
لم يستفق اللبنانيون بعد من هول الكارثة التي خلفها إنفجار 2700 طن من نيترات الامونيوم في مرفأ بيروت مساء الثلاثاء، قضى المئات منهم الليل حاملين الشموع والقناديل اليدوية (بفعل إنقطاع الكهرباء) للبحث بين الركام عن وجوه أحباء يريدون أن يبقوا أحياء بالرغم من هول الإنفجار والدمار الهائل، ليعيشوا وإياهم في ظل نكبة وقعت قبل حدوث التفجير المروع، كانوا جميعهم في ظلها أصحاء جسديا، لكنها شظّت وشلّعت كل مسارات حياتهم المعيشية والصحية والنقدية والمالية والاقتصادية.
إنفجار المرفأ هو كارثة وطنية كبرى لم يكن وليد لحظة “إهمال عابرة أو قدر سيء، بل أنجبتها وقائع وممارسات سببتها الادارة السياسية الممسكة بزمام الامور في لبنان، والتي لم تُقم يوما أي وزن لحياة الناس ومصالحهم والامثلة على ذلك كثيرة، من فشلها في وضع الخطة اللازمة للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية الحالية، إلى الاستنسابية والهذيان الذي ميز تعاملها مع وباء الكورونا (في الفترة الاخيرة)، إلى المناشدات الخاوية من المسؤولين طلبا للمساعدة العربية والدولية من دون أن يسلّف لبنان هذه الدول أي خطوة أو تصرف تضمن عدم إنقلابه عليهم عند أول إستحقاق عربي أو دولي، أو على الأقل تقديم ضمانات بأنه سيلتزم بالإصلاحات المطلوبة مقابل الحصول على المساعدات المرجوة .
إنفجار المرفأ أظهر بوضوح أن لبنان إنزلق في مسار الدولة الفاشلة التي يتحدث عنها علنا حتى وزراء حكومة الرئيس حسان دياب، والتي لم يعد يستطيع العديد من النواب أيضا إحتمال تلميع صورة هذه الادارة السياسية التي سببت الانزلاق، لأنهم فقدوا كل الادوات التي تمكنهم من الاستمرار في ذلك من دون أن يفقدوا ماء وجوههم، فالجميع بات يعرف أننا ننزلق نزولا بفضل “سلطة الدمى” التي تفتقد الاهلية الوطنية لقيادة عملية الاصلاح الحقيقية وتفتح أبواب البلاد على مصادر الانقاذ الممكنة.
الصايغ لـ”جنوبية”: التغاضي عن أخطاء المسؤولين سبب بإزديادها وتكرارها
منذ الامس رفعت هذه السلطة شعار “تحديد المسؤولين عن وقوع الكارثة ومحاسبتهم خلال خمسة أيام” فهل ستتمكن من ذلك في هذه المرة ، أم أنها ستنتظر حتى “يبرد دم المفجوعين” بأحبائهم وأرزاقهم و تعمل كالعادة على لفلفة الموضوع، على طريقة إلصاق التهمة بصغار الموظفين الذين قضوا نحبهم؟ لفلفة الموضوع ليس سهلا تنطلق إجابة القوى السياسية على هذا السؤال من إعتبارات عدة، لكنها تتفق على أن ما حصل “كبير جدا” لدرجة أنه ليس من السهل لفلفة الموضوع على عادة الملفات السابقة التي ضجت بها البلاد والعباد، ومنهم من يعد بإعلاء الصوت و زيادة التحركات بعد الانتهاء من مراسم دفن الشهداء، وهذا ما يؤكده لـ”جنوبية” عضو اللقاء الديمقراطي النائب فيصل الصايغ إذ يقول: “يجب إعطاء أنفسنا الوقت اللازم (72 ساعة) للملمة الجراح ودفن شهداؤنا، لأن ما حصل كارثة ونكبة حقيقية، بعدها يجب أن يحصل تحديد جدي للمسؤوليات عمن كان سببا بالاهمال أو (التواطؤ) إذا حصل، لأن ما جرى في لبنان سابقا من تغاضي عن أخطاء المسؤولين أدى إلى إزدياد وتكرار هذه الأخطاء”.

يصف الصايغ “ما حصل الأمس هو من الأخطاء الكبرى التي حصلت بسبب أخطاء أصغر مرت من دون محاسبة، ولذلك لا بد من المحاسبة الجدية لأي تقصير أو خطأ حصل”،معتبرا أن” موضوع بهذا الحجم لا أعرف إذا كان من الممكن لفلفته، لكن الاكيد أن هناك مسؤولين، وفي كل دول العالم هناك حكومات تستقيل بسبب تقصيرها في منع حوادث أصغر بكثير مما حصل، والايام المقبلة سيكون لنا صوت عال بموضوع التقصير وأداء السلطة”.
يضع الصايغ “إستقالة الوزير مروان حمادة في خانة القرار الشخصي وليس نتيجة إتجاه سياسي لكتلة “اللقاء الديمقراطي” أو “الحزب التقدمي الإشتراكي”، ويقول: “مروان مرّ بحادثتين أليمتين الاولى حين تعرض للإغتيال وأمس خلال تواجه بمنزله الواقع قرب مكان الانفجار، ربما شعر بقرف و أتخذ قراره الشخصي نحن نحترمه”.
نصار لـ”جنوبية”: نظام فاسد وما حصل سببه إنعدام المسؤولية
المقصر يجب أن يحاسب يوافق عضو كتلة”الجمهورية القوية” النائب أنيس نصار على كلام الصايغ ويقول لـ”جنوبية”: “أولا يجب تحديد من المسؤول عن وقوع هذه الكارثة، صحيح أن الناس اليوم لا يزالون مشغولين بالتفتيش عن أحبائهم المفقودين، لكن المقصر يجب أن يتحمل مسؤوليته من دون أن نستبق الامور و التحقيقات”.

ويرى نصار أن “ما حصل لا علاقة له بالنظام اللبناني بل بالعقلية التي سمحت بتخزين مواد متفجرة في المرفأ على مدى سنوات، صحيح أن نظامنا اللبناني فاسد ولكن ما حصل سببه عدم مسؤولية القيمين على المرفأ”.
الحجار لـ”جنوبية” : لا ثقة بنتيجة التحقيق الا بالإستعانة بخبراء أجانب
تشكيك بالقدرات الداخلية يطالب عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار عبر لـ”جنوبية”، “بتحقيق في هذه الحادثة التي أريد من ورائها قتل بيروت كما قال الرئيس سعد الحريري”، معتبرا أن “ما حصل كبير جدا ويقارب ما رأيناه عند إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمطلوب اليوم تحقيق قضائي شفاف”.

يضيف: “لا أتصور أنه بالقدرات الداخلية الموجودة لدينا، أنه يمكننا أن نقوم بالتحقيق الذي يوصل إلى الخواتيم المطلوبة ومعرفة حقيقة ما حصل”، مشددا على “أهمية الاستعانة بخبراء أجانب ودوليين وإختصاصيين لتقديم المساعدة ومن دون ذلك لا ثقة لدينا بالوصول إلى نتيجة”.يرى الحجار أن “ما حصل يرتب مسؤوليات كبيرة جدا على المسؤولين في المواقع التي دفعت الامور الى ما وصلت إليه، الحديث عن النظام و عن الطائف هو موضوع آخر”.
ويختم: “الطائف لم يطبق، وفإذا كان هناك من أخطاء علينا إصلاحها وليس الحديث عن تغيير النظام لأنه في غير وقته”.
خواجة لـ”جنوبية”: نحن في دولة أكثر من فاشلة لأنه لا يمكن محاسبة أحد
اللادولة على ضفة القوى السياسية المؤيدة لحكومة الرئيس دياب، فإن إعتبارات عديدة تؤخذ بالحسبان عند الحديث عن مدى مسؤوليتها في إنزلاقنا نحو الدولة الفاشلة، إذ يرى عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد خواجة لـ”جنوبية” أننا “في خضم الدولة الفاشلة منذ خمسين عاما، حين تبنينا النظام الطائفي وبنينا الكيان اللبناني وفقا للأسس الطائفية”، معتبرا أننا “دولة فاشلة لأنه لا يمكننا محاسبة أحد ولا إيصال الاكفأ الى المنصب المؤهل له كما ينص الدستور، فلا مساواة بين المواطنين ولا يمكن محاسبة أحد ما يعني بأننا في دولة أكثر من فاشلة نحن باللادولة”.

ويصف خواجة ما حصل “بأنه زلزال لم نشهده حتى في الحرب الاهلية اللبنانية، ما حصل يوم الثلاثاء أمر مختلف، صحيح أنه في لبنان هناك دائما من يسعى إلى لفلفة الملفات على حساب مصلحة الناس وحقوقهم، لكن المطلوب تحقيق شفاف خلال أيام وإذا طالت الامور أكثر فهناك إحتمال للفلفة ما حصل عندما يبرد دم ذوي الشهداء”.
يضيف:”نريد أن نعرف المسؤول عن إدخال هذه المواد وتخزينها كل هذا الوقت، وإلى الان لا أرى شيئا وأعتقد أنه لا يمكن السكوت عن الموضوع لأنه من أكبر الجرائم في التاريخ، لأن قدرة الانفجار بنحو 50 طن من نيترات الصوديوم ولكن وقوعه قرب البحر هو الذي قلّص الدمار إلى هذا الحد، وإلا فالخسائر ستكون أكبر بالتأكيد و تصل إلى نصف بيروت”.
يرى خواجة أن”جراح اللبنانيين لن تبرد إلا من خلال تحقيق شفاف وسريع يظهر الاخطاء التي حصلت”، متمنياً أن”لا يكون هناك مرتكبين ولكن بالتأكيد هناك مقصرين ومهملين”.ويختم:”علما أن كل إدارة تحاول تنفض عن نفسها المسؤولية لكن القضاء هو من سيفصل والوصول إلى نتيجة والقصاص العادل الذي يتناسب مع حجم الجريمة”.
إهمال السنوات السابقة
فنيش لـ”جنوبية”: ما حصل نتيجة إهمال وما ُزرع على إمتداد سنوات سابقة
يدافع الوزير والنائب السابق محمد فنيش عن مصداقية رئيسي الجمهورية والحكومة لجهة وعودهما بالاقتصاص من المسؤولين عن الكارثة خلال 5 أيام، ويقول لـ”جنوبية”:” لا يمكن القول أننا في ظل دولة فاشلة، ما حصل نتيجة إهمال وما ُزرع على إمتداد سنوات سابقة”، سائلا “هذا الزرع من المسؤول عنه وعن الوصول إلى هذه النتيجة الكارثية؟ كل هذا الامر رهن التحقيق”.

يضيف:”لا يمكننا الحديث عن ضمانات للوصول إلى نتيجة حول تحديد المتسبب بهذه الكارثة، بل هناك إرادة وصدقية من الاشخاص المعنيين بالقرار والذين يتحملون مسؤولية إدارة شؤون البلد بحسب مواقعهم”، لافتا إلى “أننا نراهن على الصدقية التي يجب أن يتمتع فيها المسؤول خصوصا أننا أمام رئيس حكومة جديد ولم يعرف عنه أي تهرب من مسؤولية وضعف في مصداقيته، وأيضا رئيس الجمهورية معروف أنه حين يأخذ قرار أو توجه ينسجم مع قراره وتوجهاته”.
يرى فنيش أن “هناك أيضا مجلس الوزراء مجتمعا والكلام الذي سمعناه يفترض أن ننتظر الترجمة والافعال وأن لا يخضع لأي ضغط أو تدخل”، مشددا على أنه”آن الاوان أن يكون في لبنان تحمل للمسؤوليات من دون خلفية مسبقة أو دخول للإعتبارات السياسية والطائفية والمذهبية أو الكيدية السياسية أو تصفية الحسابات”.
ويصف ما حصل بأنه “كارثة وطنية وواضح أن هذه الكارثة لها أسبابها وينبغي أن يكون هناك من يتحمل مسؤولية التقصير أو الاهمال أو سوء التدبير أو عدم تقدير العواقب وكل هذه الامور بإنتظار جلاء الحقيقة بطريقة محايدة وموضوعية و قضائية وتحديد المسؤوليات و بناء عليه يتحمل مرتكب مسؤوليته”، معتبرا أنه “لا يمكن وضع النتائج قبل الاسباب، ما حصل هو نتيجة اما السبب لا تتحمل مسؤوليته هذه الحكومة التي لا يزيد عمرها عن أشهر ولا العهد”.
يضيف: “كان لدينا مشكلة أشبه ببرميل بارود يعيش عليه اللبنانيون من دون أن يتحرك أحد او يدرك خطورة هذا البرميل، وهناك من يعرف أنه يمكن أن ينفجر نتيجة أي خطأ ولم تتم معالجة الامر ، لماذا وكيف و من المسؤول هذه الامور التي من المفروض أن يتم كشفها”.
نتائج مرجوة
يعتبر عضو كتلة “لبنان القوي” النائب إدغار معلوف لـ”جنوبية” أن”الوقت ليس لتحليل ما حصل من الناحية السياسية، هناك كارثة حصلت ونأمل أن يكون هناك مسار قضائي سريع يعطينا نتائج مرجوة”، مشددا على أن “اليوم هو وقت لملمة الجراح والتعزية بالشهداء و البحث عن المفقودين ومساعدة المنكوبين، والمهم أن مجلس الوزراء أطلق مسار قضائي لتحديد المسؤوليات و على إثر ذلك نتكلم لاحقا”. و يعتبر أن “لا أعتقد ان إنفجار بهذا الحجم أوقع ضحايا بهذا العدد و خلف دمارا بهذه الكارثية يمكن لأي طرف أن يسعى إلى لفلفته أو السكوت عنه”.
معلوف لـ”جنوبية”: ما حصل كبير جدا ويصعب التفكير بلفلفة الموضوع
يضيف: “صحيح أنه تم لفلفة ملفات صغيرة حصلت سابقا، لكن هول ما حصل لا يسمح لأي سياسي أومواطن أن يغض النظر عما حصل ، هناك مسار قضائي إنطلق و هناك أشخاص مسؤولين و لا يجب أن يعمد أحد إلى التنصل من المسؤولية ،ما حصل كبير جدا لدرجة أنه من الصعب التفكير بلفلفة الموضوع”.
