كورونا لبنان بين مزاعم «مناعة القطيع الناعمة» و الأرقام المضللة.. الشفاء إلى أجل غير مسمّى!

عامل في مطعم بربر يرتدي الكمامة للوقاية ضد كورونا في الحمرا بيروت (لوس أنجلوس تايمز)
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19.

تقف الحكومة اللبنانية في الوقت الراهن أمام مفترق طرق خطير، بعد ارتفاع الإصابات بجائحة فيروس كورونا المستجد. هذا الإرتفاع، صاحبه عدد من الخطوات الإيجابية لكنها ما زالت حتى الآن دون المستوى إذا كانت ستأتي من دون خطة مسبقة ومحطمة.

يومان متتاليان سجّلت في كل واحد منهما أكثر من 60 إصابة، ما اعتبر رقما كبيرا قياسا للأيام والأسابيع الفائتة التي كان أكبرها يسجل 35 إصابة، بحسب البيانات الرسمية لوزارة الصحة.

وأتت هذه الأرقام المتصاعدة تزامنا مع التخفيف من إجراءات الإغلاق التام، وفتح المساجد أمام المصلين في عيد الفطر، وقدوم آلاف المغتربين من دول عدة حول العالم.

لكن ما هي خطة الدولة لمواجهة هذه المستجدات، وما هي حلولها للتخفيف من وطأة انتشار الفيروس، خصوصا أمام قطاع صحي لا يستوعب عددا كبيرا من الحالات المصابة.

مناعة القطيع الناعمة؟

فاجأ وزير الصحة في مقابلة عبر صحيفة “النهار” بحديثه عن النموذج اللبناني في مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد وقال أنها “مزيج من مناعة القاطيع الناعمة والتعبئة العامة والفتح الجزئي” للقطاعات في البلاد.

في الحقيقة، فيما لو بحثت عن “مناعة القطيع الناعمة” لن تجد أبدا تعريفا لها، وستجد بالفعل مقابلة الصحيفة المذكورة لأن هذا النوع من المناعة غير موجود أصلا.

فمناعة القطيع، في جوهرها، تحتاج إلى اختلاط عدد كبير من السكان بهدف كسب المناعة الجماعية ضد الفيروس، وهي نموذج فشلت في تطبيقه بلدان عدة، وتراجعت فورا عن تطبيقه بلدان أخرى.

أضف إلى ذلك، إن مناعة القطيع، تتضارب تماما مع نموذج التعبئة العامة أي الإقفال الكلي للبلاد. وإذا كان هذا الإقفال لا يطبق حاليا في لبنان بل استعيض عنه بالفتح الجزئي، فإن المسؤولين ما زلوا يهددون بالإقفال الكلي كلما ارتفعت نتيجة الإصابات. في الواقع، على الدولة أن تحدد فعلا خيارها في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وألا تتلطى خلف نماذج لا ناقة لها فيها ولا جمل، وتكثّف من اجراءاتها التعقبية لحاملي الفيروس وزيادة الفحوصات.

ماذا حول الأرقام ولماذا لا يمكن تصديق بعضها؟  

تبينّ أرقام الأيام الماضية بعض الملاحظات الإيجابية منها والسلبية، حول خطة العمل، نتطرق إلى أبرزها في التالي:

  • في يومي 21 و22 أيار تزايد عدد الفحوصات بشكل زايد وتخطى الألفي فحص في كل يوم وهذا أمر جيد، علما أن 90 فحصا فقط أجري للوافدين يوم 21 أيار
  • في الوقت نفسه، ومن بين 2100 فحص أجري يوم 22 أيار لا نعلم ما هي نسبة الفحوص بين المقيمين وبين الوافدين لأن الوزارة جمعتهما في بيانها للمرة الأولى، على أمل ألا يكون هذا الجمع نتيجة التسرع أو عدم الشفافية في تقديم النتائج للرأي العام
  • من المستغرب أن نرى فجأة رقم 663 في حالات الشفاء يوم 21 أيار لأن عدد الحالات في الايام التي سبقت كان أصغر بكثير. ويتضح من خلال البيان أن الوزارة زادت العامل الزمني في تقريرها للمرة الأولى، ولا نعلم على أي أساس اعتمدت هذا العامل في إعلان نتيجة تعافٍ نهائية
  • من المستغرب أكثر، أن يوم 22 أيار ما زال الرقم نفسه في خانة حالات الشفاء. ليس من المعلوم ما هو المقصود من إعادة الرقم نفسه في تقرير يفترض أنه يومي. لذلك إن الوزارة مطالبة بتوضيح حالات الشفاء هذه وحيثياتها لأن هذا الرقم مهمّ ومن شأنه أن يبعث على الإطمئنان في صفوف المواطنين

هل تحضّرت الدولة لرقم المصابين الكبير؟

يبدو، وعلى ما جاء على لسان وزير الصحة حمد حسن الجمعة، أن الدولة ماضية في خطة الفتح الجزئي للبلاد، ولن يعلن الإقفال التام مجددا ما لم تمتلئ الأسرة في المستشفيات بالمصابين.

لكن الحقيقة، وكما علمت “جنوبية” ونقلت تقارير صحفية، أن الطبقات التي جهّزتها المستشفيات الخاصة قبل أسابيع لمواجهة الجائحة قد أقفل بعضها، فهل هذا يعني انسحاب المستشفيات الخاصة من عملية مكافحة الوباء؟ وهل حديث وزير الصحة عن أسرّة المستشفيات الحكومية، فقط، يؤشر في هذا الإتجاه؟

أكثر من ذلك، هل من خطة لزيادة الفحوصات ولو أننا لم نصل لمرحلة “التفشي المجتمعي”، خصوصا ان أعدادا بالآلاف وصلت من المقيمين عبر مطار رفيق الحريري الدولي.

الأكيد أن “انتصار” الدولة على الوباء كما جاء على لسان حسن مؤجل، وخطة الفتح يمكن أن تكون مفهومة لاعتبارات اقتصادية تخص الدولة والناس الذين لم تسعفهم الدولة في الإقفال التام، لكن الأكيد أيضا أن الشفاء من الفيروس في لبنان، كما في العالم، لن يكون سريعا وهو بحاجة إلى متابعة حثيثة ويومية وليس انتصارات وهمية.