هذا الاتفاق.
التنازلات تسعى ايران لاستخدامها وتوظيفها في اطار توجيه رسائل جدية للادارة الامريكية بقدرتها على الالتفاف على العقوبات التي تحاصرها
في المقابل تحاول ايران استغلال هذا العامل والاستفادة منه لمحاصرة الضغوط الامريكية، وتقدم تنازلات لبعض هذه الاطراف، في ملفات متداخلة في المصالح بينها وبين طهران، كالساحة اللبنانية وتمرير تشكيل الحكومة مع الجانب الفرنسي، بالاضافة الى صفقة الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز مع العراق بواقع 27 مليار دولار، والتطور الحاصل بين باريس وواشنطن، على خلفية خسارتها التي تقدر بنحو 90 مليار دولار، بعد اخراجها من صفقة التسليح مع استراليا والتي وصفتها بانها طعنة امريكية بالظهر. في حين حصلت من بريطانيا على وعود جدية باطلاق الاموال المجمدة منذ اكثر من 3 عقود، مقابل وعود باطلاق سراح معتقلين بريطانيين في سجونها.
هذه التنازلات تسعى ايران لاستخدامها وتوظيفها، في اطار توجيه رسائل جدية للادارة الامريكية، بقدرتها على الالتفاف على العقوبات التي تحاصرها، وانها لن تأخذ خطوة جدية حول المفاوضات، ما لم تحصل على التزام امريكي بالعودة عن جميع العقوبات، وضمانات بعدم العودة الى سياسة الحصار الاقتصادي، او ما تصفه بالحرب الاقتصادية ضدها في المستقبل، امام اي توتر قد ينشأ نتيجة الاختلاف او الصراع حول احد الملفات الاخرى.
من هنا، فان اعلان طهران استعدادها للعودة الى طاولة التفاوض، لا يعني بالنسبة لها ان تصل هذه المفاوضات سريعا، الى النتائج التي تريدها واشنطن، وانها مازالت تمتلك الوقت الكافي والفرصة، لممارسة المزيد من الابتزاز، واللعب على ورقة الفريق المفاوض الجديد، خاصة وانها اوحت لجميع الاطراف، بانها الاتجاه داخل هذا الفريق، سيكون نحو مزيد من التشدد، واعتماد لغة ومواقف اكثر صرامة عن الفريق السابق، من خلال اختيار علي باقري كني، التي اختارته لتولي قيادة المفاوضات بدلا عن عباس عراقتشي، وهو شخصية متشددة عرفها المفاوض الامريكي، خاصة رئيس جهاز السي اي اي الحالي وليم برنز، عندما كان باقري كني مساعدا لكبير المفاوضين، وسكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي.
لا تشهد الاسابيع المقبلة حلولا سريعة، تساعد في التوصل الى نتائج من مفاوضات فيينا بعد استئنافها
عودة الرئيس الامريكي جو بايدن، في خطاب امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، للحديث عن عودة متزامنة لامريكا وايران الى الاتفاق النووي، اي انهاء العقوبات الاقتصادية، مقابل التزام طهران بانهاء الخطوات، التي قامت بها في مجال رفع مستويات تخصيب اليورانيوم وتطوير منشآتها النووية، قد يشكل من وجهة نظر ايران، بداية لليونة امريكية بعد المتغيرات التي حصلت في منطقة غرب آسيا، خصوصا في افغانستان، وتصاعد وتيرة الاتصالات السياسية، لتفكيك عقدة الملف السوري مع محيطه العربي، لكنه قد لا يشكل حافزا للتجاوب السريع مع هذه الخطوة، ما لم تحصل على ضمانات من الاعضاء الاخرين في مجموعة 4+1، بعدم عودة واشنطن لاستخدام سلاح العقوبات، وان تقدم ضمانات لتعزيز الثقة المتبادلة، التي تؤسس لبدء حوار مباشر بين الطرفين، لا يقتصر على الملفات الاقليمية الاخرى، وما تعتبره واشنطن مصدر تهديد لاستقرار المنطقة، بل قد يشمل ايضا مستقبل العلاقات الثنائية بينهما.
وعلى الرغم من تمسك الجانب الايراني بعدم المماطلة في المفاوضات، وتحويلها الى مفاوضات استنزاف، وهي رغبة قد تكون مشتركة مع الادارة الامريكية، الا ان النظام في طهران، لن يذهب الى نتائج سريعة ما لم يحصل على ما يريده، في مواضيع مثل العقوبات والدور الاقليمي وضمانات تعزيز الثقة، لذلك قد لا تشهد الاسابيع المقبلة حلولا سريعة، تساعد في التوصل الى نتائج من مفاوضات فيينا بعد استئنافها، وقد تستغرق عدة اشهر حتى بداية فصل الربيع.
وقد تنتهي الى ما انتهت اليه مهمة عراقتشي قبل اربعة اشهر ايضا، بتقسيم خطوات رفع العقوبات، والمباشرة بتلك المتعلقة بالبرنامج النووي، والاتفاق على مسار تفاوضي جديد لبحث العقوبات الاخرى المتعلقة بملفي دعم الارهاب وحقوق الانسان.