لبنان بين «فكيْ كماشة» ملامح الفوضى الداخلية و«دخان» الحرب الإقليمية!

الجيش شويا صواريخ

لعلّها المرة الأولى يجد لبنان نفسَه فيها بين «فكيْ كمّاشةِ» واقعٍ داخلي محكومٍ بانهيارٍ شاملٍ يُسابِق «الارتطامَ المميتَ» وتداعياته التي تشي بـ «شرّ مستطير»، ووضْعٍ إقليمي دَخَلَ سباقاً مع «اصطدام خطير» لطالما ترنّحتْ احتمالات حصوله بفعل «خطأ كبير» أو… قرار كبير.

وفيما كان لبنان يتعلّق بـ «قشّةِ» إمكان انتزاع استحقاق تأليف الحكومة من «فم» التعقيدات المحلية – الاقليمية، إذ به أسير حصار مزدوجٍ، بـ نُذُر فوضى داخلية متعددة البُعد تطلّ برأسها وحربٍ إقليمية تلوح بأفق المكاسرة متعددة الطرف على تخوم الملف الإيراني «وحرب الناقلات».

وارتسمتْ في الساعات الأخيرة مَعالمُ مرحلةٍ بالغة الدقة، مع ملامح «اللعب بالنار» على الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية فوق برميل مواد «شديدة الانفجار» تشي بأن تجعل الوطن، الذي بالكاد يقف على «نصف رِجْل» وهو يصارع أعتى أزمة مالية، في مرمى… «الخطر الشامل».

وأبْعد من مغازي التحريك «المقنَّع» للجبهة مع اسرائيل في 4 أغسطس عبر استهداف مستوطنة كريات شمونة بثلاثة صواريخ ثم تَقَدُّم «حزب الله» (الجمعة) صفّ إعادة التوازن لـ «معادلة الردع» التي كسرْتها تل أبيب بغارتين فجر الخميس جنوباً وذلك عبر إطلاقه 19 صاروخ «كاتيوشا» قرب مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة، فإنّ ما رافَقَ هذه العملية في المقلب اللبناني وتحديداً في منطقة شويا (قضاء حاصبيا) وتمَدُّده إلى مناطق أخرى بدا بمثابة «حقلِ اختبارٍ» جديد للحزب الذي لم يسبق أن واجه «متاعب» داخلية كالتي توالت طلائعها في الأيام الأخيرة.

وبمعزلٍ عن سياقاتِ الردّ «المتوازي» لـ «حزب الله» في «أراضٍ مفتوحة» وهو ما أراد منه معاودة تثبيت «توازن الرعب»، ومن خلف كل التحذيرات، الاسرائيلية (للحزب ولبنان الرسمي) تحت عنوان «لا تختَبِرونا» والدولية لبيروت من «ان احتمال حدوث خطأ في التقدير قد يؤدي لخطر وقوع عواقب وخيمة»، فإن ما أعقب العملية التي نُفذت من منطقة العرقوب (قبل ظهر الجمعة)، بدءاً من مصادرة أهالي شويا الراجمة التي استُخدمت في الردّ وتوقيف عناصر الحزب الذين نفّذوه بدا مؤشراً لعواقب غير محسوبة ولا مسبوقة، طغتْ على «الردّ الرادع» الذي خَفَتَ «وقْعُه» على وهْج ما تلاه لبنانياً.

بعد حادثتيْ شويا وخلدة… «حزب الله» أمام «اختبار متاعب» من نوع جديد

وسواء سمّاه خصوم «حزب الله» امتداداً لبدء «كسْر حاجز الخوف» وإعلاء الصوت رفْضاً لدوره العسكري خارج الشرعية وتوريط لبنان الذي يكاد «يلفظ أنفاسه» في معركة يكون فيه «درعاً» لحماية إيران ومشروعها بـ «دماء اللبنانيين»، أو جرى التعاطي معه على أنه تعبير عن اعتراضٍ «موْضعي» على تعريض مناطق مأهولة لمخاطر ردّ اسرائيلي في «لحظة قاتلة»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرت أن ما جرى في شويا ثم على طريق عاليه – صوفر بعد أيام من «موْقعة خلدة» يؤشر إلى أن «حزب الله» الذي كان منصبّاً على رسْم معادلات لطالما كان طليقاً فيها وأرادها هذه المرة عشية إطلالة أمينه العام السيد حسن نصرالله (مساء امس) بات أمام معادلة «شعبية» جديدة تشي بالحدّ الأدنى بأنه صار يتحرّك على أرضٍ مليئة بـ «الألغام».

ودعت هذه الأوساط للتمعّن بمغازي ما حصل في شويا، ذات الغالبية الدرزية، ثم الردّ على طرْد مجموعة من الشباب الدروز بينهم أحد المشايخ كانوا يبيعون الفاكهة في إحدى النقاط في صيدا (من قِبل مؤيدين لحزب الله) عبر استهداف مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط) فاناتٍ تعمل على خطّ بيروت – البقاع خلال مرورها على طريق عاليه – صوفر، لافتةً إلى أن احتواء الموقف لاحقاً لا يُسْقط بأي حال أبعاد هذا التوتر الذي اضطر «التقدمي» للدخول بقوة لمنع تفاعله وسط صعوبات كبيرة اعترضتْه، وذلك بعد صعوبة مماثلة كانت واجهتْ سحب الفتيل المذهبي الثاني الذي شكّله مقتل أحد مسؤولي «سرايا المقاومة» في خلدة على يد «عشائر العرب» في جريمة ثأرٍ سرعان ما استجرّت تطوراً هو الأخطر تمثل في مقتل 3 من عناصر الحزب خلال مرور موكب التشييع في خلدة.

وفي رأي الأوساط نفسها أنه ورغم محاولة «حزب الله» مقاربة هذه الأحداث على أنها «أهلية بمحلية» ولا تخرج في بُعدها السياسي، إذا وُجد، عما يقول إنه تعوّد عليه من أن «المقاومة لم تكن يوماً محل إجماع داخلي»، فإن هذا لا يقلّل من معاني هذه التوترات التي تشكّل «صواعق» مذهبية – طائفية وتعكس «قلوباً مليانة» تعتمل منذ أعوام، كما لا يقلل لا من مخاطر كشْف لبنان في هذا التوقيت البالغ الحساسية على أدقّ منعطف تمرّ به المنطقة.

ولم يكن عابراً تظهير زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري هذا البُعد بتحذيره من ان «الوضع على الحدود مع العدو الاسرائيلي خطير جداً جداً وتهديد غير مسبوق للقرار 1701. واستخدام الجنوب منصة لصراعات إقليمية غير محسوبة النتائج والتداعيات خطوة في المجهول تضع لبنان كله في مرمى حروب الآخرين على أرضه»، مؤكداً «لبنان ليس جزءا من الاشتباك الايراني – الاسرائيلي في بحر عُمان والدولة بقواها العسكرية والأمنية الشرعية هي المسؤولة عن حماية المواطنين وتوفير مقومات السيادة».

إيجابيات زائفة في ملف تشكيل الحكومة فمَن يُطْلق «رصاصة الرحمة»؟

ولم يأتِ أقل دلالة البيان الذي صدر عن قيادة الجيش اللبناني والذي عَكَس حساسية ما جرى في العرقوب، وهو البيان الذي قوبل بانتقاداتٍ من مؤيدين لـ «حزب الله»، إذ وبعدما أعلن أن «قوات العدو الإسرائيلي أطلقت قذائف مدفعية باتجاه الأراضي اللبنانية، سقط منها 10 قذائف في خراج بلدة السدانة و30 قذيفة في خراج بلدتي بسطرة وكفرشوبا، وذلك بعدما أُطلق عدد من الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه مزارع شبعا المحتلّة»، أشار إلى «أنّ وحدة من الجيش أوقفت في بلدة شويّا أربعة أشخاص قاموا بإطلاق الصواريخ وضبطت الراجمة المستخدمة في العملية»، قبل أن يُعلَن عن إطلاق الأربعة.

وكل هذا جرى ويجري مع بدء العدّ العكسي للتجديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان نهاية الشهر الجاري والذي سيجري على وقع الشكاوى المتبادلة لدى مجلس الأمن بين بيروت وتل أبيب، ووسط أسئلة عما إذا كان التمديد للقوة الدولية هذه المرة سيترافق مع محاولات قديمة – جديدة لتعديل مهماتها وقواعد الاشتباك وفق ما تريده اسرائيل التي لم تنفكّ تصوّب على دور «اليونيفيل» وعلى أن الغالبية الساحقة للعمليات العسكرية في اتجاهها تتم من «أرض القرار 1701».

وفي حين تعكس مجمل هذه التطورات حراجة الواقع اللبناني على مختلف المستويات، فإنّ هذا لم يَبْدُ كافياً للمعنيين بالملف الحكومي للإسراع (المتأخّر عاماً كاملاً) في استيلاد تشكيلةٍ توقف الانحدار الحاد في قلب الهاوية المالية – الاقتصادية – المعيشية وهو الانحدار الذي بات يمّر بتعرّجات أمنية يُخشى أن تسرّع في حصول «الانفجار الكبير».

ولم تحمل المعطيات التي توافرت عن اللقاء السادس الذي جمع الرئيس ميشال عون مع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يدخل تكليفه غداً أسبوعه الثالث، أي مؤشرات لخروجٍ من عملية «التمترس» خلف الشروط.

وفي رأي مصادر متابعة أنه وبعد اعتماد عون وميقاتي استراتيجية تغليف التعقيدات الكبيرة بستار من إيجابية زائفة، فإن المناخات التي سادت في الساعات الماضية تؤشر لتظهير أكثر وضوحاً لجوّ الصعوبات رغم تفادي الرجلين إحباط الوضع الداخلي بصدمة سلبية مبكرة، أو ظهور أي منهما وكأنه هو مَن أطلق «رصاصة الرحمة» على الفرصة الأخيرة التي يشكلها تكليف ميقاتي والذي لن يكون بعد أي إطاحةٍ به كما قبله، أقلّه لجهة انخراط المكون السني بأي تغطية لشخصية تكمل المشوار مع عون وعهده.

إقرأ ايضاً: مظلة بلدية ومدنية لتبرير إحتكار «الثنائي»..والتهريب يستفحل إلى سوريا!

وتلفت المصادر لما جرى كشْفه عن صعوبات جديدة في مسار التشكيل ذات صلة بالحقائب غير السيادية أيضاً، ناهيك عن عقدة حقيبة الداخلية (والعدل) التي يدور صراع حولها بين عون الذي يريدها لمسيحي، وميقاتي الذي يصرّ على إبقاء القديم على قدمه (في التوزيع الطائفي للحقائب السيادية) تفادياً لتحريك «وكر الدبابير»، وصولاً إلى بروز عقبة جديدة يمثّلها اعتراض رئيس الجمهورية على الاسم الشيعي المقترح لوزارة المال وهو يوسف خليل، مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، وذلك على قاعدة أن من اولى مهمات الحكومة الجديدة الأساسية إجراء التدقيق الجنائي في حسابات «المركزي».

خطة دولية بملايين الدولارات


وأطلقت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، الجمعة، خطة «الاستجابة للطوارئ» بقيمة 378.5 مليون دولار «لدعم الأشخاص الأكثر ضعفاً» في لبنان. وأكدت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية المقيمة في لبنان نجاة رشدي، أن «لبنان يواجه تدهوراً خطيراً في الوضع الإنساني».
وبموجب بيان من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ستوافر هذه الخطة «الدعم الإنساني المنقذ للحياة لـ1.1 مليون من اللبنانيين الأكثر ضعفاً، والمهاجرين المتأثرين بالأزمة المستمرة».

وفي البيان، لفتت منسقة الأمم المتحدة، الانتباه إلى أن المشاركين في المؤتمر جدّدوا «دعمهم الجماعي لتلبية الاحتياجات الحرجة للفئات الأكثر ضعفاً بين اللبنانيين والمهاجرين المتضررين من الأزمة، من خلال تقديم المساعدة المباشرة للنساء والأطفال والرجال الذين هم بأمس الحاجة إلى مساعدتنا».

وأضافت أن المجتمعين حثوا على «إيجاد حلول مستدامة للحدّ من انهيار البلاد».

وتأتي هذه الخطة عقب المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني الذي عقد الخميس الماضي، برئاسة فرنسا والأمم المتحدة، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت.

وستوافر خطة الاستجابة للطوارئ في لبنان لسنة 2021 – 2022 التي أطلقتها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، الدعم الإنساني المنقذ للحياة لـ1.1 مليون من اللبنانيين الأكثر ضعفاً والمهاجرين المتأثرين بالأزمة المستمرة.

ويعاني لبنان حالياً من الانهيار الاقتصادي والمالي، ومن جائحة «كورونا»، فضلاً عن الأثر البشري الكارثي لانفجار مرفأ بيروت الذي وقع قبل عام، وعواقب الأزمة السورية. وتبلغ قيمة الخطة 378.5 مليون دولار، وهي مكملة لبرامج «الأونروا» وخطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية، بما فيها اللاجئون السوريون والفلسطينيون والمجتمعات المضيفة.

وقد تم تطوير الخطة لمدة 12 شهراً تحت قيادة منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان والفريق القطري للعمل الإنساني بدعم من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وخطة الاستجابة للطوارئ هي خطة إنسانية محددة زمنيا تُعنى بإنقاذ الأرواح ومساعدة المحتاجين.

كما تهدف إلى تخفيف التوترات القائمة بين المجتمعات المختلفة في لبنان وإلى إيجاد حلول تعالج الأسباب الجذرية للأزمة. «ولكن لا بد من أن تأتي هذه الحلول من الإصلاحات الهيكلية والمبادرات التنموية التي تقودها الحكومة، بما في ذلك تنفيذ استراتيجية شاملة للحماية الاجتماعية»، بحسب ما جاء من بيان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في لبنان.

وتابع البيان أن الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني سيستمران في «تقديم الدعم للفئات الأكثر ضعفاً في لبنان حتى يتم وضع نظام حماية اجتماعية شامل».

السابق
نصرالله «يُحاصر» أحداث خلدة وشويا أمنياً..و«تطنيش أصفر» لإحتجاز عون للتأليف!
التالي
واشنطن ضد تغيير المعادلة في جنوب لبنان لإنقاذ مفاوضات فيينا