حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران العالقة بين الترتيبات السعودية والتسريبات «الظريفية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

على الرغم من استمرار الجدل حول التسريب الصوتي لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، والتداعيات التي يمكن ان تنتج عنه على المستويين الداخلي، وما يتعلق بالانتخابات والمعركة السياسية بين التيارين المحافظ والاصلاحي، والخارجي المتعلق بالمفاوضات النووية الجارية في فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي، الا ان المحطة الابرز والتي طغت على ما جاء في كلام ظريف كانت المقابلة التي اجراها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مع قناة العربية، والمواقف الجديدة التي اطلقها فيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين السعودية وايران.

قد يكون من الطبيعي الربط بين ما يجري في فيينا والمفاوضات النووية، والمستجد في الموقف السعودي الذي بدأ اكثر ليونة عما كان عليه في السابق، فيما يتعلق بالرغبة في بناء علاقات جيدة مع الجار الايراني، من دون التخلي عن الهواجس الحقيقية ومصادر القلق التي لا تنحصر بالسعودية فقط، بل تشترك معها كل دول المنطقة خصوصا دول الجوار العربي، ومصدرها السلوك الايراني في المنطقة والنفوذ الذي تمارسه في عدد من البلدان عبر حلفائها، بالاضافة الى القلق من الطموحات النووية، في ظل عدم وجود تطمينات حقيقة حول الاهداف النهائية له، الى جانب ما يشكله برنامج الصواريخ الباليستية من تهديد، قد يكون من الصعب التعايش معه، ما لم يكن خاضعا لضوابط تمنع تحوله الى مصدر قلق دائم.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: السعودية وطهران.. «جلسات» تحت الطاولة لعلاج «الايرانوفوبيا»!

التزامن بين التقدم في المفاوضات النووية والليونة السعودية، يفرض او يفترض اعادة ترتيب الموقف من تكذيب اللقاء بينهما، الذي صدر عن الطرفين الايراني والسعودية في العاصمة العراقية بغداد والذي كان طابعه امنيا، اذ شارك عن الطرف السعودي رئيس جهاز الاستخبارات الفريق خالد بن علي بن عبدالله الحميدان، وعن ايران معاون الادميرال علي شمخاني امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني في التاسع من شهر ابريل/ نيسان 2021.

اللقاء الذي بات حقيقة بعد الاشارات الايجابية الصادرة عن ولي العهد السعودي، والمواقف المتقدمة لوزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف خلال زيارته لسلطنة عمان، واجتماعه مع قيادات انصار الله وحكومة صنعاء، والتي اكد فيها تأييد طهران لعملية التفاوض والسلام في هذا البلد، واستعدادها للمساعدة في تسهيل هذا المسار، وعلى الرغم من انه يتعارض مع الموقف الذي سبق ان ابلغه ظريف الى الموفد الدولي للازمة اليمنية مارتن غريفيت، بان طهران ليست طرفا في الازمة وان الحديث يجب ان يكون بين الحوثيين والسعودية مباشرة. الا انه يعزز ما يتسرب عن عقد لقاء ثان بين الطرفين في بغداد ايضا،  انه اعلى مستوى من السابق لما يدور الحديث حوله، عن مشاركة رئيس جهاز الاستخبارات الامريكية وليم برنز الذي وصل الى بغداد بعد زيارة سرية قام بها الى افغانستان، الى جانب الطرفين السعودي بقيادة الفريق الحميدان، وفيما تختلف التسريبات عن الشخصية الايرانية المشاركة في اللقاء بين امين المجلس الاعلى للامن القومي الادميرال علي شمخاني، وبين معاون البرلمان لرئيس الجمهورية حسين على  اميري.

جميع الاطراف الايرانية تتعامل مع الحدث السعودي بترحيب لما سيكون له من انعكاسات ايجابية على العلاقة الثنائية

يمكن القول ان جميع الاطراف الايرانية تتعامل مع الحدث السعودي بترحيب، لما سيكون له من انعكاسات ايجابية على العلاقة الثنائية وعلى ازمات المنطقة، وما يساهم فيه من عودة الهدوء وتخفيف التوتر في الاقليم. وان كان هناك انقسام في قراءة الاسباب، التي دفعت ولي العهد للاتخاذ هذه الخطوة واعلان هذه المواقف. ففي الوقت الذي اعتبرت جهات اصلاحية وبنظرة براغماتية، ان هذه الخطوة تكشف مدى المواكبة والمتابعة التي تقوم بها القيادة السياسية السعودية في تحليل المعطيات والمستجدات، وضرورة التكيف معها بناء على المصالح السعودية، بالاضافة الى قراءة دقيقة للمتغيرات التي تحصل على الساحة الدولية، خاصة بعد التغيير في الادارة الامريكية ووصول الرئيس جو بايدن الى البيت الابيض، ما يعني ضرورة تكييف السياسات السعودية مع المعطيات الجديدة، ورؤية الادارة الامريكية لازمات الشرق الاوسط. والتي بدأت مؤشراتها من قمة العلا التي انتهت المقاطعة مع قطر.

الانفتاح الايراني لا يقف عند مستوى اعادة ترميم علاقات طهران مع الرياض، بل في محاولة اعادة التواصل والتفاهم مع المملكة الاردنية والدولة المصرية

مواقف ولي العهد السعودي تكشف رغبة الطرفين، في الانتقال من التعامل الامني الذي سيطر على اللقاء الاول بينهما، الى تفعيل الخطوات السياسية وتسهيل عملية التفاهم، الامر الذي  يعتبر تطورا مهما ومفصليا، يكشف عن رغبة ثلاثية مشتركة امريكية سعودية ايرانية، بالانتقال الى مستوى جديد من العلاقات في المنطقة تساعد في اعادة الهدوء، وخفض التوتر والبحث الجدي عن حلول للازمات، والتأسيس لمرحلة مختلفة من التعايش بين هذه الاطراف الثلاثة في الشرق الاوسط، والتي تؤثر ايجابا على جميع دول المنطقة، خصوصا وان الانفتاح الايراني لا يقف عند مستوى اعادة ترميم علاقات طهران مع الرياض، بل في محاولة اعادة التواصل والتفاهم مع المملكة الاردنية والدولة المصرية، في ما يشبه اقامة رابعية شرق اوسطية جديدة قائمة على اسس مختلفة عن السابق، وقد تكون بديلا لقمة الاسكندرية الثلاثية بين السعودية ومصر وسوريا، في تسيعينيات القرن الماضي والتي كانت طهران ترغب بشدة الانضمام لها.

واذا ما كانت الاصلاحيون ينظرون الى عودة العلاقة مع السعودية، انتصارا لمنطق الحوار وخفض التوتر والانفتاح الدبلوماسي والسياسي، فان تيارا داخل السلطة في طهران من المحافظين المتشددين، قد لا يعجبه حصول هذا التوافق في هذه المرحلة وعشية الانتخابات الرئاسية المفصلية، لانها قد تعطي خصومهم السياسيين ورقة تساعدهم في تحسين شروطهم الانتخابية وتعزز لديهم امال الفوز، وقد لا تتردد هذه الجماعات في تفسير الانفتاح السعودي  بانه نتيجة للشروط، التي فرضها النفوذ الايراني في الاقليم، والدور الذي لعبه الجنرال قاسم سليماني في المنطقة، ان كان في اليمن الذي تصفه بانه مصدر القلق السعودي الاول، او العراق الذي تسعى السعودية للدخول اليه على حساب الدور الايراني، او سوريا التي استطاع سليماني اخراجها من هذه الساحة او على المستوى اللبناني، ورفضها لدور حزب الله الحليف الاساس لها على هذه الساحة، وبالتالي قد يؤدي ذلك الى عرقلة المسار الانفتاحي، الذي تسعى اليه حكومة ورحاني قبل نهاية عهدها وتسجيل هذا الانجاز في خانتها.

تمسك المحافظون ويتمسكون في تعاملهم مع كلام ظريف المسرب الى حد تخوينه

ومن هذه الزاوية تمسك المحافظون ويتمسكون في تعاملهم مع كلام ظريف المسرب، والذي تحدث فيه عن ثنائية “الميدان” و “الدبلوماسية” او العمل العسكري والجهد الدبلوماسي، الى حد تخوينه وعدم قدرته على فهم واكتشاف اهمية العمل العسكري في دعم الجهد الدبلوماسي، انطلاقا من السبب الذي دفع ولي العهد السعودي الى مواقفه الجديدة، ما وصل اليه من حقائق بان العمل الميداني لم يوصل الى النتيجة التي ارادها، لذلك انتقل الى العمل الدبلوماسي، وان الجهود العسكرية التي بذلها الجنرال قاسم سليماني في الاقليم، هي التي اعطت الدفع للجهد الدبلوماسي، ودعمته في التمسك بمواقفه وعدم التنازل امام الاطراف الاخرى سواء كانت اقليمية او دولية.

وما زالت تداعيات كلام ظريف مسيطرة على المشهد السياسي الداخلي، واذا ما كان النظام قد استطاع تجاوز الاثار السلبية لما تسرب على المفاوضات النووية، فان الارتدادات على السياسة الداخلية لم تتوقف، خصوصا بعد دخول رئيس الجمهورية حسن روحاني على خط الازمة مباشرة، وتأكيده على اهمية ثنائية “الميدان و الدبلوماسية” في تحقيق الاهداف الايراني والدفاع عن المصالح القومية، وتأكيده على عمق العلاقة التي تربط بين الحكومة والمؤسسات العسكرية والامنية المختلفة من جيش وحرس ثورة وتعبئة (بسيج) وقوى امنية وشرطة، الا ان كلامه كشف عن ضغوط كبيرة تعرض لها، لكي لا يأخذ موقفا داعما وصريحا الى جانب وزير خارجيته، عندما اعتبر ان الكلام الصادر عن ظريف يمثله شخصيا، ولا يمثل رأي وموقف الحكومة، مكتفيا بمدح الجهود الدبلوماسية الجبارة التي قام بها، في ترجمة سياسات النظام على الساحة الدولية والدفاع عن مصالح ايران القومية.

ما بين وصف ظريف بالخائن والحديث عن امكانية سحب الثقة عنه، وحجم التأثير الذي يفرضه المتغير السعودي على السياسة والمواقف الايرانية، تبقى هذه التطورات في اطار الجدل والتوظيف السياسي في المعركة الانتخابية، بانتظار اول خطاب للمرشد الاعلى الذي وحده القادرة على حسم الموقف سلبا او ايجابا واعطاء الكلمة الفصل.

السابق
«نراجع الإتفاق مع حزب الله».. باسيل: سأعود منتصراً وأقوى!
التالي
باسيل في «أقبح» توصيف لثورة 17 تشرين.. هذا ما قاله من روسيا!