25 أيار.. عندما كانت «المقاومة مقاومة»!

المقاومة
٢٠٢٠.. ٢٠ عاما على تحرر "حزب الله" من لبنان! أعد موقع "جنوبية" ملفاً لمناسبة "عيد التحرير"، يقرأ فيه عبر سلسلة من الموضوعات والتحقيقات التغير في مفاهيم و أدبيات "المقاومة والعمالة" على مدى عقدين من الزمن، وتداعياتها على اللبنانيين والبيئة الشيعية.

تأسس مفهوم المقاومة كوظيفة جماهيرية تلجأ إليها الشعوب لتستعيد حرياتها وحرية اوطانها، وأصبحت حقا معترفا به في شرعة الأمم المتحدة، كوسيلة لاستعادة سيادة الاوطان والحق في تقرير مصير الشعوب المستعمرة.

في تجارب الشعوب وحركات التحرر الوطني على مستوى العالم تأسست تجربة الكفاح الشعبي المسلح كفعل ثوري تقوم به طليعة شعبية بعمل مسلح في مواجهة جيش احتلال اجنبي، وحفل القرن الماضي بعشرات التجارب التي خاضتها شعوب العالم في مواجهة محتليها، كانت التجربة رائدة في الصين ويوغوسلافيا وفرنسا والبانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم تكررت في الجزائر وفييتنام وبوليفيا ونيكاراغوا واميركا اللاتينية في النصف الثاني من القرن الفائت، وتزامنت مع ذلك ثورة فلسطين وانطلاقة حركة فتح سنة 1965، والمؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا بقيادة نلسون مانديلا.

اقرأ أيضاً: عيد التحرير: حزب الله يحتفل واللبنانيون يتألّمون

لم يكن حزب الله مقاومة

لم يكن حزب الله مقاومة من مقاومات هذا العالم وقتها، ولم يكن مقاومة في لبنان ايضا، فالقتال الشعبي لاسرائيل من لبنان وعلى ارض لبنان تأسس منذ قيام اسرائيل عبر جيش الانقاذ وهو جيش من المتطوعين شارك في حرب فلسطين سنة 1948.

ثم قامت تجارب اخرى عديدة، مترامية الامتداد في الزمان والانتماء، كانت أهمها انخراط الالاف من اللبنانيين في صفوف المقاومة الفلسطينية، من خليل الجمل الى عشرات الشهداء، الاموات والاحياء، على ارض الجنوب اللبناني، من مختلف المناطق والجهات اللبنانية، خاصة في الاجتياح الاسرائيلي سنة 1978 بعد عملية سافوي التي اقتحمت ساحل تل ابيب، بقيادة دلال المغربي، وعندما وقع عدوان حزيران 1982 تجسدت بطولة المدافعين عن الجنوب، لبنانيين وفلسطينيين، في قلعة شقيف ارنون وتلة مسعود وفي محاور ميمس والخلوات وعين عطا على سفوح جبل الشيخ كما في خلدة ومعبر المتحف وخط مطار بيروت. تلك كانت مقاومة لا تبغي لا منة ولا شكرا.

لم يكن حزب الله مقاومة من مقاومات هذا العالم وقتها، ولم يكن مقاومة في لبنان ايضا، فالقتال الشعبي لاسرائيل من لبنان وعلى ارض لبنان تأسس منذ قيام اسرائيل عبر جيش الانقاذ وهو جيش من المتطوعين شارك في حرب فلسطين سنة 1948

المواجهات تلك كانت اساسا لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية المستندة الى بيان اطلاقها من منزل كمال جنبلاط، بقيادة جورج حاوي ومحسن ابراهيم.

في سنة 1967 بعد احتلال اسرائيل للقدس والضفة الغربية اعلن جيش الاحتلال وقف حظر التجوال في المناطق المحتلة بعد اقل من شهر من الحرب، اما في بيروت فقد اضطر جيش الاحتلال ان ينادي بمكبرات الصوت” يا اهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا، نحن ننسحب من مدينتكم” بعد ايام ثلاثة فقط من دخولها. كانت تلك مقاومة ايضاً ودون ال التعريف الحصرية! ولم يكن حزب الله قد ظهر إلى الوجود والواقع.

جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية استمرت بعملياتها توجه ضرباتها لجيش الاحتلال مرحلة اثر أخرى، حتى اجبرته على الانسحاب من الدامور وصيدا وصور والنبطية والشوف واقليم الخروب والبقاع الغربي الى الشريط الحدودي سنة 1985، تلك كانت مقاومة اشتركت فيها كل فعاليات شعبنا وقواه الحزبية والوطنية، ولم تدع عصمة ولا ميزة او خصوصية، وصانعوها كانوا أناسا عاديون، لا قديسين بينهم، ولم يروا في أفعالهم إلا واجبا يؤدى.

حزب الله كان مقاومة مثل كل هؤلاء، حين أسهم بتحرير أخر قسم من أراضي لبنان المحتله، مستمرا في صراعه لعقدين من الزمن. وتم تتويج مقاومته هذه، بانسحاب إسرائيل حتى الخط الأزرق الذي رسمته الامم المتحدة تنفيذا لقرار مجلس الامن رقم 425.

منذ تلك اللحظة فقدت المقاومة عنصرين اثنين من عناصر مشروعيتها؛ الاول تنفيذ القرارين الدوليين 425 و 426 وإعلان الأمم المتحدة تنفيذهما بضمانتها، أما الثاني فهو إنهاء الاحتلال واعلان لبنان يوم ٢٥ أيار عيدا للتحرير والمقاومة.

المأزق اللبناني

ولعل المأزق اللبناني يندرج في هذا العيد واسمه، فإذا كنا نحتفل بالمقاومة التي تواجه احتلالا، فعلام الاحتفال بالتحرير طالما الاحتلال لايزال قائما!؟، وأن كنا نحتفل بمقاومة الاحتلال، فعلام الاحتفال بالتحرير؟!
كان ممكنا التعايش مع هذا التناقض المفهومي، لولا حرب تموز التي ادت الى ارساء القرار الدولي 1701 وانهت العمليات الحربية عبر الحدود الجنوبية، والى نشر الجيش اللبناني وقوات الطوارئ دولية جنوب خط الليطاني، معتبرا أن أي وجود مسلح آخر، بما في ذلك سلاح حزب الله، هو خرق للقرار الدولي وانتهاك لمندرجاته، وبذلك فقدت مقاومة حزب الله عنصرا ثالثا من مشروعيتها وهو حقها في الاندماج في عموم الأهالي وانتشارها في القرى الموالية لها (لا تستعاد المشروعية اذا كان ينتشر سرا).

من حيثيات منطق أي “حركة تحرر وطني” تمارس مقاومة ضد محتل أجنبي، أن تعمل على وحدة الشعب والتركيز على التناقض الرئيسي مع العدو المحتل، وعلى تجاوز وتخفيف أي تناقض ثانوي داخلي لبناني لمصلحة تكتيل الجهود وتوجيهها في وجه الأجنبي، “فقوة المقاومة في الاصل هي رحابتها” لكن حزب الله سار عكس هذا المنطق تماما، ففي لحظة خروجه من حرب تموز ، مهادنا عدوا اجنبيا، قام بالتورط في صراع داخلي، في وجه قوى لبنانية اخرى، اوصلته الى اجتياح عاصمة بلاده واحتلالها ! وكأنه لم يكتفي بأن تكون مقاومته شيعية على مذهب الولي الفقيه رغم تسميتها اسلامية، وأن أجندتها اقليمية في لبنان وليست اجندة لبنانية، بل أضاف إليها نزعة صدامية فتنوية تتنقل من أزمة متفجرة الى اخرى مشتعلة.

فئوية المقاومة

فئوية المقاومة ليست تفصيلا عقائديا مبررا، بل إن هذه الفئوية ترسم حدود فعاليتها، كما ترسم خطوط الوصل والفصل بين معسكر أصدقائها ومعسكر اعدائها، هذه الخطوط لا تذهب الى حدود اسرائيل فقط، بل ترسم متعرجة داخل لبنان وخارجه، تمر في دمشق وحلب، كما في بغداد والانبار، وصولا إلى صنعاء والحديدة.
يردد السيد نصرالله في اطلالاته عبارة أصبحت لازمة لخطابه ” أن المقاومة تزداد قوة” معددا الصواريخ ومحددا دقة اصابتها، فهل قوة المقاومة في سلاحها؟ ويعلن متفاخرا “ان تمويله وغذاءه وتجهيزه من ايران وطالما ان في ايران فلوس فسيكون لحزبه فلوس”، فما هي عناصر قوة المقاومة أي حركة مقاومة؟ ! والجواب عنصران متلازمان؛ الاول أن قضيتها هي الحرية حرية الوطن والمواطن وهذا ما يجعل قضيتها عادلة، الثاني أنها تعتمد سبيل الالتزام والتضحية والوفاء لشعبها ووطنها فتكسب تفوقا أخلاقيا في وجه خصومها ومنافسيها، المقاومة قوية لان قضيتها العادلة هي الحرية، وتمتع بتفوق أخلاقي لارتباطها بوطنها. ومقاومة نصرالله بعد أن انحازت لكل أنظمة الاستبداد في سورية وإيران واليمن، افلتت من يدها راية الحرية، وبانت وشائج ارتباطها بإيران لا ب لبنان، ولكي لا نفهم خطأً، نستنتج أن حزب الله قوي جدا كطرف في حرب أهلية وليس قويا كحركة مقاومة وطنية وعربية.

فئوية المقاومة ليست تفصيلا عقائديا مبررا، بل إن هذه الفئوية ترسم حدود فعاليتها، كما ترسم خطوط الوصل والفصل بين معسكر أصدقائها ومعسكر اعدائها

اقرأ أيضاً: لن نحتفل بعيد التحرير: هذا ما فعله حزب الله!

في العرض الذي تقدم نرى قوى سياسية وحركات تحرر وطني، في بلادنا وفي كل الدنيا، مارست مقاومة احتلال اوطانها كوظيفة تنتهي بانتهاء الاحتلال، بقيت على مسمياتها قبل المقاومة كما بعدها في فيتنام وكامبوديا والجزائر وفلسطين ونيكاراغوا ولبنان.

وحده حزب الله حول المقاومة من وظيفة فقدت كل عناصر مشروعيتها وقوتها واجندتها إلى اسم علم مقرونا ب ال التعريف…

يحكى أن امرأة في قرية جنوبية امتلكت شجرة جوز في دارها، كانت تقطفها وتمون ثمارها، شاخت المرأة وشاخت الشجرة ويبست، أتى نجار القرية قطعها وصنع منها كنبة تستقبل المرأة زوارها عليها، يتنادمون ويتحادثون، الناس تسمي الكنبة باسمها كنبة، وحدها عجوز الدار لا تزال مصرة على الادعاء أنها شجرة جوز تجني ثمارها وتتمون منها، فيما يصيح زوجها بها يا “حجي أنها كنبة”.