قرار «المفرد والمزدوج» يُحيّر الجميع.. ما هي القطبة المخفية؟

فتح المولات التجارية في لبنان بعد اغلاقها اثر انتشار فيروس كورونا (نبيل اسماعيل/فيسبوك)
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19.

عند مطلع كل أسبوع، بات اللبنانيون ينتظرون تعميم وزارة الداخلية الذي يطلعهم على مستجدات الإجراءات لمكافحة فيروس كورونا المستجد، والتي دخلت في الاسابيع القليلة الفائتة مرحلة فكّ الحظر التدريجي وفتح قطاعات البلاد شيئا فشيء.

إلا أن نقطة لازمت هذه التعاميم منذ بدء صدورها في آذار الماضي، وهي قرار “المفرد والمزدوج” المتعلق بالسيارات السياحية والآليات الخصوصية والدراجات النارية على مختلف أنواعها.

تغيّرت إجراءات كثيرة وبقي “المفرد والمزدوج”. فتحت المطاعم والمحلات وسُمح بارتيادها حتى الثانية عشر صباحا وبقي “المفرد والمزدوج”. فُتحت الأعمال والشركات. فُتحت النوادي ومراكز التسلية. فُتحت حتى دور الحضانة. لكن المفرد والمزدوج باقٍ.

في آخر تعميم لوزارة الداخلية والبلدايات، أُعلن عن الإبقاء على هذا القرار، وسط استغراب تام للمواطنين من جدواه، خصوصا أن تطبيقه يمنع الكثير منهم ومنهنّ من الذهاب إلى أعمالهم التي طلبت الوزارة عودتهم إليها. زِد على ذلك، أن القرار جاء استنسابيا بين فئات المجتمع فسمح للقطاع العام بخرقة الخطوة التي لم تسمح لموظفي القطاع الخاص، كما لم ينظر بحال عدد من المتضريين من القرار. فما هي الأسباب المحتملة، أو المفترضة، لاستمرار قرار “المفرد والمزدوج”.  

1- صحة الناس؟

قد يكون، في اعتبارات المراجع الصحية الرسمية، أن استمرار قرار “المفرد والمزدوج” هو حماية للناس انتشار الفيروس، خصوصا أن لبنان ما زال يسجل يوميا أرقاما عالية في الإصابات لا تبشّر إلا بالسيطرة المرحلية وليس الكلية على المرض.

لكن في المقابل، هناك من يتساءل من الناس كيف يمكن أن يحمي هذا القرار من تفشي الفيروس، وهل هو الطريق الأوحد لمنع التفشي أم أن هناك طرقاً أكثر فاعلية؟

في الحقيقة، إن قرار «المفرد والمزدوج» هو الخيط الأخير الذي يربط الناس بما يسمى «التعبئة العامة» المستمرة، إلا أن الدولة عينها لا تأخذه على محمل الجد ما ينفي ربما الاعتبارات الصحية له.

أكثر من ذلك، إن الإجراءات الصحية الأكثر نفعاً المتفق عليها محليا وعالميا، هي التعقب المستمر للإصابات بالفيروس، الإلتزام بالكمامات، التباعد الجسدي وتكثيف الفحوصات اليومية. وكل هذه الخطوات الأربعة لا ترتبط بأي شكل من الأشكال برقم سيارة المواطن وإصابته بالفيروس فيما إذا كانت تنتهي لوحة سيارته برقم مفرد أو رقم مزدوج.

2- أزمة البنزين؟

من المعلوم أنه في الأسبوع الجاري والمنصرم، لوّحت الكثير من التقارير الصحفية، التلفزيونية منها والمكتوبة، من أزمة محروقات تلوح في الأفق.

كُتبت هذه التقارير بالعشرات وحُكي عنها كثيرا. على سبيل المثال، نبهت مصادر صحيفة “الأنباء” منذ يومين من فقدان “المحروقات من السوق في الأيام المقبلة، على الرغم من وجود كميات مقبولة، بسبب الإرتفاع المرتقب في الأسعار”.

عليه تطرح العديد من الأسئلة: هل من علاقة لهذه الأزمة بقرار المفرد والمزدوج؟ وهل باتت القرارات الـ”كورونية” مرتبطة بقرارات أخرى وأزمات أخرى؟ وهل فعلا كان سيؤدي تدفق السيارات على الطرقات إلى اشتداد أزمة المحروقات؟ أسئلة مشروعة، تماما كالأسئلة التي تطرح عن أزمة المحروقات نفسها، والتي وجدت، وبسحر ساحر (ربما يدعى رياض سلامة) طريقها إلى الحل. فهل سيجد قرار “المفرد والمزدوج” طريق الحلحلة أيضا؟ 

3- التحركات الإحتجاجية؟

من الإحتمالات المطروحة، وبعيدا عن تبنّي أي نظرية مؤامرة من أي جهة، هي التحركات الإحتجاجية التي تتفاقم يوما بعد يوم احتجاجا على الغلاء الفاحش واستمرار منطق المحاصصات داخل الدولة.

ليس هذا الإحتمال من خيال جامح أو رأي متشدد بل تعززه وقائع حصلت في الأيام الماضية، تؤكد أن أزمات الدولة متشابكة وثمة من يربطها ببعضها، على غرار “السلة” الشهيرة التي تطرأ عند كل رزمة تعيينات في مواقع إدارية ومالية في الدولة. أبرز هذه الوقائع:

  • تدخل مصرف لبنان بالإعلان عن منصة مصرف لبنان للصرافة ليلة عودة الإحتجاجات إلى بيروت، ردا على ارتفاع سعر الصرف إلى حد كبير
  • حزم وزارة الداخلية ووزيرها الحالي محمد فهمي وخلفه الحكومة. هذه الحكومة التي تدعي أنها جاءت من “رحم الثورة” هي نفسها التي انهت بالقوة كل اعتصامات الثورة من بيروت الى طرابلس وغيرها من المناطق في الأشهر المنصرمة
  • التشدد في الاستدعاءات للناشطين في الفترة الأخيرة
  • استعمال القوة ضد المتظاهرين يوم السبت الفائت

لعل هذه هي الإحتمالات الثلاثة التي تدور حولها غرابة “المفرد والمزدوج”. غرابة، عززتها الأخبار المتداولة في الأيام الأخيرة عن إلغائه. يكفي فقط أن تطلع على معلومات المواقع (بعض منها أكد إلغاء القرار بعد تواصله مع قوى الأمن) ومجموعات الواتس أب وغيرها، كي تتيقن أن هذا القرار يتأرجح ولن يعمّر طويلا. وحتى هذا الحين، تسأل قوى الأمن وغرفة التحكم المروري ليأتيك الجواب السريع: ما زال القرار ساري المفعول!