العين على حرب كورونا في البرازيل: كيف ولماذا تدحرج الوضع إلى هذا الحد؟

دفن أحد ضحايا كورونا في ريو دي جانيرو في البرازيل (أسوشييتد برس)
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19.

بلمح البرق، تخطت أميركا الجنوبية التوقعات وارتفعت أرقام إصابات فيروس كورونا المستجد إلى مستويات هائلة. تفوقت الإصابات اليومية على أوروبا والولايات المتحدة، حتى أعلنتها منظمة الصحة العالمية “بؤرة جديدة” لتفشي وباء كوفيد 19.

حتى السابع من حزيران، أكثر من مليون حالة إصابة بالفيروس وأكثر من 60 ألف وفاة في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية والتي تشمل دولا في أميركا الوسطى والجنوبية والمسكيك.

وفي حين أن البلدان في جميع أنحاء أوروبا ترفع قيود الإغلاق ببطء وتعيد فتح الحدود، لا تزال حالات الإصابة بـ”كورونا” تتصاعد في أميركا اجلنوبية على الرغم من عمليات الإغلاق في معظم أنحاء المنطقة. والأخطر من كل ذلك أن علماء الأوبئة وخبراء الصحة العامة يقولون إن الأسوأ لم يأت بعد!

البرازيل: ساحة المعركة الرئيسية

إذا كانت أمريكا الجنوبية هي البؤرة الجديدة للفيروس، فإن البرازيل هي ساحة معركتها الرئيسية. بدأت القصة في 25  شباط الفائت لمريض صفر وهو رجل عائد من ساو باولو إيطاليا ثم انتهت بأن أصبحت البرازيل ثاني أكثر دولة في العالم تسجل عدد إصابات بعد الولايات المتحدة.

بحلول 11 حزيران، سجّلت البرازيل أكثر من 775 ألف إصابة وناهز عدد الوفيات الـ40 ألف حالة، علما أنه في السادس من الجاري توقفت الحكومة البرازيلية عن نشر العدد التراكمي لحالات الإصابة والوفيات، وتمت إزالة البيانات من المواقع الرسمية. وقد أثارت هذه الخطوة اعتراضات كثيرة واتهامات للسلطة بالتستر على الإصابات. ثم أعادت السلطات الموقع الرسمي إلى العمل بعد أمر من المحكمة العليا.

إنتشر الفيروس بقوة في مدن مثل ساو باولو، حيث تم تحويل ملاعب كرة القدم إلى مستشفيات طارئة لعلاج المصابين.

إنتشر المرض أيضا في مناطق من البلد تسكنها مجتمعات أصلية، مثل الأمازون، حيث تم حفر القبور الجماعية بسرعة. يتعذر وصول سكان هذه المناطق إلى وحدات الرعاية في المستشفيات، كما أن السكان الأصليين لديهم معدل فقر أعلى وإمكانية وصول أقل إلى المياه النظيفة. في أوائل شهر أيار، سجلت ولاية أمازوناس ما يقرب من 19.4 حالة وفاة لكل 100 ألف من السكان، مقارنة بـ 4.4 وفاة لكل 100 ألف من السكان في جميع أنحاء البرازيل، وفقًا لرويترز.

الرئيس و”الإنفلونزا الصغيرة” السخيفة

إنتقادات عدة وُجّهت إلى الرئيس جايير بولسونارو بعد أن وصف الفيروس بـ “الإنفلونزا الصغيرة” وحضر مسيرات سياسية جماهيرية حيث صافح وحمل الأطفال – متجاهلاً تدابير التباعد الجسدي للحد من انتشار الفيروس. وأغضبت بولسونارو أيضًا مجتمعات العلماء عندما أوصى على غرار نظيره الأميركي باتباع علاجات دوائية غير مثبتة، مثل عقار الكلوروكين المضاد للملاريا.

بحسب المحللين، من الصعب ألا نستنتج أن تصرفات الرئيس قد عرضت حياة العديد من مواطنيه للخطر. ويكفي ذكر أنه أقال وزير الصحة، لويز هنريك مانديتا، لدعم تدابير العزل ومقاومة محاولات بولسونارو لتعزيز الكلوروكين وهيدروكسي كلوروكين كعلاجات لمرض كوفيد-19.

وتبين أن كل تصرفات الرئيس كان لها تأثير على سلوك البرازيليين. مع انتشار الحالات، كان بعض الناس مصممين على عدم الالتزام بإجراءات التباعد الجسدي  وأكملت العديد من الشركات أعمالها كالمعتاد. هذا كله على الرغم من التقارير التي أفادت بأن العديد من المستشفيات على وشك الانهيار: في مدينة ماناوس الأمازونية مثلا، ارتفعت الوفيات لدرجة أن المقبرة الرئيسية بدأت في دفن خمسة توابيت في وقت واحد في مقابر مشتركة.

عليه، كتبت العديد من المقالات حول قيادة بولسونارو “الفاشلة”، وتحدث بعضها عن خطط للإنقلاب عليه، حتى أن البعض الآخر رأى في أزمة “كورونا” نهاية لمسيرته السياسية.

الكارثة الأكبر آتية

لكن أمريكا الجنوبية لديها أعلى مستوى من التفاوت الإقتصادي وانعدام العدالة في تنظيم الثورة في العالم، مما يؤدي إلى تفاقم التحدي الرئيسي للمنطقة: جعل أفقر الناس وأكثرهم ضعفاً للبقاء في منازلهم لمنع انتشار العدوى. وقد أصبح فرض عمليات الإغلاق أكثر صعوبة حيث تضررت خزائن العديد من البلدان من انخفاض عائدات النفط.

في غياب قيادة قوية، يتعامل المجتمع المدني مع بعض الركود في البرازيل والبيرو وأماكن أخرى، حيث يقوم المتطوعون الطبيون بإجراء اختبارات الفيروس في الأحياء الفقيرة فيما يتبرع الناس بالأغذية، ولكن لا يمكن أن يتناسب مع حجم المشكلة لأنهناك عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على رعاية صحية مناسبة وذات جودة أعلى من أولئك الذين يستطيعون.

أضف إلى ذلك، أن أميركا الجنوبية منطقة تعاني من نقص في أنظمة الصحة العامة ضعيفة التمويل وتتعامل مع أكثر بكثير من covid-19. وعلى ما قالت إحدى الطبيبات في جامعة ساو باولو وتدعى أنا ماريا مالك: “نحن في مواجهة في وقت واحد مع الملاريا والحصبة وحمى الضنك والعديد من الأمراض الأخرى”.

بحسب تقديرات جامعة واشنطن، من المتوقع أن تصل وفيات كوفيد 19 في البرازيل إلى 125000 حالة وفاة بحلول 4 أغسطس.

العلماء يجاهدون لإيجاد حل

صحيح أن رئيس البرازيل تحدى العلم وابتعد عن إرشاداته لأقصى الدرجات إنما الوضع في المجتمع البحثي والعلمي مغاير تماما، وهناك جهود حثيثة في هذا الصدد.

بحسب العالم الفيزيائي لويز دافيدوفيتش، رئيس الأكاديمية البرازيلية للعلوم في ريو دي جانيرو، إنه على الرغم من هذه الأزمة الكبيرة، فإن الباحثين البرازيليين يعملون بشكل مكثف في جميع أنحاء البلاد بجد للتغلب على التحديات التي جلبها الوباء.

بحسب دافيدوفيتش، يعمل المهندسون على تصميم أجهزة تهوئة موثوقة ولكنها أقل تكلفة، ويستكشف الكيميائيون مركبات للعلاجات الممكنة، ويستخدم علماء الرياضيات الذكاء الاصطناعي لتحديد الجزيئات التي يمكن أن تساعد في تخفيف آلام المرضى.

كانت هناك أيضًا أبحاث حول اللقاحات المحتملة ، والتجارب السريرية في مدينة ماناوس في منطقة الأمازون على تأثير الكلوروكين وهيدروكسي كولوروكوين على الأشخاص المصابين بـ COVID-19. لكن الباحثين المشاركين في هذه التجارب واجهوا مشاكل خطيرة بسبب النتائج السلبية. لأن نتائج التجربة أشارت إلى أن الأدوية لم تنجح ، بدأ العلماء في تلقي مكالمات من أشخاص يهددون حياتهم وأسرهم.

لكن التحدي الكبير أن الجامعات مغلقة، وليس من الواضح متى سيتم إعادة فتحها. هذا يؤخر البحث، وخاصة البحوث التجريبية.