“يا الله ساعدنا”. صرخات تُسمع من داخل غرف النار الملتهبة، التي ترتكب مجزرة بيئية ناحية القلب، هو النداء الأخير قبل أن يعلوه أجيج النار، التي تشب بين أشجار اللزاب، والشوح والشربين والسنديان والصنوبر والأرز والزيتون، نار شرسة وكأنها وجدت ضالتها، لتقتل قوة وصلابة المكان، وتخفي معالم تاريخ وأصالة أجداد، عمرها من عمر تلك الطبيعة، التي خطتها يد الله ودمرتها يد إنسان، وتقضي على ما تبقى من متنفس في بلاد الأرز، وعلى أمين ملحم الشاب المندفع لوقف تمدد لهيب النار.
اقرأ أيضا: الحرائق كما السياسة.. تلتهم «الأخضر واليابس»!
الامين العام للصليب الاحمر اللبناني جورج كتانة، أعلن ان “حريق القبيات يستمرّ بسبب الهواء الغربي وهناك 8 حالات تمّ نقلها إلى المستشفيات، كما تم إخلاء 17 مدنياً من المناطق المحيطة بالحريق، وإسعاف حوالى 24 حالة في الموقع نفسه.
وفي وقت لا تزال أسباب اندلاع الحريق مجهولة رسميا، ذكرت وسائل إعلام أن بعض أهالي القبيّات، وثق بالفيديو خلال مساهمتهم، في عمليات إخماد الحريق الكبير، الذي اندلع في البلدة، وجود إطارات لا تزال مُشتعلة في مساحة حرجيّة، وهذا يحتّم فتح تحقيق، وإعادة النظر بعشوائية التعامل مع ما تبقى بيئة وثروة حرجية. ورغم كل الضجيج الإعلامي الذي تجاوز المساحة الجغرافية للحريق، ورغم جهود الجيش والمتطوعين في عمليات المكافحة، إستمر تمدد النيران المندلعة منذ الاربعاء، والتي بدأت من القبيات من دون مقاومة فعّالة، من قبل أجهزة الدولة المهترئة، بعد أن حاصرت النيران الأهالي في عدد من المناطق السكنية، لتطل برأسها على جرود الهرمل بعد قضائها على الأخضر واليابس، في طريقها حيث كان في استقبالها، عددا من المسؤولين الذين حاولوا اطفاءها بتصاريح خراطيمهم النارية، وواكبتهم برودة مؤلفي الحكومة المزعومة، بالعزم والعون وبنداءات استغاثة للعالم كالعادة.
مآس تلتف حول بيوت خاوت الطبيعة، هنا تعجز الأبجدية عن وصف المشهد، هنا تحولت الحياة الى جحيم، وتعرت الأشجار وكشفت الأرض أمام السماء متشحة بالسواد. هنا كان الملجأ الآمن والحضن الهادئ لناس ابتعدوا عن صخب المدينة، هنا رئة الشمال من غربه الى شرقه، أصابها التلف وأصبحت بحاجة لأوكسجين لتبقى على قيد الحياة. هنا مثلث طوائف تعانقت أرواحهم في تلك البقعة المهمولة لتولد محبة وألفة.. هنا رائحة الشواء تفوح من المكان وتسمع أصوات الطيور باكية باحثة عن صغار لم يكسهم الريش. لقد تحولت الحياة الى رماد وإنحنى الهواء انكسارا أمام جذوع الأشجار المتفحمة، التي أبت الا ان تصمد لتعيد رسم اللوحة الخضراء، ربما بعد ٦٠ عاما، لتبقى بعيدة عن ضجيج سلطة، أحرقت لبنان من بوابة عاصمته، حتى هامش شماله لتضيء طريق فسادها