بين لبنان إلى سوريا.. بندقية «حزب الله» من المُقاومة إلى المُقاولة!

حزب الله
٢٠٢٠.. ٢٠ عاما على تحرر "حزب الله" من لبنان! أعد موقع "جنوبية" ملفاً لمناسبة "عيد التحرير"، يقرأ فيه عبر سلسلة من الموضوعات والتحقيقات التغير في مفاهيم و أدبيات "المقاومة والعمالة" على مدى عقدين من الزمن، وتداعياتها على اللبنانيين والبيئة الشيعية.

من نصرِ تحرير الجنوب مع الفصائل اللبنانية الأخرى الى المشاركة بالحرب التي دارت في سوريا بدءً من عام 2011، حينما قرر “حزب الله” الذهاب الى سوريا والقتال الى جانب “حليفه” لرد “الجميل” السوري وتحت الضغط الإيراني.

من مقاومة الى مُقاولة!

سوريا نفسها التي أبقت على الأسلحة بحوزة “حزب الله” في أواسط السبعينيات من القرن الماضي أوجدت علاقة فيها كثير من الخصوصية مع الحزب رغبةً منها في استعمال ورقة حزب الله كعامل ضغط على إسرائيل للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية، ومن جانبه بادر حزب الله خلال الوجود السوري في لبنان بدعم هذا الإحتلال ونظم عام 2001 مظاهرة ضخمة تجاوز عدد المتظاهرين فيها المائة ألف متظاهر رداً على تظاهرة لرافضين الوجود السوري في لبنان.

اقرأ أيضاً: لبنان.. «كنْ مع المقاومة وانهب ما شئت»

“حزب الله” الذي حوّل المقاومة الوطنية الى مُقاولة واستثمار في السياسية، برز دوره في سوريا حينما شارك مع النظام السوري في معارك عدة، ففي الفترة الممتدة من عام 2011 الى 2012 كانت قتال الحزب في سوريا غير علني، وكان أمينه العام حسن نصرالله يحاول التنصّل مما يحصل في سوريا، الى أن جاءت “معركة القصير” التي وقعت عام 2013 بين النظام وحزب الله من جهة، والمعارضة السورية وفصائل مسلحة من جهة اخرى والتي استمرت 18 يوم، وقضت بانتصار المحور الاول وبسط سيطرته على المنطقة، فيما سقط نحو 110 من مقاتلي حزب الله، ومن بين أعضاء حزب الله الذين سقطوا كان القائد فادي جزر، أمّا الأهمية الإستراتيجية للمعركة كانت بالنسبة للنظام السوري وحزب الله، السماح بربط حمص ودمشق، وتعزيز السيطرة على حمص وربط قوات الجيش إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط وميناء طرطوس.

“حزب الله” الذي حوّل المقاومة الوطنية الى مُقاولة واستثمار في السياسة، برز دوره في سوريا حينما شارك مع النظام السوري في معارك عدة

أما حزب الله مصلحته كانت حماية مؤيديه في لبنان من هجمات المعارضة كما قال، كما أن القصير هي طريق مهم للإمدادات الرئيسية من لبنان وكذلك السيطرة على خط عبور المقاتلين اللبنانيين الذين كانوا يعبرون الحدود للقتال إلى جانب الثوار في سوريا، حيث كانت المعارضة تسلك أيضا هذا الطريق للعبور إلى لبنان لتجنب القوات الحكومية السورية.

ما بعد القصير

فمنذ إنخراط “حزب الله” في القتال في سوريا، تراجع الإحتضان الشعبي للمقاومة في لبنان، فالمقاومة هذه المرتبطة بالكرامة والضمير الإنساني، والمستثمرة في تحريك مشاعر الجنوبيين خاصةً واللبنانيين عامة، باتت تُستثمر فعلياً في سوريا، الى أن باتت “مقاومة غبّ الطلب”، تنفذ أجندة إيران في سوريا، فيما يعتبرها الحزب بدوره انها “رد جميل لإيران على دعمها وتمويلها له”، الى ان اصبحت رهينة بيد النظام السوري، يحررها ساعة يشاء، ويرفض تراجعها حين يشاء أيضاً، والدليل على ذلك ما قاله نصرالله عام 2018 في خطاب انه «ليست لدينا معركة بقاء في سوريا، وما يبقينا هو الواجب والقيادة السورية. ولكن في الوقت ذاته نقول إنه لو اجتمع العالم كله ليفرض علينا أن نخرج من سوريا، فإنه لن يستطيع، فهذا الأمر يحصل في حالة وحيدة وهي أن يكون بطلب من الحكومة السورية”.

القتال في سوريا هذا، كان المبرر فيه حسبما بقول الامين العام لحزب الله “القتال ضد المتطرفين الإسلاميين” على ان جماعته “لن تسمح للمسلحين السوريين بالسيطرة على مناطق على الحدود مع لبنان» مؤكداً عام 2013 أن الحزب كان يقاتلُ في بلدة القصير إلى جانب قوات النظام على قاعدة «قد تسقطُ سوريا في يد أميركا وإسرائيل والتكفيريين … سيذهبُ مواطني هذه المنطقة إلى فترة حالِكة ومظلمة”، حسبما جاء في خطابه.

الحرب في سوريا والتي زجت بالشباب اللبناني في حروب خارج أرض الوطن، عادت بنتائج كارثية على لبنان وحتى “حزب الله”، وأعاد المئات من مقاتلي الحزب -منهم المؤمنين بما يقومون به وآخرون بحاجة ماسّة الى المال- بالأكفان تُواسي أمهاتهم كلمة “شهيد” أو “سقط أثناء قيامه بواجبه الجهادي”. القتال هذا دفع الحزب ثمنه في لبنان أيضاً، ففي 26 ايار عام 2013 ضربَ صاروخين موقعًا تابعًا للحزب في منطقة بيروت مما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص في حين سبّب صاروخان آخران أضرارًا في الممتلكات والمباني في الهرمل، والهجوم هذا تبنته المعارضة السورية المسلحة المسؤولية عن الهجوم كما توعدوا بمهاجمة أهداف حزب الله في لبنان انتقامًا منه على مساعدته للجيش السوري.

فمن بعد القصير، نقل حزب الله مقاتليه الى حلب، إذ نقلَ حزب الله في حزيران 2013 عددًا من مُقاتليه إلى مدينة حلب للمشاركة في المعركة الدائرة هناك. تسبّب كل هذا في إدخال تغيير مهم في سياسة التناوب ومكّن القوات السوريّة من تحقيق انتصار مهم في الساحة.

2014 والقتال العلني في سوريا

أمّا عام 2014، بدأ يظهر جلياً وبدون أي حرج مشاركة “حزب الله” في القتال في سوريا، خاصةً بعد معركة “القصير” كانَ من الواضح للعيان الدعم الكبير الذي قدّمهُ حزب الله للقوات الحكومية السورية في مختلف أنحاء سوريا.

يبرود 2015 واستشهاد سمير القنطار!

تشييع سمير القنطار

الى عام 2015، تعرض مركز تابع لحزب الله الى هجوم من قبل الجيش السوري الحر في منطقة يبرود في غرب جبال القلمون بالقرب من الحدود اللبنانية، وتسبب هذا الهجوم بخسائر كبيرة في صفوف الحزب والنظام وتمت مصادرة عدد من الأسلحة الثقيلة والخفيفة فضلاً عن صناديق من الذخيرة، ليرد الحزب في ايار2015 هجومًا مضاداً في منطقة القلمون في محافظة ريف دمشق بدعمٍ من جيش النظام، وما كان ينقص “حزب الله” حينها سوى استشهاد أحد عناصره والمعتقل السابق في سجون الإحتلال الإسرائيلي سمير القنطار، في غارة صاروخية استهدفت منطقة جرمانا في العاصمة السورية قال الحزب حينها إن اسرائيل شنتها.قنطار الذي قضى 30 عاما في السجون الاسرائيلية رحبت اسرائيل بنبأ استشهاده قائلة إنه كان يخطط لهجمات ضدها من مقره في سوريا.

2016 : قتال داعش في دير الزور وسقوط بدرالدين

تشييع مصطفى بدر الدين

من خسائر الحزب الكبرى، كانت عام 2016 مع سقوط القائد العسكري الأعلى للحزب في سوريا مصطفى بدرالدين بظروف غامضة، كما وشارك حزب الله في العمليات ضد “داعش” أثناء حصار دير الزور في عام 2016.بدر الدين، الذي يوصف بـ”الشبح”، تؤكد الكثير من المصادر نبأ مقتله، باستثناء مصدر واحد يشير إلى بقائه على قيد الحياة، لكنها كلها تجمع على التشكيك في الرواية التي عرضها حزب الله على انه قضى بغارة من قبل التكفيريين على مركز للحزب قرب مطار دمشق الدولي، وتشير أيضا إلى تعرض الحزب إلى اختراق أمني كبير.

منذ إنخراط “حزب الله” في القتال في سوريا، تراجع وبشكلٍ واضح الدعم والإحتضان الشعبي للمقاومة في لبنان

2017 وهجوما درعا والبوكمال

درعا
درعا

شاركَ حزب الله في هجوم شرق حلب (يناير–أبريل 2017) كما دعم النظام في معركة الباب ضد داعش في شباط 2017 ولعبَ دورًا في هجوم درعا بالرغم من تكبده لعديد الخسائر.كما واستهدفت غارة جويّة في نيسان 2017 ريف دمشق مما تسبب في تدميرٍ جزئي لمستودع أسلحة تابعة لحزب الله ولا تزال الغارات الاسرائيلية توجه حتى اليوم لمقرات حزب الله وايران في سوريا.كما ولعب حزب الله د وراً في استعادة منطقة البوكمال من داعش.

إعدام عدد من السؤولين في حزب الله عام 2018

عام 2018 كان لا يزال “حزب الله” مستشرساً في القتال في سوريا، حيث ذكرت مصادر تابعة للمعارضة السورية أن الجيش الحر قد أعدمَ أحد كبار المسؤولين في حزب الله جنبًا إلى جنب مع 23 جنديًا سوريًا وذلك بعد رفضهم عبور جسر في مدينة درعا كان يتعرض لإطلاق نار كثيف بين الجيش السوري والمتمردين من الجهة الأخرى.

اقرأ أيضاً: عندما تصير المقاومة حزباً

2019 وتهديد نصرالله المستمر لإسرائيل

عام 2019 كان بمثابة إنحسار للحرب في سوريا، حيث بات الهدف الاسرائيلي إخراج ايران وحزب الله من سوريا، إذ قامت إسرائيل بقصفِ أهدافٍ لإيران في سوريا كما وعثرت على أنفاقٍ كان عناصر حزب الله قد حفروها من قبل ما تسبّب في تصاعدِ التوتر بين الطرفين، وخرجَ نصر الله حينها مقابلة تلفزيونية وهدد نتانياهو من مغبة التمادي في قصفِ سوريا وقال: «لا تخطئ التقدير ولا تأخذ المنطقة إلى حرب أو مواجهة كبرى”.

عام 2020.. مقاتلو “حزب الله” يعودون بالنعوش الى لبنان

مع بداية هذا العام، برز تشييع الحزب لعدد من مقاتليه وبأعداد كبيرة ممن قضوا في سوريا، ومنهم من كانت جثته أسيرة لدى الفصائل المسلحة، كما وتم كشف عمليات التهريب الكبيرة للدولار والطحين والطعام تحت عين الحزب الى سوريا.