كيف يواجه العالم الموجة الثانية من كورونا؟

مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي (AFP)
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19.

صحيح أن الحديث عن الموجة الثانية من وباء كوفيد 19 الناتج عن فيروس كورونا المستجد (سارس كوف 2) ليس جديدا، إنما ظروف التطرق إليه باتت مؤاتية الآن بشكل أكثر.

“الموجة الثانية”، عنوان المرحلة الحالية التي أعلنت فيها دول كثيرة في العالم عن فكّ الحظر تدريجيا، وفتح قطاعات البلاد أمام الضغطين الإقتصادي والإجتماعي الهائلين، رافقهما انخفاض ملحوظ (لا انعدام) للوفيات والإصابات بالفيروس.

بعض التحليلات تشير إلى “بوادر” موجة ثانية في بلدان عادت وشهدت ارتفاعا ملحوظا في عدد الإصابات مثل كوريا الجنوبية وإيران (وبعضها يتحدث عن لبنان)، فيما تبني تحليلات أخرى أرقامها على المجموع العالمي من الإصابات ولا تتحدث في هذه اللحظة الحالية عن “موجة ثانية” بل تكتفي باعتبارك صعود وهبوط ضمن الموجة الأولى.

لكن متى يمكن الحديث فعليا عن حدوث الموجة الثانية، وما هي ظروفها، وهل هي آتية بالفعل؟

ما هي الموجة الثانية من الوباء؟

بشكل عام، الموجة في الجائحة هي فترة ارتفاع نسبة انتقال المرض بعد الانخفاض العام. في الوقت الحالي ، على الرغم من استمرار ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس التاجي في بعض البلدان ، يبدو أن معدلات الإصابة الجديدة في انخفاض بشكل عام.

هذا الإنخفاض دفع المدير التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية مايك رايان إلى تقدير أننا “في منتصف الموجة الأولى”.

وعندما تنخفض معدلات الإصابة في جميع البلدان وتبدأ بالصعود مرة أخرى، يشير هذا الأمر إلى الموجة التالية أو “الموجة الثانية”. وكلما طالا الجائحة  زادت احتمالية حدوث موجات أخرى.

عليه، إن تقدير الموجة الثانية وقياسها يعتمد على عوامل عدة وليس على عامل واحد، خصوصا وأن الجائحة لم تؤثر على جميع البلدان بالطريقة نفسها وبالمواقيت نفسها.

متى يمكن أن تحدث الموجة الثانية؟

مع بدء تخفيف قيود الإغلاق في العديد من البلدان، يتحدث المسؤولون الصحيون في جميع أنحاء العالم بالفعل إلى ارتفاع معدلات الإصابة التي يمكن أن تشير إلى موجة ثانية من الأمراض المرتبطة بجائجة فيروس كورونا.

معظم خبراء الصحة العامة – بما في ذلك مدير مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الدكتور روبرت ريدفيلد، ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي حدوث زيادة كبيرة تالية في الإصابات في الخريف أو الشتاء المقبلين.

سبب هذا التوقيت أن حالات الإنفلونزا تميل إلى الانخفاض خلال فصل الصيف، مما دفع بعض خبراء الصحة إلى الأمل في انخفاض حالات الإصابة بـ COVID-19 عندما يصبح الطقس أكثر دفئًا أيضًا.

وتحدث في هذا الخصوص الدكتور أميش أدالجا، خبير الاستعداد للوباء في جامعة جونز هوبكنز لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” أن الفيروسات التاجية الأخرى لا تعمل بشكل جيد خلال أشهر الصيف لأنه بمجرد خروجها من الجسم، تجففها درجات الحرارة الساخنة والضوء فوق البنفسجي من أشعة الشمس يؤثر عليها.

ومع ذلك، تقدم دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الكندية بيانات تشير إلى أن فيروس كورونا، SARS-CoV-2، يبدو منيعًا لاختلافات درجات الحرارة ويتأثر فقط قليلاً بالرطوبة. وتفشي المرض في مومباي ونضال إندونيسيا المستمر لاحتواء الفيروس يكشف كيف يؤثر الوباء على البلدان عبر المناطق المناخية، بما في ذلك العديد من المناطق عند خط الاستواء أو بالقرب منه.

هل الموجة الثانية حتمية أم يمكن تجنبها؟

لا يمكن الجزم، بحسب آراء الخبراء، أن الموجة الثانية هي حتمية، إلا أن ذلك لا يلغي أبدا احتمالية حدوثها إسوة بالإنفلونزا الإسبانية التي كانت فيها الموجة الثانية أشد فتكًا.

على سبيل المثال، إن الدكتور فاوتشي الذي حذّر مرارًا وتكرارًا بأنه يجب علينا الاستعداد لزيادة كبيرة محتملة في عدد حالات الإصابة صرّح الأسبوع الفائت لشبكة “CNN” الأميركية أن هناك سببًا للتفاؤل بأننا نستطيع تجنب هذا الإرتفاع عبر العمل الدؤوب للحكومات في هذا الاتجاه.

لذلك، يجمع العديد من الخبراء على أن أفضل طريقة لدرء تلك الموجة الثانية المحتملة هي ممارسة التدابير التي نعرف أنها تقي بالفعل، مثل التباعد الجسدي وارتداء الكمامات. لسوء الحظ، لا يتفق الجميع مع هذا الواقع الجديد ، ويمكن أن يثير ذلك موجة وبائية ثانية عاجلاً وليس آجلاً.

عليه، إن التفاؤل يعتمد على الأشخاص الذين يلتزمون بالإرشادات التي وضعها مسؤولو الصحة في العديد من البلدان، بالإضافة إلى زيادة الاختبارات وتتبع الإصابات ورصدها بشكل ذكي وسريع.

حتى الآن، لا شيء يشير إلى الطمأنينة الكاملة، وذلك لأسباب عدة لكن أبرزها عدم انتشار مناعة القطيع في أي بلد حتى الآن (أي يكسب السكان فيه مناعة جماعية من الفيروس)، وعدم وجود لقاح رسمي حتى الآن يقتل الفيروس.

أما إذا كانت الموجة الثانية ستكون أسوأ، فذلك يعتمد على العوامل المذكورة أعلاه، يضاف إليها عامل تحول الفيروس إلى سلالة أكثر عدوى. هناك ستتعقد الأمور، وتتداخل هذه العوامل مع بعضها، فتحدد استجابة الدول مصير الموجة الثانية. هذه الإستجابة لن تكون كبيرة كالأولى في دول أرهق الإغلاق اقتصادها لكن ذكاء التتبع والرصد والإجراءات الوقائية يمكن أن يعوّض عن تدني نسبة هذه الإستجابة.