أخطاء يجب على الحكومة إصلاحها على طريق «مناعة القطيع»

نشر كمامات وقفازات للوقاية من فيروس كورونا في صيدا جنوب لبنان (رويترز)
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19.

لما قررت الحكومة اللبنانية بشكل نهائي (أقله ما يصدر عنها حتى الآن) عدم إقفال البلاد بشكل كامل بعد الآن، واعتمادها نموذج “مناعة القطيع” مخلوط مع نماذج أخرى كما أعلن وزير الصحة، تمتلئ الطرقات يوماً بعد يوم وتعود الحياة تدريجيا إلى طبيعتها.

بفعل الوضع الإقتصادي الضاغط الذي يخنق المواطنات والمواطنين، ستعود دورة الحياة مجددا لكنها هذه المرة مثقلة بهموم جمّة، فيما تبقى عين الدولة على إصابات “كورونا”، حالها كحال العديد من البلدان حول العالم.

لكن مسيرة مكافحة فيروس كورونا المستجد منذ نهاية شباط حتى اليوم، التي ولو أنها نجحت في مراحل كثيرة، شابتها الكثير من العقبات والمشاكل، وستتفاقم هذه المشاكل مع عودة اللبنانيين إلى أعمالهم وتأمين لقمة عيشهم.

أمام ما تقدّم، هنا بعض الأخطاء التي لا يجب أن تتكرر في هذه المرحلة الصعبة، وعلى الحكومة وضع إمكانياتها كافة من أجل استدراكها.

أولا: الفحوصات القليلة

لا يجب أن تستمر الحكومة بعدد فحوصات قليل وتسير عكس الدول التي أعلنت عن الفتح التدريجي لقطاعاتها. هذه الدول، أجرى عشرات الآلاف من الفحوصات قبل أن تقدم على هذه الخطوة على عكس الدولة اللبنانية التي أجرت حتى تاريخه 75813 فحصا فقط.

صحيح أنه في الأيام الفائتة، رأينا تقدما ملموسا هو عبارة عن أكثر من ألفي فحص في اليوم (2204 في 23 أيار و2410 في 24 أيار) إلا أنها انحدرت بشكل كبير بعدها لتصل فقط إلى 760 في 25 أيار و819 في 26 أيار. ثم ارتفع إلى 1675 فحصا في 27 أيار.

وقد أكدت العديد من المراجع الصحية في العالم،  أن الطريق الأسلم لفتح البلاد هو تعقب الإصابات بشكل ذكي تمهيدا لعزلها في منطقة معينة وزمن معين، وزيادة الفحوصات التي تبعث على الطمأنينة للدولة والمواطنين معاً.

ثانيا: قلّة التنسيق بين الوزارات

شابت القرارات الحكومية (التي كانت موزّعة غالبا بين وزارتي الصحة والداخلية) العديد من الأخطاء التي تنمّ عن قلّة تنسيق، وآخرها مفاجأة غرامة الـ50 ألف ليرة على الكمامات التي أعلنت عنها قوى الأمن الداخلي والتي كان قد نفى إمكانية تطبيقها وزير الصحة حمد حسن.

في الوقت عينه، وجب أن تنتهي القرارات المبهمة من قبل وزارة الداخلية وأن يستعاض عنها بقرارات واضحة حول الإجراءات بحق غير الملتزمينن، إجراءات يجب أن تكون واضحة ومطبّقة ليست على غرار معجزة المفرد والمجوز التي لا تطبق أصلا.

وفي هذا السياق، يجب أن تكون هذه القرارات متناسقة وليست متناقضة، إذ كيف تسمح مثلا للمطاعم بالفتح حتى الساعة التاسعة ليلا (يمكن رصد المطاعم بأنها فعلا تفتح لهذا التوقيت) وفي الوقت عينه تحدّد منع التجول في السيارات حتى السابعة مساء؟

ثالثا: عدم الجهوزية التامة مع المستشفيات الخاصة

صحيح أن عدد حالات الإستشفاء ما زال حتى اللحظة صغيرا وقد بلغ حتى الآن 73 حالة فقط ولم يتخطّ القدرة الإستيعابية للمستشفيات الحكومية، لكن هذا لا يمنع استمرار التنسيق مع المستشفيات الخاصة في حال ارتفع هذا العدد.

يبدو، وبحسب المعطيات من مسؤولين في وزارة الصحة، أن المستشفيات الخاصة لا تستقبل حاليا أي مريض بـ”كورونا”، إلا أن السبب لا يعود فقط إلى العدد الصغير لحالات الإستشفاء بل إلى عدم توصل الدولة إلى خطة تعاون مع هذه المستشفيات التي بدورها تضيّق الخناق على الحكومة بسبب مستحقاتها المالية غير المدفوعة.

وحتى هذه اللحظة، لم نرَ أي خطة لحلّ هذه المشكلة في المدى القريب، ويبدو أن الإتكال فقط على ألا تتزايد أعداد الإصابات!

رابعا: غياب خطة دعم الرعاية الصحية للاجئين

ما زالت العوائق تواجه تأمين الرعاية الصحية للعديد من اللاجئين خصوصا السوريين منهم، الذي لا يمكن أن يحصلوا على الرعاية الصحية في المستشفيات بسبب نظام الخصخصة وعدم القدرة على تحمل التكاليف المادية.

بدلا من ذلك، يعتمد اللاجئون على مراكز الرعاية الصحية القريبة منهم وعلى المنظمات الدولية غير الحكومية، التي تأخذ مكان الدولة في هذا المضمار.

أضف إلى ذلك، يتعرض اللاجئون في قرى عدة في لبنان من قيود تنقل تفرضها البلديات وهذا ما يجعلهم واقعين بين مطرقة الدولة والبلديات وسندان الوضع الإجتماعي الرديء.

كل هذه العوامل لم تعالجها الحكومة حتى الآن، وما الإصابات الأخيرة للاجئين في مجدل عنجر إلا خير مثال على أنهم يجب أن يحصلوا على الرعاية الطبية الكاملة، لأن الوباء لا يميز بين مواطنين ومقيمين.