عن المفاضلة بين كورونا والموت من الجوع: من يقتل أكثر؟

الجوع
هذا المقال هو ضمن ملف "فيروس كورونا: جائحة تمتحن الأرض" من موقع "جنوبية" المهتم بنقل كواليس التطورات التي يحدثها فيروس كورونا المستجد حول لبنان والعالم. تبحث في التحليلات التي ترافق عمل الحكومات وخلفيات الأحداث التي استجدت في المشهد العالمي على وقع انتشار وباء كوفيد 19 .

ولّدت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد أزمات متتالية حول العالم، من الأزمة الإقتصادية الحادة إلى الأزمات الصحية وصولا إلى الازمات الإجتماعية. لعل أبرز ما في هذه الازمات الإجتماعية هي المخاوف، التي تحولت بعدها إلى تحذيرات دولية، من الجوع الذي سيضرب فئة كبيرة من البشر بسبب انتشار وباء كوفيد 19.

بين الوباء والجوع (ربما لاحقا المجاعة)، أرقام بالملايين تسجلها العدادات، أرقام لأمراض وأزمات تحصد معها الأرواح اليوم، وتهدد الكثير منها في المستقبل.

لكن الكثير من الشعوب، وُضعت أمام الخيارين، أحلاهما مرّ، كورونا أو الجوع. خياران أحدهما مزمن وعمره مئات السنين، والآخر طارئ لكنه يزيد “الطين والبلة”.

بين “كورونا” والجوع: الأرقام المرعبة

ما يزال الجوع في القرن الحادي والعشرين هو أكبر مشكلة صحية في العالم. كل عام، يموت حوالي 9 ملايين شخص بسبب الجوع والأمراض المرتبطة بالجوع. هذا الرقم أكثر من وفيات أمراض الإيدز والملاريا والسل مجتمعة.

إضافة إلى ذلك، إن سوء التغذية والجوع مسؤولان عن وفاة 3.1 مليون طفل في السنة. هذا هو ما يقرب من نصف وفيات الأطفال دون سن الخامسة. يموت الأطفال لأن أجسادهم تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية. أما على الصعيد العالمي، يعاني 822 مليون شخص من نقص التغذية بحسب إحصاء لمنظمة الصحة العالمية عام 2018.

يظهر مؤشر الجوع العالمي (GHI) لعام 2019 أن مستويات الجوع في العديد من البلدان أعلى مما كانت عليه في عام 2010، وقد ساهم الصراع وعدم المساواة وتأثيرات تغير المناخ في ارتفاع مستويات الجفاف باستمرار من الجوع وانعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.

بالوصول إلى عام 2020، توفي حتى الآن أكثر من مليونين و960 ألف شخص، بحسب موقع ” theworldcounts” التي يعتمد في تعداده على مصادر دولية كمؤسسة “ميرسي كوربس” ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. أما فيروس كورونا المستجد، فحصد من نهاية كانون الأول الفائت، موعد الإعلان عن الإصابة “صفر” المفترضة في الصين، فحصد حتى الآن حوالى 230 ألف شخص.

كورونا الذي “زاد الطين بلّة”

على الرغم من أن فيروس كورونا لا يترك بلدا على حاله، إلا ان تأثيره سيكون أشد وطأة على الدول التي تعاني من المجاعة والأزمات الإقتصادية المتتالية، ما سيجعل هذه الأزمات أشد فتكاً من الفيروس بحد ذاته، فإذا كان قد أدى في بعض الدول الغنية إلى الجوع فإنه أدى وسيؤدي في الدول الفقيرة إلى المجاعة. وبالفعل، حذر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي من أن العالم “يقف على شفا جائحة مجاعة”.

إضافة إلى ذلك، إن الأسر التي تكافح بالفعل من أجل البقاء فقدت العمل الذي أطعمها. ومن المتوقع أن تنخفض التحويلات التي يرسلها أفراد الأسرة إلى الخارج بنحو الخمس بسبب وباء كوفيد 19. اختفت السياحة. فقد الأطفال الوجبات المدرسية المغذية التي يعتمدون عليها. لم يخلق فيروس كورونا وحده هذه الأزمة، بل إنها ضربة مدمرة أخرى تزيد من تعقيد مشاكل البلدان التي تكافح بالفعل بسبب آثار الحرب والإحتباس الحراري والأزمات الصحية الأخرى والتهديدات المحددة مثل تهديدات الجراد التي تصيب شرق أفريقيا.

ويمكن أن يضاعف تقريباً عدد أولئك الذين يواجهون الجوع الحاد ، مما يدفع 130 مليون شخص إضافي إلى حافة المجاعة بحلول نهاية العام بحسب صحيفة “غارديان” البريطانية، فيما أشارت “نيويورك تايمز” إلى أن العدد سيصل إلى 256 مليون شخص.

مسلمون في الهند يرتدون الكمامات للوقاية من فيروس كورونا (Getty)
مواطنون في الهند يرتدون الكمامات للوقاية من فيروس كورونا (Getty)

بين الدول الغنية والفقيرة

وجدت دراسة حديثة أجراها البنك السويسري UBS أن الدول الناشئة مسؤولة أجرت عمليات إغلاق “معتدلة” وقليل من عمليات الإغلاق “الشديدة”. تركت باكستان مثلا صناعات التصدير الرئيسية المفتوحة، بما في ذلك المنسوجات. بالنسبة للدول التي تفتقر إلى شبكة أمان اجتماعي، فإن “عمليات الإغلاق الكاملة لن تؤدي إلا إلى المزيد من الجوع والمجاعة والموت” ، كما يقول لوهوت بانجايتان ، وهو وزير رفيع في إندونيسيا ، والذي كان بطيئًا في إصدار قيود السفر وأوامر الإقامة في المنزل.

إذا، تواجه البلدان الناشئة تحديات كبيرة. ليس لديهت الموارد اللازمة لمطابقة برامج التحفيز الهائلة التي تمنع حدوث ركود أعمق في العالم المتقدم. إن ظروفها المعيشية المزدحمة تجعل من الصعب إبطاء الوباء بقواعد بعيدة عن المجتمع. وإذا كانت الدول الناشئة تفرض عمليات الإغلاق، فلن تستطيع أنظمة الرعاية الضعيفة دعم العاطلين عن العمل لفترة طويلة.

مثلا، لقد التزمت الولايات المتحدة بالفعل بإنفاق مبلغ يساوي حوالي 10 في المائة من ناتجها الاقتصادي السنوي على تدابير التحفيز للحفاظ على النمو على قيد الحياة. كذلك، تخطط ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لإنفاق 15 بالمائة أو أكثر. لكن الدول الغنية لديها القدرة على الاقتراض والإنفاق بحرية، لأنه بشكل عام تثق الأسواق العالمية بها في سداد مدفوعاتها، بغض النظر عن حجمها.

أما الدول الناشئة الكبرى فليس لديها الرفاهية نفسها، إذ إنها أعلنت عن برامج تحفيز أكثر تواضعا تصل إلى ما بين 1 في المائة و 3 في المائة من النائج الاقتصادي، والبعض ينفخ الأرقام عن طريق حساب الأموال التي خططوا بالفعل لإنفاقها قبل بدء هذه الأزمة.

هذه الدول بالفعل محاصرة لأنها إذا اقترضت بشكل أكبر لإنفاق المزيد، فإنهم تخاطر بفقدان ثقة المستثمرين، مما يؤدي إلى انهيار العملة وفي كثير من الحالات إلى أزمة مالية. عندما ضرب الوباء، واجهت العديد من الاقتصادات الناشئة الكبيرة مثل اقتصادات جنوب أفريقيا ونيجيريا والأرجنتين عجزًا مزدوجًا كبيرًا في الموازنات. والآن، يهرب المستثمرون المذعورون إلى الأمان النسبي للدولار الأميركي، مما يضعف عملات الاقتصادات الناشئة – ويقوض أكثر من قدرتها على دفع فواتيرها.

كورونا يفتك بايران

بلاد آثرت “كورونا” على الجوع

أمام هذا الواقع المرير، هناك بلاد بل أناس في بلاد اختارت الخروج الطوعي من المنزل على أن تموت وحيدة في إحدى زواياه المظلمة.

في إثيوبيا مثلا نصحت السلطات الناس بعدم التجمهر بأعداد قليلة لكنها لم تعلن صراحة تقييد حركة التنقل بل اكتفت بإغلاق الحدود وإغلاق المداس. وحينها سئل رئيس وزرائها أبيي أحمد قال “الكثير من مواطنينا لا يملكون البيوت، وحتى من لديهم البيروت عليهم أن يكسبوا لقمة العيش يوميا”.

في الهند قال راميش كومار الذي جاء من منطقة باندا بولاية أوتار براديش إلى دالهي للعمل، “أكسب 600 روبية (8 دولارات) كل يوم ولدي خمسة أشخاص لإطعامهم. سينفد الطعام في غضون أيام قليلة. أعرف خطر الإصابة بـ”كورونا”، لكن لا يمكنني رؤية أطفالي جائعين”. وكومار من بين الملايين من أصحاب الأجر اليومي الآخر في وضع مماثل.

أما في كولومبيا، تقوم الأسر الفقيرة بتعليق الملابس الحمراء والأعلام من نوافذها وشرفاتها كعلامة على أنها جائعة.

وبالإنتقال إلى كينيا قالت بولين كاروشي، التي فقدت وظيفتها في شركة مجوهرات في العاصمة الكينية نيروبي، وتعيش في غرفتين مع طفلها وأربعة أقارب آخرين: “ليس لدينا أي أموال، والآن نحتاج إلى البقاء، هذا يعني عدم تناول الكثير”.

صحيح أن العالم عانى من أزمات الجوع الحادة من قبل، ولكن تلك المجاهات كانت سببها عامل واحد أو عاملين – الطقس المتطرف أو الانكماش الاقتصادي أو الحروب أو عدم الاستقرار السياسي. أما أزمة الجوع الحالية فيسببها عشرات العوامل بينها الخسارة المفاجئة في الدخل لملايين؛ انهيار أسعار النفط، نقص كبير في العملة الصعبة من جفاف السياحة/ العمال الأجانب الذين ليس لديهم دخل لإرسالهم إلى الوطن، والمشاكل المستمرة مثل تغير المناخ والعنف والتشريد السكاني والكوارث الإنسانية. كل هذا إذا ما أثقل كاهلنا يوما، ربما سنختار ألم كورونا على ألم الجوع.