«الحياة السرّيّة للأشجار».. حين يكون زوج الأُمّ أباً صالحاً!

الرواية الجديدة ، للروائيّ والشاعر والناقد الأدبي التشيلي أليخاندرو سامبرا ، وهي الرواية الصادرة ، حديثاً ، مترجمة باللغة العربية عن ” دار السّاقي ” في بيروت ، في طبعة أولى 2020 ، تحت عنوان : ” الحياة السريّة للأشجار ” ، والتي قام بترجمتها هذه محمد مصطفى ، هي ليست رواية في عِلم الشجر ، أو عِلم النّبات . وبالتالي ، فهي لا تنتمي إلى أدب العلوم الطبيعيّة ، الزّراعية أو البيئيّة ، كما قد يتبادر، ربّما، إلى ذهن قارئ عنوانها ، أو مثلما قد يدور تَصوُّر ذلك في مخيّلته ، للوهلة الأولى .

اقرا ايضاً: منزل عائم فوق النهر.. رواية جديدة لزينب مرعي

حكاية زوجِ أمّ كأبٍ صالح  

لا بل إنّ رواية ” الحياة السرّيّة للأشجار ” ، تحكي حكاية زوجِ أمّ ، أجبرهُ قَدَرُهُ الشخصيّ – في لحظةٍ حياتيّةٍ مؤثّرة ، وفي ذات ليلة معيَّنة ، لم تعُد فيها الأمّ ( زوجته ) إلى البيت – على الإضطلاع بمسؤوليةٍ أكبر من السابق ، منذ زواجه من زوجته هذه ، في استمراريّة قيامه بمحاولة لعب دور الأبّ الصّالح ، لإبنة زوجته ، أ ي لإبنةٍ ليست من صُلبه . وهي الطفلة الصغيرة البالغة من العمر ثماني سنوات . 

تحكي هذه الرواية حكاية زوج أمّ نجح في محاولة لعب دور الأب الصالح لإبنة زوجته

خوليان وفيرونيكا ودانييلا 

وزوج الأمّ هو خوليان الشابّ الثلاثينيّ الذي يعمل أستاذاً للأدب في أربع جامعات في سانتياغو ، وهو كاتبٌ روائيّ في الوقت نفسه .

وفيرونيكا هي الشّابّة العشرينيّة ( على ما خوّلتنا القراءةُ تَخمِينه لأنّ الراوي لم يحدّد عمرها  بالظبط ) التي بعد ما تركت دراستها الجامعية  في فنّ الرسم ، بسبب من أنها كانت امرأةً حاملاً . كانت تعمل في الوقت نفسه  صانعة كعكٍ وفطائر ، لكن  وبما أنها لم تُرِد التخلّي عن هوايتها لفن الرسم ، واظبت على حضور الفصل الدّراسي الذي انتسبت إليه ، لأخذ دروس في هذا الفنّ . 

بالرغم من أن شخصياتها الأساسية هي ثلاث فلقد شكل غياب إحداها البطل الأوحد لهذه الرواية

ودانييلا تلميذة في مدرسة إبتدائية 

ذريعة سردية

وإنّ هذه الشخصيات الثلاث هي – أصلاً – الشخصيات المحوريّة لعالَم هذه الرواية . وما دفعنا الى قول كلمة  ” أصلاً ” ، هنا ، هو الأمر المتمثّل حصراً ، بتلك الحيلة الفنيّة التي لجأ اليها راوي هذه الرواية ( وهو الرّاوي / الكاتب هنا  ) ، كتقنيّة سرديّة ، أوقفتنا أمام ما نعتبره ، ” ذريعةَ السّرد الروائي ” ، لرواية ” الحياة السّرّيّة للأشجار ” ، وهي الذريعة التي نجح الراوي باستخدامها ، ببراعة لافتة ، من اجل كتابة روايته هذه ، أي من أجل مجرّد كتابة روايةٍ ، على ما يُستشَفُّ ممّا يُوحي به ، ضمناً، خطابها الروائي .  

هذا ، على أنّ البراعة التّقنيّة هنا ، شَخَّصها غيابُ الشخصيّة المحوريّة الثانية ، عبراستطاعته ( أي هذا التشخيص ) جعل هذا الغيابِ البطلَ الرئيس (  أي الأوّل  والأخير )  لعالَم هذه الرواية ، وقد جاء ذلك بالرغم من الإنتفاء المطلق لإنعكاس أيّ طَيفيّةٍ ( من طَيفٍ ) ومن أيّ نوعٍ كان ، لصاحبة هذا الغياب ، 

 في مخيّلة سَرد هذا العمل الروائي  

فالمُجريات السرديّة الواقعيّة  ، حيناً ، والمتخَيّلة ، حيناً آخَر ، والتي كلتيهما اختلطتا الى حدّ التماهي ،  حيناً ثالثاً ،  في معظم الأحيان في المتن الروائي هنا ، نقول إنّ كل هذه المُجريات مجتمعةً ، مَفصَلَها ( أي عَمِل على تَمَفصُلِها ) حَدَثُ الغياب الذي أضحى ،  ومنذ لحظة حدوثه ، حدثاً مركزياً . وهو الحدث الذي يبدو بوضوح ، أنه مقصودٌ بذاته ولِذاته ، لإتمام عملية تشكيل الإطار الشامل  للبناء الروائي بأكمله ، لرواية ” الحياة السرّيّة للأشجار ” ، بكل قُطَبهِ الظاهرة والمخفيّة معاً . أَمّا تَمَفصُل المُجريات السرديّة فلقد جسّدتهُ تقريريّةُ  التكرار الآتي ، مع بعض التعديلات الطّفيفة للغاية ، وحيثما جاءت أقوال  الراوي  / الكاتب : 

تحكمت بعقلية زوج الأمّ في هذه الرواية النظرة المستقبلية

” أمّا فيرونيكا فهي : حتّى الآن هناك شخص لم يصل ، إنها لم تَعُد من فصل الرسم الذي تَدرُس فيه . فيرونيكا هي ذلك الغائب عن غرفة نوم دانييلا ” . ” فيرونيكا لم تَعُد بعد من درس الرسم . وعندما تعود فيرونيكا ، تنتهي الرواية ، ولكن ما دامت لم تعد ، سوف تتواصل الرواية  . إذاً ، سوف تتواصل الرواية حتى تعود ، أو حتى يكون خوليان على يقين بأنها لن تعود ” . ” لكن الآن ، تمضي القصّة بما أنّ فيرونيكا لم تصل . وكما ذكرنا في البداية ، وكما نكرر ذلك ألف مرّة ومرّة ، تنتهي هذه القصة عندما تعود فيرونيكا ، أو حتى يقتنع خوليان بأنها لن تعود . ” . ” إذاً سوف تتواصل الرواية ما دامت فيرونيكا لم تعُد . ” . 

لكنّ الرواية ، انتهت ولم تنتهِ ، في الوقت ذاته ، فالرّوح التّضحويّة / ألرّعائيّة / الإحتضانيّة ، هي المتحكّمة أصلاً ، بوعي وأيضاً بلا وعي زوج الأمّ ( البطل الأساسي / الشخصية المحوريّة  الأولى ) . وبسبب من الهيمنة المطلقة للقدرة  المعنويّة  لهذه الروح على وجدانيّته ، سدّدت نظرته الإنسانية / الأخلاقيّة ، في اتّجاه أن تَكُون نظرةً أَماميّة أي نظرة مستقبليّة ، مستقبليّة فحسب ، تخصّ دانييلا وحدها : ” خوليان وصمةٌ تُمحى وتذوي . فيرونيكا وصمةٌ تُمحى وتظلّ . ألمستقبل هو قصّة دانييلا . ” . وهذا هو تماماً أليقين القاطع الذي جعل خوليان زوج الأمّ  ( الغائبة  ) ينجح ، نجاحاً كبيراً في دور الأب الصالح لدانييلا ، في تلك الليلة  وما قبلها وما بعدها ، على نحو مِثاليّ ( كما تقرر الرواية إيضاحاً وإيحاءاً على حدّ سواء ) .لكن في  تلك الليلة بقي خوليان  منتظراً عودة زوجته ، حتى مطلع  الفجر الى أن اقتنع، أو أقنع  نفسه أخيراً بأنها ( وهي التي بقيت أسباب اختفائها مجهولة تماماً حتى بعد انتهاء الرواية ) لن تعود الى الأبد . 

وكان هذا دافعاً لإبقاء نهاية الرواية مفتوحة ، على ما قد يحمله القابل من العمر المستقبليّ للفتاة الصغيرة ، في حياتها الآتية المنتَظَرة . 

بداية الرواية ونهايتها

فذات ليلة ، وبعد مضيّ ثلاث سنوات من زواج خوليان بفيرونيكا ، لم تعد فيرونيكا من فصل الرسم الذي تَدرس فيه . فاضطر خوليان ( وهو الذي في الواقع ” كان يعرف عن الأشجار أكثر مما يعرف عن دول العالم ” ) لأن يقصّ على دانييلا حكايات ” الحياة السرّيّة للأشجار ” . وتستيقظ دانييلا ، منتصف الليل في تلك الليلة .”  وتسأل الطفلة خوليان بصوت مكتوم ودامع ، أن يهدئ روعها ” ، ” بأن يكون الى جوارها .” ف ” لقد أرادت أن يدافع خوليان عنها ضد الظلام ” . و” تستمع دانييلا للقصص التي يسردها خوليان . وعندما تنام دانييلا يستعيد خوليان ذكرياته الذاتية . 

ف ” كان خوليان يهدئ روع الفتاة الصغيرة كي تخلد الى النوم بأن يقص عليها ” الحياة السرّيّة للأشجار ” ، وهي مجموعة حكايات كان يختلقها . كان البطلان شجرة حور وشجرة باوباب . وكانت الشجرتان تتحدثان في هزيع الليل ، عندما لا يراهما أحد ، عن أمور من قبيل التمثيل الضوئي والسناجب ، وكذلك عن المزايا الكثيرة التي تتمتع بها الأشجار مقارنة بالبشر ، أو بالحيوانات ، أو بتلك الكتل الغبيّة من الإسمنت ، على حد وصفهما . 

لم تكن دانييلا إبنته ، لكن كان من العسير عليه ألاّ يفكر فيها إلاّ على ذلك النحو . ” . 

هكذا تبدأ رواية ” الحياة السرّيّة للأشجار” . وتنتهي باصطحاب خوليان دانييلا الى مَدرستها الإبتدائية  ، صبيحة اليوم التالي لليلة غياب أمّها . ولقد جرى هذا الأمر – وكما تُصوره الرواية – على نحوٍ طبيعي وعاديّ جداً وكأنّ شيئاً لم يحدث . أو لم يكن على الإطلاق ، بالنسبة لغياب أمّها .فلقد أَوهَمَ خوليان دانييلا بأنها أثناء ما كانت نائمة ، عادت أمها ليلاً، ثم ذهبت الى مدينة بعيدة  ، حيث لديها لقاء مبكرهناك متعلق بالعمل . لكن  لم يبد أن الفتاة  اقتنعت بما قاله لها . 

السابق
صحيفة إسرائيلية تحذر: حرب لبنان مع إسرائيل «ستندلع قريباً»!
التالي
الطبيب الجرّاح.. مانح التقارير الكاذبة!