موسكو وأنقرة والفضاء التركي

ارمينيا واذربيجان

نجحت أنقرة حتى الآن في تقييد دور موسكو في صراع قره باغ، وتحويلها إلى وسيط شبه محايد، فهي  ملتزمة أمام حلفائها بسبب اتفاقيات دفاع مشتركة شبه معطلة، ومنشغلة بضرورات جيواستراتيجية تضع شروطها على نظام مصالحها المعقد مع أنقرة، ما أوقعها في حيرة سياسية بين الثقة بحليف مستجد غير مضمون أو مواجهته. 

ويزداد قلق النخبة الروسية من تمادي القيادة التركية في مخططات توسعها داخل منطقة حيوية تعتبرها موسكو جزءا من ثوابت أمنها القومي، حيث يتصرف هذا الشريك المضارب بنوع من الإملاءات على موسكو التي أثار حفيظتها الكلام الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في آخر لقاء له مع كتلة حزب العدالة والتنمية الحاكم ومهاجمته روسيا، والذي تخلله الإعلان عن خط أحمر في قره باغ لا يسمح بتجاوزه.

يزداد قلق النخبة الروسية من تمادي القيادة التركية في مخططات توسعها داخل منطقة حيوية تعتبرها موسكو جزءا من ثوابت أمنها القومي

من وراء القوقاز تضطلع أنقرة بدور عسكري شبه مباشر، إلى أستانا في وسط آسيا التي وصلها وزير الدفاع التركي خلوص أكار في زيارة ملفتة في التوقيت والمضمون، ولقاؤه مع رئيس وزراء كازاخستان عسكر مامين ووزير الدفاع نورلان يرميكباييف، إلا أن هذه الزيارة المتعمدة تأخذ معنى خاصا كون القيادة الكزخية وخصوصا الرئيس السابق نور سلطان نزرباييف قد لعبوا دورا مهما في المصالحة بين الرئيسين بوتين وأردوغان بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا، كما أنه ساعد على انتقال المواجهة غير المباشرة بينهما في سوريا إلى علاقة تفاوضية وهو ما عرف لاحقا بمسار أستانا الذي مكّن روسيا من الإلتفاف على مقررات مؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية، وأعطى أنقرة اعترافا روسيا بنفوذها إضافة إلى طهران، حيث انحسر مسار الحل في سوريا بثلاثة فاعلين ميدانيين (موسكو أنقرة طهران).

بالنسبة لبعض المراقبين، فإن زيارة أكار تأخذ أبعادا متصلة بمسار التنافس الحاد بين موسكو وأنقرة، على عدة ملفات مشتركة أكثر حساسية من سوريا. فأنقرة غير المستعجلة على وقف إطلاق النار في قره باغ، تسللت من خلال كازاخستان، القوة الأكثر تأثيرا بين جمهوريات آسيا الوسطى، إضافة إلى طاجكستان وقرغيزستان، وهم أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم أيضا روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا، ونجحت حتى الآن في تعطيل تدخلها الجماعي في الصراع، وعبر الدول الناطقة بالتركية داخل المجموعة للضغط على روسيا من أجل بقائها على حيادها.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» في زمن العقوبات..تقشف يطال المناسبات الدينية!

وليس من المستبعد أن تطرح أنقرة على القيادة الكازاخية إنشاء مسار أستانا جديد متعلق بالصراع على ناغورني قره باغ، يضمن للثلاثي ذاته (ايران روسيا تركيا) دورا برعاية كازاخية، وهي فرصة أنقرة ومشروعها من أجل تعطيل عمل مجموعة مينسك، وهي تهدف من خلال هذا الطرح اللعب على وتر الحساسية الروسية من التدخل الغربي في شؤونها، والتي تزايدت حدتها لدى بعض مراكز صناعة القرار في الكرملين المتخوفة من أن تستغل واشنطن أزمة قره باغ من أجل انتزاع موطئ قدم إستراتيجي في هذه المنطقة، وهذا يدفع إلى الإعتقاد أن موسكو ستستجيب لهذا الطرح وذلك بهدف حماية هيمنتها خصوصا العسكرية في هذه المنطقة، وتتعامل مع تدخل إقليمي محدود مقابل إبعاد شبح التدخل الخارجي، وأي دور فاعل استراتيجي أو عسكري للدول الغربية.

ثقة موسكو بأنقرة متأرجحة وتخضع لمدى تجاوبها في وقف اندفاع باكو العسكري، ورهانهما على الحل العسكري

عمليا تأتي زيارة أكار إلى أستانا ضمن مساعي تركيا إلى تأمين دعم دول آسيا الوسطى لموقفها العسكري حاليا والتفاوضي مستقبلا في نزاع قره باغ، حيث تمكنت أنقرة مبكرا في بداية النزاع قبل شهرين من انتزاع تأييد أعضاء مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، لباكو في حربها في ناغورني قره باغ. 

وعلى هذا يعلق أحد أبرز الباحثين السياسيين الكازاخيين زامير كارازانوف لأحد القنوات الكازاخيه بقوله “تتصرف تركيا الآن بشكل مستقل تماما، متجاهلة الناتو، فهي في المنطقة، تدافع عن مصالحها الخاصة، وتقوم أيضا بتوسيع نطاق اهتماماتها ليشمل جميع البلدان الناطقة بالتركية، أما بالنسبة لقره باغ، فقد أثبتت أنقرة قدرتها على ضمان أمن شركائها واستقرارهم، على مثال أذربيجان، ويمكن أن يصبح أمرا حاسما، لموقف شركائها الناطقين بالتركية منها”. 

ثقة موسكو بأنقرة متأرجحة وتخضع لمدى تجاوبها في وقف اندفاع باكو العسكري، ورهانهما على الحل العسكري، هذا الرهان المستفز لموسكو، سيدفع الكرملين إلى مراجعة مواقفه تحت ضغوط الداخل المستاء من سياسة بلاده المتماهية مع أنقرة، في الوقت الذي تواصل فيه الأخيرة مد يدها على قضايا استراتيجية متصلة بالمجال الحيوي الروسي. ولعل هذه الضغوط دفعت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى القول بأن “روسيا تعد تركيا مجرد شريك وليس حليفا استراتيجيا.
 

السابق
«حزب الله» في زمن العقوبات..تقشف يطال المناسبات الدينية!
التالي
رقم قياسي «كوروني» جديد في قضاء صور..وفاة و50 اصابة!