الإمام قبلان.. مسيرة دينية وسياسية وانسانية حافلة

في مسيرة الراحل الامام الشيخ عبد الامير قبلان، الذي انتقل الى جوار ربه في 5/9/2021 محطات مضيئة لا يعرفها الجيل الحالي، وهي بدأت عندما عاد رحمه الله إلى بيروت قادما من العراق، عالما دينيا مجازا بالاجتهاد في الفقه والتبليغ الديني. عاد الامام قبلان (قدس سره) إلى بيروت ليتصدى لإمامة مسجد الإمام الحسين عليه السلام في منطقة برج البراجنة، وليكون مرشداً لمؤسسات الجمعية الإسلامية في هذه المنطقة، ووكيلاً عن السيد محسن الطباطبائي الحكيم فيها وفي لبنان.

في هذه منطقة  برج البراجنة، بدأت رحلته التبليغية والاجتماعية، لاستنهاض الشيعة من حالة الاستضعاف والفقر، وقد فتح كل أبوابه لقضاء حوائج الناس من فقراء وضعفاء الشيعة، وكفى العشرات من العلماء بوظائف عليا من إفتاء وقضاء ومدرس فتوى وإمامة لمركز دينية في مختلف المناطق اللبنانية، وساهم في توظيف المئات من أبناء الشيعة في دوائر الدولة، وفي تأمين الآلآف من الوظائف للشباب الشيعة في المؤسسات الخاصة المختلفة، وما قصده أحد إلا وتدخل لمساعدته ولو باتصال بالمسؤولين، وعالج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال نفوذه كإمام للجماعة أولاً، وكوكيل للمرجعية ثانياً وكمفت جعفري ممتاز ثالثاً، وكرئيس لمحكمة حركة امل وكمرشد روحي لها رابعاً، وكنائب لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى خامساً، وكرئيس لمجلس أمناء الجامعة الإسلامية في لبنان سادساً، وكأمين لمستشفى الزهراء عليه السلام سابعاً وكرئيس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أخيراً …  

إقرأ أيضاً:   بعدسة «جنوبية»: تعاز حاشدة برحيل الشيخ قبلان في المجلس الشيعي

تطوير الجامعة الاسلامية ومستشفى الزهراء 

التقدم العلمي وتطوير “الجامعة الاسلامية”  في عهده جامعة IUL هي الجامعة الإسلامية في لبنان، والتي بدأ مشروع بنائها بداية في منطقة خلدة القائد المغيب السيد موسى الصدر، بالتعاون مع المرجع السيد محمد رضى الموسوي الگلپايگاني، لتكون بداية فكرة لأول مبرة، ترعى أيتام الشيعة في لبنان الذين كانوا في ازدياد مستمر، بسبب حروب الأحزاب الداخلية والحروب الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية والشعب اللبناني. 

وتطورت اتفاقات التوأمة بين الجامعة والجامعات الأخرى داخل لبنان وخارجه، كما تطورت هذه الاتفاقات بين الجامعة والمعاهد الدينية الحوزوية، ليزداد عدد طلابها في عهد الشيخ عبد الأمير إلى الرقم القياسي حيث بلغ عدد طلابها الأكثر، من بين جميع الجامعات الستين يومها في لبنان، كما أنها تقلدت رئاسة رابطة الجامعات اللبنانية في عهد الشيخ عبد الأمير قبلان، وبلغ عدد مشاريع التخرج فيها العدد الأكبر، من بين مشاريع التخرج لجميع الجامعات اللبنانية،  وتوسعت مساحتها عبر فروعها الأربعة بين بيروت وصور وبعلبك، لتصبح أكبر جامعة من حيث المساحة في لبنان، وازداد حجم مساحتها بعد افتتاح فرعها الجديد في منطقة الوردانية المؤلف من 15 مبنى، لتحافظ بذلك على موقعها كأكبر جامعة في لبنان من حيث المساحة.  

وفي عهد الشيخ عبد الأمير، تعلم الكثير من الفقراء في الجامعة، بمساعدات جزئية أو كلية أحيانا، كان يقدمها لهؤلاء، كما أصبح للجامعة حصة من الطلاب الخمسة الأوائل في الجامعات اللبنانية في مختلف الاختصاصات، ومؤخراً اتجهت الجامعة في عهد الشيخ عبد الأمير، إلى العالمية عبر اعتراف الاعتماد الأكاديمي الفرنسي الرسمي بشهاداتها، وبعد أن أصبحت كل شهاداتها واختصاصاتها معترفاً بها من قبل وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية، بما في ذلك شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، لتحافظ الجامعة في عهده على هويتها الدينية، وليبقى أبناء وبنات الطائفة الشيعية – خصوصاً المتدينين منهم،  يجدون ملاذاً لهم من بين المعاهد والجامعات للتخصصات العليا، فالجامعة الإسلامية أصبحت في عهد الشيخ عبد الأمير هي الجامعة الأفضل، من حيث التوجه الإسلامي على الإطلاق من بين جميع الجامعات اللبنانية،  وساهمت وتساهم في تطوير الجامعات الأخرى عبر خرِّيجيها في مختلف الاختصاصات.   

أما مستشفى الزهراء الجامعي، بدأ في لبنان كمستشفى متنقل، وهبته دولة أجنبية ليتسلمه الإمام القائد المغيب السيد موسى الصدر، ليكون في مكانه الحالي وليعمل السيد الصدر على تثبيته كمستشفىً، يقوم بسد الفراغ في الجانب الصحي، الذي كانت تعاني منه الطائفة الشيعية في لبنان في مؤسساتها، فكان فقراء وضعفاء ومعوزو الشيعة، يهيمون على وجوههم بحثاً عن مراكز استشفائية يمكنها تقديم المعونة لهم في هذا الجانب، وقد لاقى أبناء الطائفة الويلات وشتى أنواع الاستغلال لحاجاتهم في هذا الجانب، إلى أن بذر السيد الصدر بذرة هذه المستشفى، وأصبحت مستشفى محترمة في عهد الامام شمس الدين رحمه الله، ولكنها تحوَّلت في عهد الشيخ عبد الأمير إلى مستشفىً جامعي، لا يقتصر على معالجة المرضى بل يدرب طلاب الطب في مختلف الاختصاصات، وعلى أرفع المستويات الجامعية الممكنة في البلد . ولقد كانت الانطلاقة التي شهدها هذا المستشفى في عهد الإمام الصدر، مليئة بالظلمات التي واكبت الحرب الأهلية، وازدادت هذه الظلمات بتغييب السيد الصدر ليخلفه الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي حافظ على استمرار هذا المستشفى وتطوره بشكل ملحوظ، كما سعى الشيخ شمس الدين ليبقى هذا المستشفى مؤدياً لجميع وظائفه الممكنة في تلك المرحلة. 

 ولكن التطور الأكبر الذي شهده هذا الصرح الطبي في زمن الشيخ عبد الأمير، هو في تحوُّلِه إلى صرح جامعي أولاً، وإلى توسُّعِه في الإنشاءات والأبنية المختلفة ثانياً، وفي ترقيه ليصل إلى درجة الخمس نجوم ثالثاً، وفي تطور مختلف اختصاصاته الطبية عن طريق تشغيل أكفأ الأطباء فيه رابعاً، وفي حصوله على الكثير من أحدث الأجهزة الطبية المتقدمة من أنحاء العالم خامساً، وفي ارتفاع معدل المراجعين له من المرضى من مختلف أنحاء لبنان ومن الخارج سيما العراق سادساً، وفي تصنيفه كأكثر مستشفى يقدم الخدمات الطبية في لبنان سابعاً، وفي ازدياد حجم كادره الطبي من الأطباء والممرضين والممرضات ثامناً، وفي تحسين أداء مختلف الوظائف فيه، بعدما ترأسه  الپروفسور يوسف فارس تاسعاً، وفي ازدياد تقديماته الاجتماعية لعلماء الدين الشيعة، الذين لا يجدون من يرعاهم من الناحية الصحية عاشراً. وكل هذا التطور الطبي والخدماتي في المجال الصحي، حصل في هذا المستشفى في عهد الشيخ عبد الأمير وببركة توجيهاته المختلفة، التي يلاحظ فيها مساعدة الضعفاء والمحرومين، مهما أمكنه وفي حدود ما لديه من صلاحية ونفوذ، على مختلف قطاعات هذا الصرح الصحي الجامعي.

مواقفه الصلبة في الدفاع عن حقوق الشيعة  

رعى الشيخ عبد الأمير المقاومة في كل مراحل تأسيسها وتطورها، وكانت مواقفة منسجمة مع مواقف بقية قادتها من المؤيدين له والمعارضين.  

داخليا دافع الشيخ قبلان عن حركة أمل وعن قيادتها، خصوصا بعد وصول الرئيس نبيه بري الى سدّة رئاستها عام 1980، فكان الشيخ المساهم الأكبر بتزكيته ومجيئه وداعما له بقوة، وشجع كوادر الحركة الذين كانوا مترددين على الولاء للقيادة العتيدة، خصوصا ان الشيخ قبلان، كان الأقوى تأثيرا حينها  في الحركة، التي كانت بحالة اضطراب ومرحلة اعادة تأسيس اثر الغياب المفاجىء للإمام الصدر. وقد توالت الاعتداءات علي حركة امل وتفاقمت الامور بعد اغتيال عدد من مسؤوليها، فاندلعت اشتباكات متفرقة بينها وبين الفصائل اليسارية اللبنانية المدعومة من منظمة التحرير الفلسطينية (1978 – 1982) في الجنوب والضاحية الجنوبية، وكانت عبارة الشيخ قبلان المشهورة “لن نسمح بضرب حركة أمل” التي قالها على المنابر دون خوف أو وجل، في زمن الفوضى والاغتيالات وسيطرة القوى المناوئة، كانت غاية في الجرأة حينها، وكاد ان يدفع حياته ثمنا لها، اذ تم الاعتداء على منزله في بيروت وضرب بقذيفة ب 7، وعندما نزح الى الجنوب طارد موكبه مسلحون في بلدة الطيبة  واطلقوا عليه الرصاص فأصابوا سيارته ولكنه نجا بفضل عناية الله وقدره ودعاء محبيه. 

 كما رعى الشيخ عبد الأمير المصالحة الشيعية –الشيعية بكل قوة على أثر الصراع الدموي بين حزب الله وحركة أمل عام 1989، وكان له الفضل الأكبر في إيقاف النزف في الجسد الشيعي يومها، بوصفه رئيس الهيئة الشرعية في حركة أمل. 

ولا تنسى وقفته المشهودة عند عقد اتفاق الطائف، عندما رفع الصوت عاليا رافضا الاتفاق بداية، لانه لم ينصف الطائفة الشيعية، ثم عاد واعلن القبول به حقنا للدماء ولأنه ينهي الحرب الاهلية، وقال: “عندما أُعلن اتفاق الطائف قمنا بتهدئة خواطر الكثير من أهالينا، الذين شعروا بأن طموحاتهم في بناء دولة القانون أجهضت، وذلك لأن بند إلغاء الطائفية السياسية أُحيل إلى لجان وهذا في العرف اللبناني مدعاة للتأجيل”! 

 وهو مع الأسف ما حصل لاحقاً إذ وبعد أكثر من ثلاثين عاما من توقيع اتفاق الطائف لم تشكل لجنة لإلغاء الطائفية السياسية بعد! 

السابق
وصول ناقلتي نفط من ايران إلى سوريا.. هل تحملان الوقود للبنان؟
التالي
«لبنان بلد المفاجآت».. قاسم هاشم : أجواء إيجابية في أُفق التشكيل والشياطين في التفاصيل