كريم مروة يكتب تاريخه الشخصي..هذه محطات حياتي!

يروي المفكر والكاتب كريم مروة محطات في اعوام حياته التسعين واجزاءاً من تاريخه الشخصي، وابرز محطاته ومؤلفاته ونضاله السياسي، ونشاطه الفكري والمعرفي والفلسفي.

” ويهمني وأنا أنهي هذه المحطات من حياتي أن أذكّر بأنني تابعت منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي وصولا الى هذه اللحظة من حياتي بعد أن دخلت في التسعين من العمر ، الكتابة في الصحافة العربية والأجنبية والحوارات في وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية حول مختلف القضايا الفكرية والسياسية وهي تعد بالعشرات . وتابعت اصدار الكتب التي بلغ عددها حتى الآن 34 كتابا وثمانية كتب بالاشتراك مع آخرين.

وبلغ عدد البلدان التي زرتها في مهمات حزبية وأممية وللمشاركة في ندوات ومؤتمرات ولإلقاء محاضرات في قارات العالم الخمس ، بلغ عددها ثلاثة وستين بلدا . وبلغ عدد القيادات والشخصيات السياسية والثقافية التي التقيت بها في مختلف الأحزاب من كل الاتجاهات في العالم العشرات. وبلغ عدد الرؤساء الذين التقيت بهم واحدا وأربعين رئيسا.

لكن أكثر ما يسعدني وأنا في التسعين من عمري أن عائلتي كبرت وأصبحت جدا لثلاث حفيدات هن ليديا وريم ابنتا هانية وياسمينا ابنة غسان “.

كتابات جبران خليل جبران غيرت مسار حياتي

هذه الفقرة التعريفية المكثفة ، هي عائدة لكاتبها كريم مروّة ، وهو يلخص فيها معظم المحاور الأساسية الفكرية والسياسية والعائلية لسيرته الذاتية أي تاريخه الشخصي الذي تتبلور تفصيلاته ، مجتمعة ، في خلال المتن الحكائي /المتمثل بالسرد السّيريّ لهذه السيرة التي جاءت تحت عنوان : ” كريم مروة : محطات في حياتي ” ، والتي انتشرت مخطوطتها ( ذلك لأن هذه السيرة لم تظهر بعد في كتاب مطبوع ) ، على وسائل التواصل الاجتماعي ، التي تداولتها ، وعلى نطاق واسع ، منذ أيام . وسيرة كريم مروّة ، هي سيرة غنية ، وحافلة بوقائع وأحداث ثقافية وسياسية وحياتية ( شخصية وعمومية ومحلية وعالمية ) على السواء . ذلك لأنها – وبطبيعة الحال – هي سيرة رجل ذي شخصية معرفية مرموقة ، اذ هي شخصية مفكر دياليكتيكي ، اض

طلع – تنظيرا وممارسة – بأدوار فكرية وسياسية وثقافية طليعية ، جعلته علما من أعلامنا الكبار ، بصفته وجها من الوجوه المضيئة في تاريخنا .

أنا وجورج حاوي وجورج البطل مثّلنا الحزب الشيوعي اللبناني في الحركة الوطنية اللبنانية

كريم مروة يكتب تاريخه الشخصي ” محطات في حياتي ” ، في هذه السيرة  التي يذيلها بنظرته الخاصة الى ثورة 17 تشرين الأول 2019 . ونقتطف هنا هذه المقاطع اليسيرة الآتية من هذه السيرة :

الطالب الكاتب والثائر الشيوعي الرومانسي

  في عام 1947 أرسلني والدي الى بغداد لمتابعة دراستي الثانوية برعاية ابن عمه المفكر التراثي الشهيد حسين مروة . وفي عام 1948 عام النكبة انتسبت الى الفكر الشيوعي بصيغة رومانسية.

وكنت منذ الخامسة عشرة من عمري قوميا عربيا رومانسيا علمانيا معاديا لكل أشكال العنصرية والشوفينية . كنت يومها ( اي في 1946 ) قد تأثرت بكتابات جبران خليل جبران التي غيرت مسار حياتي محتفظا بالقيم الانسانية في الدين التي كان قد غرسها والدي في عقلي وفي وجداني.

إقرأ أيضاً: في ذكرى إستشهاده ورفاقه الـ31..«بلوك» تذكاري للشهيد حكمت الأمين

وصرت منذ ذلك التاريخ متمسكا بوطنيتي اللبنانية ومتمسكا في الآن ذاته بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة على أرض وطنه فلسطين أسوة بسائر البلدان العربية التي نالت استقلالها ومنها وطني لبنان.

وأود أن أشير هنا الى أن علاقتي بفلسطين تعود الى زمن الطفولة والشباب الأول . اذ كان أهل بلدتنا حاريص يذهبون الى المدن الفلسطينية المجاورة للعمل ولشراء حاجاتهم.

وكان شقيقي مرتضى يعمل في احدى المؤسسات في مدينة حيفا . وكانت ” خرجيتنا ” اليومية نحن الأطفال تقدم لنا بالعملة الفلسطينية . الأمر الذي جعل فلسطين تعيش في وجداني منذ ذلك التاريخ .

نجوت من محاولتيّ اغتيال احبطتهما مخابرات الجيش اللبناني

كان انتسابي الى الشيوعية في العراق في التاريخ الآنف الذكر ردة فعل على ما شهدته من أحداث في العراق وفي لبنان وفي البلدان العربية الأخرى بعد حصولها على الاستقلال نقيضا لما عبّرت عنه قوميتي العربية في ذلك الحين ، كانت هزيمة الجيوش العربية في فلسطين أكثرها ايلاما بالنسبة اليّ.

وكنت في الآن  ذاته أرى في انتصارات الجيش السوفياتي ضد الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية باسم الاشتراكية صيغة مكملة لقوميتي التي لم أتخلى عنها .

تعرفت في العراق الى كبار الشعراء الجواهري والسيّاب والملائكة والحيدري والى مثقفين آخرين والى شخصيات سياسية من بينها أعضاء في قيادة الحزب الشيوعي العراقي.

وكان منزل حسين مروة في مدينة الكاظمية ومنزل صديق عمره محمد شرارة في الكرادة الشرقية المكانان اللذان تعرفت فيهما الى معظم اولئك المثقفين.

أما الجواهري فكانت بداية علاقتي به في المقال الذي نشره لي في اواخر شهر كانون الأول من عام 1947 في صدر الصفحة الاولى من جريدته ” الرأي العام ” تحت عنوان ” لا بد من ثورة “.

ثم عملت في الجريدة بواسطة من حسين مروة مراسلا صحفيا للجريدة في البرلمان في مطلع عام 1948 لفترة قصيرة . ثم أصبحت من كتّاب الجريدة.

وتوالت لقاءاتي مع الجواهري خلال وثبة الشعب العراقي في ذلك العام وصولا الى صيف عام 1949 .

منحني رئيس الجمهورية وسام الأرز من رتبة فارس في احتفال حاشد اقيم تكريما لي

وأشهد أن ذينك العامين اللذين قضيتهما في العراق قد ساهما في تكوين العناصر الأولى لشخصيتي . وعندما غادرت العراق كانت البلاد قد دخلت في أزمة ولّدتها الانتكاسة التي منيت بها الثورة الشعبية التي أطاحت بحكومة صالح جبر واسقطت معاهدة ” بورتسماوث ” التي كان قد وقعها في مطالع عام 1948 .

وكان من التدابير التي اتخذت بحق حسين مروة تجريده من الجنسية العراقية بسبب مواقفه النقدية لأركان الدولة والطلب اليه بمغادرة العراق . واضطررت الى مغادرة العراق مع العائلة بعد انتهاء العام الدراسي ، قبل ان أستكمل السنة الاخيرة من دراستي الثانوية .

قارئ طه حسين وصديق رئيف خوري  

بعد عودتي الى لبنان في صيف عام 1949 بدأت أقرأ في مجلة الكاتب المصري لمؤسسها عميد الأدب العربي طه حسين الحافلة بالمقالات لكبار الأدباء والمفكرين العرب والأجانب.

وكنت حريصا على وجه التحديد على قراءة المقالات الافتتاحية التي كان يكتبها طه حسين والتي كان حجمها كبيرا وكانت متنوعة.

وأذكر في الآن ذاته أنني  بدأت في ذلك التاريخ أقرأ في مجلة الطريق التي كان يصدرها الحزب الشيوعي والتي أصبحت منذ ذلك التاريخ رفيقة عمري .في  خلال عامي 1951 و1952 اقمت علاقة مع الأديب والمفكر رئيف خوري ومعه عدد من المثقفين الشيوعيين .

 عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي

انتسبت الى الحزب الشيوعي اللبناني في اواخر عام 1952 . وفي اواخر عام 1964 ، وكان الحزب  الشيوعي اللبناني قد انفصل عن الحزب الشيوعي السوري، استقبلني الرفيق  نقولا شاوي واخبرني بأنني عيّنت عضوا في المكتب السياسي .

في مطلع عام 1965 تشكلت جبهة الاحزاب والشخصيات الوطنية بقيادة كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي . ومن موقعي في قيادة الحزب ومعي الرفيقان جورج حاوي وجورج البطل مثّلنا الحزب في الجبهة . والمعروف ان جبهة الاحزاب قد اتخذت في مطالع السبعينات اسم الحركة الوطنية اللبنانية .

في الخامس والعشرين من شهر كانون الاول من عام 1973 طلقت العزوبية ودخلت في مملكة الزواج مقترنا برفيقة العمر نجوى .

 نجوت من اغتيالين

في العام 1987 جاءني صديقي الوزير ميشال اده مكلفا من الرئيس امين الجميل ليخبرني بأنني نجوت من محاولتيّ اغتيال أحبطتهما مخابرات الجيش وأن عليّ أن أخرج من البلاد حتى لا أسقط شهيدا في محاولة ثالثة.  في عام 1993 ، وكانت مجلة الطريق قد توقفت عن الصدور في العام الخمسين لصدورها ، قررت أن أعيد اصدارها على مسؤوليتي بموافقة من قيادة الحزب . وعينت محمد دكروب رئيسا للتحرير . ووضعت خطة للوظيفة الجديدة التي ارتأيتها للمجلة .

وسام الفارس

في عام 2004 منحني رئيس الجمهورية وسام الأرز من رتبة فارس . وجرى احتفال تكريما لي نظمته وزارة الثقافة في قصر الأونيسكو كان حاشدا .

شاهد أمام العالم

وبعد ، فانني أشهد أمام العالم بأنني عشت حياتي وما أزال بحلوها ومرها . وكانت ترافقني على امتداد حياتي منذ شبابي الباكر اهتماماتي الثقافية التي تعبر عنها الآن مكتبتي الغنية بكل أنواع الكتب في كل مجالات المعرفة ، ومتابعتي من دون توقف الاعمال المسرحية والسينمائية اللبنانية والعربية والعالمية ، وقراءتي للشعر العربي قديمه وحديثه.

وأخص بالذكر فيما أعتبره رفيقا دائما لي في حياتي هو اجتماعي المتواصل للموسيقى الكلاسيكية واستماعي لرواد الطرب والغناء قديمه وحديثه .

على ثوار 17 تشرين ألاّييأسوا مطلقا من الاستمرار في مهمتهم التاريخية

تلك هي باختصار مكثف بعض العناصر الأساسية في سيرتي وتجربتي السياسية والفكرية التي قدمتها لي وأفرجت عنها ذاكرتي الغنية بالأحداث ، ما كنت شريكا فيها وما كنت شاهدا عليه منها .

وأعتبر نفسي اليوم ومنذ ما يقرب من ربع قرن صاحب فكر اشتراكي مختلف نوعيا عما كان عليه فكري عندما كنت في مواقع قيادية في الحزب الشيوعي اللبناني وفي المنظمات العالمية .

لكنني اعتبر أن الأعوام اللاحقة ستكون في نشاطي الفكري والسياسي وفي اصدار الكتب وفي المشاريع تتمة طبيعية للمراحل السابقة.

غير أنني وأنا أستحضر هذا التاريخ من عمري أشهد بأنني عشت حياتي بحلوها ومرها ومارست نشاطي الفكري والسياسي في الصواب والخطأ .

ثورة 17 تشرين أعادت ثقتي بشعبي

 واشهد ، وأنا أتطلع الى المستقبل الآتي ، بأن ما يشغلني ويقلقني ويثير عندي الهموم هو ما تشير اليه الوقائع والأحداث في الألفية الجديدة ، ما يتصل منها بوطني لبنان ، وهو الأهم ، وما يتصل بعالمنا العربي وبالعالم . وهي وقائع واحداث غير مسبوقة الاّفي التاريخ القديم عندما كانت البشرية في حالة تخلف واضطراب ، كانت الحروب العبثية الأكثر تعبيرا عن نماذجها …

إقرأ أيضاً: القاضي إبراهيم «ضحية» فوضى الصرافين!

لكنني عندما اندلعت الثورة في شكل مفاجئ في وطننا الحبيب لبنان استعدت ثقتي بشعبي وبقدرته على مواجهة الصعاب.

ذلك ان الثورة  تميزت بعلمانيتها وسلميتها وبالجرأة التي اقترنت بمواقف وحزم مئات الألوف من اللبنانيين الذين نزلوا الى الساحات متحدّين كل الصعاب ومطالبين بالتغيير وبتحرير وطننا ممن سادوا فيه فسادا وتدميرا للأصيل فيه المتصل بكونه صلة وصل ثقافية بين حضارات الشرق والغرب كما وصفه بذلك العديدون من مفكريه ومفكري العالم .

أعتبر نفسي صاحب فكر اشتراكي مختلف نوعيا بعدما تخليت عن مواقعي القيادية

واذ أشير بأمل كبير الى ما ستحققه الثورة من أهدافها الكبيرة فانني أعتبر أن التغيير ليس سهلا وأن على الثورة والثوار ان يأخذوا ذلك بالإعتبار وبالتدرج في تحقيق الأهداف مرحلة اثر مرحلة . وهو ما قلته للثوار في أكثر من مكان التقيتهم به .

أقول ذلك آخذا في الاعتبار أن على الثوار ألاّييأسوا من الصعوبات التي ما تزال تحول دون أهداف التغيير ، وأن عليهم ان يتابعوا ما بدأوا به في السابع عشر من تشرين الماضي 2019 . ذلك أن التغيير في شروط بلدنا وكل البلدان العربية هو مهمة صعبة . لكنها مهمة تاريخية لا بد من الاستمرار فيها حتى ولو طال المدى .

السابق
القاضي إبراهيم «ضحية» فوضى الصرافين!
التالي
مأساة وتهجير..مزيد من الفيديوهات والصور لحريق مخيم نازحي بحنين في المنية!