كما كان متوقّعا، بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية مصريّة، أعلنت حركة “حماس” النصر. ليس معروفا بعد على من انتصرت “حماس” التي استطاعت الاستفادة إلى أبعد حدّ من ثورة أهل القدس في وجه الاحتلال بعدما حاول الإسرائيليون في أواخر شهر رمضان مصادرة منازل وممتلكات في حيّ الشيخ جرّاح.
الأمر الوحيد الثابت أنّ “حماس” انتصرت على أهل غزّة وعلى السلطة الوطنيّة برئاسة محمود عبّاس (أبومازن). أصبحت “حماس” في الواجهة الفلسطينية. صحيح أنّها عوّمت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قد يكون قادرا على تشكيل حكومة جديدة في ظلّ التفاف اليمين الإسرائيلي حوله مجددا وفي ظلّ الدور المرشّح لأن يلعبه النواب الفلسطينيون الأربعة الذين ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين في الكنيست الإسرائيلي… لكن الصحيح أيضا أنّ لا بدّ من التساؤل هل لدى “حماس” مشروعها السياسي الوطني المستقلّ الذي يأخذ في الاعتبار الواقع على الأرض، أي الواقع بعيدا عن الشعارات الطنانة الفارغة من أيّ مضمون؟
بكلام أوضح، ليس معروفا بعد هل لدى “حماس” الرغبة في أن تكون جزءا من حكومة وحدة وطنيّة فلسطينية تستطيع الدخول في مفاوضات جدّية مع إسرائيل بإشراف دولي استنادا إلى البرنامج الوطني الفلسطيني الذي يعتمد خيار الدولتين؟ هناك أيضا مبادرة السلام السعوديّة التي أقرّتها قمّة بيروت في العام 2002 وأصبحت مبادرة سلام عربيّة. لا تزال مبادرة السلام العربيّة التي تجاهلتها إسرائيل تصلح أساسا لتسوية معقولة، هذا إذا كان في إسرائيل من يريد التوصّل إلى تسوية. كان واضحا من كلام بيني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي تركيزه على العمليّة السلمية في المرحلة المقبلة، في حين تجاهل “بيبي” نتنياهو أي كلام عن مثل هذه العمليّة في ضوء حرب غزّة.
توقف القصف الإسرائيلي لغزّة وتوقفت “حماس” عن إطلاق صواريخها. لم يعد ممكنا تجاهل أن “حماس”، وهي جزء لا يتجزّأ من حركة الإخوان المسلمين، استطاعت تسجيل نقاط. كيف تبني عليها بصفة كونها الممثّل الجديد للشعب الفلسطيني، أقلّه ظاهرا؟ ليس معروفا هل “حماس” مستعدة لدور جديد تكون فيه صاحبة مشروع وطني وليس مجرّد أداة لإيران أو لتركيا… أو في انتظار وصول حقيبة الدولارات من قطر في نهاية كلّ شهر، وهي حقيبة تمرّ عبر إسرائيل وليس عبر أي طرف آخر!
اقرأ أيضاً: من القدس الى غزة.. الكل «يربح» وفلسطين «تترقّب»!
ما لا بدّ من ملاحظته أيضا أن الإدارة الأميركية باتت تؤمن بأنّ لا مجال لتأخير اهتمامها بالشرق الأوسط والتركيز عليه. سترسل قريبا وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى المنطقة التي قفزت فجأة إلى أولوية أولوياتها. تحدّث الرئيس جو بايدن ست مرات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. أجبره في النهاية على وقف القصف الوحشي على غزّة. لكن اللافت أيضا الدور الذي لعبته مصر واتصال بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسي.
صارت مصر في قلب الحدث. هناك دعم عربي لمصر التي لم يعد في استطاعة الرئيس الأميركي تجاهل رئيسها. باتت الإدارة الأميركية تفهم معنى أن يكون هناك استقرار في مصر. أكثر من ذلك، أكدت مصر التي أرسلت وفدين أمنيين إلى غزّة وإسرائيل للإشراف على وقف إطلاق النار استعدادها لتقديم نصف مليار دولار من أجل إعادة إعمار غزّة. الأكيد أن معنى ذلك وجود دعم عربي لمصر ورهان على دور مصري في غزّة التي كانت سابقا تحت الإدارة المصرية. هذا رهان على إعادة الحياة إلى غزّة بدل بقائها إمارة إسلامية على الطريقة الطالبانية تحكمها “حماس” التي لا يهمّها سوى تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني نحو الأسوأ، فضلا عن إغراقه في البؤس والجهل.
ستكون الأيّام المقبلة حبلى بالأحداث في ضوء الاهتمام العربي والأوروبي والأميركي، خصوصا، بإيجاد تسوية سياسية بما يتجاوز غزّة. لا شكّ أن مصر ستكون صاحبة دور كبير في القطاع وفي جعل “حماس” تعود إلى رشدها، هذا إذا كان لديها رشد في يوم من الأيّام، بصفة كونها طرفا فلسطينيا مهمّا ولكن ليس الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
من هنا، يبدو دعم الدور المصري الذي اعترفت به أميركا وإسرائيل مهمّا إلى حدّ كبير، خصوصا في حال كان مطلوبا أن تحلّ لغة المفاوضات مكان لغة السلاح والتدمير ونشر الفقر والبؤس.
نعم، دور مصر مهمّ. هذا لا يعود إلى قربها الجغرافي من غزة فحسب، بل يعود أيضا إلى أنّها تمتلك القدرة على زرع بعض العقلانيّة في رؤوس حامية تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين وتعتقد أن في استطاعتها العيش إلى ما لا نهاية في ظل الشعارات ما دامت الأموال تتدفّق على غزّة وما دامت الصواريخ تأتي بطريقة أو بأخرى من إيران.