رياض الرّيّس يُحّيي «صحافة الشجعان».. المنسية!

رياض الريس

“الى كل صحافيّ شجاع حاول أكثر من غيره ولم ييأس، تحية ” .

هذه التحية التي نراها تليق بموجّهها، أوّلاً، – بصفته صحافيا مخضرما- هي تحية الناشر رياض نجيب الريّس، الذي هو، ايضا، شاعر وناقد وكاتب.

وهذه التحية، هي التحية الاهدائية ، التي يصدّر بها الرّيّس كتابه الجديد ( الموسوم بـ”صحافة النسيان” والصادر حديثا عن “دار رياض الرّيّس” في بيروت، في طبعة اولى 2020). الذي هو من جملة مؤلفاته في المجال الصحافي.

اقرأ أيضاً: «مئوية» تركيا الحديثة.. الرحلة الشيقة والشاقة!

كتابٌ تذكيريّ وتأسيسيّ

وكتاب “صحافة النسيان” هو، وبحسب محتوياته كافة ، كتاب تذكيريٌ بكل ما للكلمة من معنى، اذ هو على الضد، تماما، مما قد يُفهم من عنوانه، للوهلة الأولى. ذلك ان الريس، يؤسس من خلال كتابه هذا، ذاكرة للنسيان في عالم الصحافة العربية، أي ليجعل للصحافة العربية، تحديدا، ذاكرة حيّة للنسيان الصحافي أو لما يسمّيه، ابتكاراً ، “صحافة النسيان”. وهي الصحافة التي يُشهدنا عليها في هذا الكتاب الذي يتألف من: مقدمة وتسعة محاور صحافية تذكيرية.

تعلمتُ من كتاب الشاعر محمود درويش  “ذاكرة  للنسيان” مقاومة تلاشي الذاكرة ليصبح النسيان في أهمية كل الذكريات

من البيان التأسيسي لـ”صحافة النسيان”.

والمقدمة ينضح مضمونها بمقومات ما نسميه، ووفقاً، لجماع دلالاته “البيان التأسيسي” لـ”صحافة النسيان” التي يتناولها الريس في هذا الكتاب، الذي أخذ عنوانه من عنوان مقدمته  التي نورد هنا مقتطفات من نصها الحرفي :  

صحافة النسيان

تذكرتُ وأنا أهمّ في كتابة هذه المقدمة كتاب صديقي الشاعر الكبير الراحل محمود درويش “ذاكرة للنسيان” الذي تعلمتُ منه كيف يقاوم المرء تلاشي الذاكرة ليصبح النسيان في أهمية كل الذكريات . وتذكرتُ ايضا  مقولة الجنرال ا لأميركي  دوغلاس ماك آرثر، محرر اليابان خلال الحرب العالمية الثانية ، اذ قال بعد تقاعده في عام 1951 أمام الكونغرس الأميركي جملته الشهيرة: “ان الجنود القدامى لا يموتون أبداً، انما يتلاشون”.

توقفتُ عند جملة الجنرال الأميركي لأنها تعني الصحافيين والكتّاب بقدر ما تعني العسكريين ، لأستبدل بكلمة “يتلاشون” كلمة “يتقاعدون”. فالجنود يموتون، وقد يتلاشون، لكن الصحافيين والكتّاب ما دام لهم قصاصة ورق عليها حروفهم وكلماتهم، فهم أحياء يُرزَقون عند ربهم والقراء معاً، لذلك استخدمتُ كلمة يتقاعدون لأنها تحمل معنى الحياة لا الفناء.

هكذا قررتُ  

بعد عشرين عاماً من تقاعدي المهني والفعلي، قررتُ توظيف هذا المصطلح في نبش بعض تاريخي الصحافي، وفي العودة الى ما أسميه أنا تاريخ ما أهملته الصحافة والقراء معاً. انها صحافة النسيان . على هذا الأساس قررتُ أن أعود الى الذاكرة المكتوبة على الرغم من ثقوبها الكثيرة التي تزداد اتساعاً مع مرور الزمن، وأن أغوص في أوراق، كاد حبر بعضها أن يبهت، عن مرحلة لم تنصفها الصحافة، ولم تعطها من الاهتمام، وطواها النسيان بمجرد طيّ القارئ الجريدة أو المجلة. واخترتُ من بين هذه الأوراق الصفراء القديمة المبعثرة ما هو عن ناس عرفتهم وقضايا سياسية وثقافية عاصرتُها.

ما أردته من هذا الكتاب  

أردتُ من هذا الكتاب ان أعيد الاعتبار الى الذاكرة الصحافية لما نسيه اليمَنيون والخليجيون وباقي العرب من ماض استهلك كثيراً من الخسائر والقليل من الأرباح التي ينعمون بها اليوم .

فالرخاء الخليجي المصطنع والاستقلال الشكلي كان له ثمن . والحرب  اليمنية  – الخليجية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات كانت ثمناً باهظاً للهيمنة الخليجية الغنية على الفقر اليمني التاريخي والتشرذم العربي .  

بهذه الصورة تذكرتُ بداية أيامي في الجزيرة العربية حيث كان كل شيء فيها يحمل طلاسم السؤال من عربي لم يسمع من قبل بكلمة خليجي ، وعاش كل هذه السنوات يتابع من قرب وأحياناً من بعد ، لماذا كان اليمن سعيداً والخليج تعيساً والعرب مهزومين وثقافتنا مستعارة وضحلة.

يؤسس الرّيّس من خلال هذا الكتاب الذاكرة الحية التي ابتكرها للنسيان الصحافي العربي

لتلميع الذاكرة 

أما القضايا الأخرى التي حملتها صحافة النسيان في هذا الكتاب ، فهي لتلميع الذاكرة بما نسيه غير اليمني والخليجي من قضايا سياسية وفكرية، أكان تدمير سورية وسقوط لبنان ، أم فشل فكرة القومية العربية، أم احتمال قيام مستبد غير عادل وانهيار قضية الديموقراطية والتعددية في بلاد تجتاحها الرياح الهوجاء كالوباء الذي نعيش فيه اليوم.

اقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: لبنان.. أزمة دستور أم حوكمة

أما محاور الكتاب هي محاور تذكيرية، ذلك لأنها وكما جاءت بحسب تسلسلها النصيّ، تذكّر: ب: “ما نسيه اليَمنيون/ أحزاب عدن وحروبها 1967″. (المحور الأوّل). وب”ما نسيه الخليجيون / مجلس التعاون الخليجي: سقوط البيت العربي”. (المحور الثاني). وب”ما نسيه السوريون/ غسل الكلى السوري: بدايات الحارات الضَّيّقة”. (المحور الثالث). وب”ما نسيه اللبنانيون/ العلاقات اللبنانية – السورية: من السوري القلق الى اللبناني الخائف). (المحور الرابع). وب”ما نسيه القوميون/ المؤتمر القومي العربي: دعوة الى حزب سياسي عصري”. (المحور الخامس). وب”ما نسيه الشعراء/ الشاعر القروي: أسئلة الزمن المخنوق” (المحور السادس). وب”ما نسيه المثقفون/ 1984: عصر جورج أورويل”. (المحور السابع). وب”ما نسيه المسلمون/ الآغا خان والاسماعيلية: عن اسلام مستنير وامام عصري”. (المحور الثامن). وب”ما نسيه المصرفيون/ يوسف بيدس في سويسرا: الجنتلمان الذي لم أقابله”. (المحور التاسع والأخير).

السابق
بعد دعوة الفرزلي للانقلاب.. وهاب يردّ: انتبه يا صديقي!
التالي
رئيس لقاء الفكر العاملي يدعو لحالة طوارئ وطنية: أما آن للسياسات العبثية أن تنتهي؟