فضائح وتنفيعات ومكاسب مادية.. هل تكافح الحكومة كورونا بـ«الواسطة»؟

مواطنون لبنانيون في مقهى في العاصمة بيروت يرتدون الكمامة للوقاية من فيروس كورونا (نبيل اسماعيل/فيسبوك)
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19.

تثبت الحكومة يوماً بعد يوم، أن خطة مكافحة فيروس كورونا المستجد، تبنى على تخبّط مستمر بين وزاراتها، وأجهزتها الأمنية والرسمية، ولُجانها المنبثقة عن لجانها الأخرى، والتي تتفرع عنها لجان ولجان.

في لبنان فقط، تستطيع أن ترى الناس عادوا إلى شوارعهم بشكل كامل، وحكومة ما زالت تتحدث عن تعبئة عامّة. في لبنان فقط، تستطيع أن ترى استمرار قرار المفرد والمزودج للسيارات درءا لوباء كوفيد 19، ثم ترى وزيرا آخرا يجري امتحانات رسمية لآلاف الطلاب الجامعيين في جامعات وطنية غير مجهّزة.

في لبنان فقط، يمكن أن ترى الحدود البرية سائبة جدا ومفتوحة أمام المارة من جهة والمهرّبين من جهة أخرى، وفي الوقت عينه ترى مطار رفيق الحريري الدولي ما زال مقفلا درءا لفيروس كورونا المستجد. على اعتبار أن خطة الحكومة في مواجهة الوباء هي خطة ناجعة (على الرغم من أنها سارت عكس التيار الذي ساد في العديد من الدول)، وعلى اعتبار أن أهل مكة في السلطة أدرى بشعابها وبشعوبها، ما هي الإجراءات التي باتت لزوم ما يلزم ولماذا تصرّ الحكومة على المضيّ بها من دون أي مسوّغ أو تبرير؟

التعبئة العامة: تشريع طوارئ غير موجودة

فاجأ وزير الصحة حمد حسن الرأي العام بتصريح هذا الأسبوع يعلن فيه عن توقعه بتمديد “حالة التعبئة العامة أسبوعين إضافيين”. والغريب أن وزير الصحة أرجع القرار إلى أن “منظمة الصحة العالمية توصي بالإستمرار بتدابير الوقاية” وكأن لبنان التزم كليا بتوصيات منظمة الصحة في خططه لمكافحة الوباء.

يوم أعلن مجلس الدفاع الأعلى في 15 آذار التعبئة العامة للمرة الأولى تحدث عن “حال طوارئ صحية” في البلاد لمواجهة انتشار الفيروس. وقال اللواء محمود الأسمر آنذاك حرفيا “نعلن التعبئة العامة مع ما تستلزمه من خطط وأحكام خاصة وطُلب من الإدارات العامة والأجهزة متابعة الوضع الذي يستدعي حالة طوارئ صحيّة”.

على الرغم من أن لا وجود لما يسمى “حال طوارئ قانونية” من الناحية الصحية، ولم يصدر القرار بمرسوم عن مجلس الوزراء، إلا أن هذه “التعبئة” تجلت بقرارات أسبوعية من وزارة الداخلية ويومية من وزارة الصحة ترسم طريق مكافحة الوباء.

أما اليوم، وبعد إعلان فتح القطاعات كافة تقريبا، فماذا تعني التعبئة العامة تحديدا؟ لا مسؤول يشرح لنا ذلك ويفسّر ما هي حقوق المواطن وواجباته وصلاحياته تحت هذا المفهوم.

وزير الصحة حمد حسن كان قد أعلن صراحة أن البلاد ستبقى مفتوحة ولن تغلق مجددا طالما أن نسبة الذين يتلقون خدمة الإستشفاء جراء الوباء قليلة. أكثر من ذلك، لم يفسّر لنا الوزير في حديثه الدائم  عن “الموجة الثانية” ما هي خططه لمواجهة هذه الموجة؟ وبالتالي أين يمكن صرف مفردات “التعبئة العامة” و”الطوارئ الصحية” بعد الآن؟

قرار قوى الامن اغلاق الكورنيش البحري في بيروت للوقاية من فيروس كورونا في لبنان (نبيل اسماعيل/فيسبوك)

المفرد والمزدوج: قرار يعزّز استثناءات “الواسطة والوجاهة”

وكأن قرار المفرد والمزدوج هو “قانون بلير”، القانون الذي جاهد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لإقراره في بريطانيا لحل أزمة السير. بلير كان لديه أسبابه لحل هذه الأزمة في المملكة المتحدة. لكن في لبنان، ما تزال الأسباب مجهولة عند وزير الداخلية محمد فهمي، تطرح عددا من الأسئلة:

  1. كيف يمكن أن يخفف قرار “المفرد والمزدوج” من انتشار الوباء طالما أنه لا يطبّق أصلا؟ ولا يُتابع من قبل الأمنيين؟
  2. كيف يمكن أن تطلب من المواطنين، الرجوع إلى أعمالهم بشكل يومي والإلتزام بقرار المفرد والمزدوج في الوقت عينه؟
  3. كيف تربط بين قولك أن الشركات يمكن أن تفتح بنسبة سعة 50% لموظفيها وبين قرار المفرد والمزدوج؟ هل وضعت خطة عمل لهذه الشركات بالتفاهم معها؟ ومن قال أنه يمكن لهذه النسبة من الموظفات والموظفين أن تلتزم بالقرار وتبني أعمالها ومسؤولياتها في الشركات على هذا الأساس؟
  4. كيف يمكن أن يفسّر الوزير بعض استناءات قرار المفرد والمزدوج كرجال الدين على سبيل المثال؟ ما هو عمل رجال الدين المضني الذي يحتاج إلى سيارة لمدة 7 أيام في الاسبوع؟ وهل يحتاج رجال الدين فعلا إلى الأموال كي تستثنى أعمالهم الشاقة من القرار؟ وهل لا يحتاج موظف المطاعم أو الشركات إلى مثل هذه الأموال؟ كيف يمكن أن تستقيم دولة تطبّق القانون على مواطنيها ولا تجرؤ على تطبيقه على النافذين فيها كالمسؤولين السياسيين و”العاملين في السلك الدبلوماسي” الذين لا يشملهم مثل هذا القرار؟

إغلاق المطار: فضيحة جديدة منسّقة مع “ميدل إيست”؟

طيلة أزمة كورونا المستجد في لبنان (والتي طبعا ما زالت مستمرة) كان يُسأل وزير الصحة حمد حسن دوما: متى سيفتح المطار. والإجابة تكون مبهمة كالعادة: لا قرار بعد، إن شاء الله قريبا، بعد التأكد من هذه الأمور وسواها.

لم يكن جواب وزير الصحة مقنعا للكثيرين، لكنه يبدو أنه تخطى التوقعات مجددا هذا الاسبوع، ليس فقط بتأجيل فتح المطار من 8 إلى 21 حزيران كما نقلت تقارير صحفية، بل بالإعلان أن المطار لن يفتح حتى في موعد بدء فصل الصيف.

ومثل حجة التعبئة العامة، يحيلنا حسن إلى “الإجراءات الدولية” كي نقتنع معه بأكذوبة “المعايير العالمية” التي يطبل المسؤولون فيها رأسنا على مدى الأعوام السابقة. إذ قال حسن ردا على سؤال أحد المواطنين ” انشالله المرحلة الرابعة آخر خطوة قبل فتح المطار ونحن مش شركاء ما تظلمونا؛ بس عم نتابع إجراءات المطارات الدولية لتحديد خطواتنا الوقائية المستمرة في محاربة تفشي الوباء”.

عليه، وجب طرح الأسئلة أدناه، علّ المسؤولين يأتونا بأجوبة شافية عليها، تجنبا للنوايا السيئة من كلي الطرفين:

  • كيف يعتبر فتح الحضانات في 8 حزيران، والنوادي والمراكز التجارية، إجراء أقل خطرا من استقبال عائدين من الخارج تجرى لهم الفحوصات عند وصولهم؟
  • المرحلة الثالثة من عودة المغتربين دفعت بشهر أيار إلى صعود السلم وتربعه على العرش الأول في مرتبات الأشهر الأكثر إصابة في لبنان. وإذا كانت الأرقام تقول ذلك، هل هناك إجراءات أكثر احترازية من الوزارة في المرحلة الرابعة؟
  • هل أجرت وزارة الصحة المزيد من الفحوصات للمقيمين في لبنان كي تطمئّن لهذه الدرجة في فتح البلاد، أم أن العائدين هم فقط الذين سيرفعون نسبة الفحوصات؟
  • هل التأخير في فتح المطار، هو لإغلاق باب المنافسة بين شركة “طيران الشرق الأوسط” أمام شركات الطيران الأخرى، الشركة التي تتولى حصريا نقل المغتربين من الخارج بأسعار باهظة جدا (يمكن لمن يرى ظلما في مقاربة الأسعار أن يجري مقارنة سريعة بينها وبين شركات أخرى كـ” لوفتهانزا ” مثلا) وبالتالي تحقيق المزيد من الأرباح المادية خصوصا أن الرحلات المرتقبة ستحمل أعدادا أقل بكثير من المراحل السابقة؟