
الخلاف في المؤسسة الدينية الشيعية بين التيارين برأي الباحث محمد السيّد هو خلافٌ تاريخيّ على مستوى التأسيسات الفلسفية وَالفقهية، فانسحب على فقه الدولة، والمواقف السياسية. ففريقٌ يريد تأسيس دولةٍ مدنيةٍ حديثةٍ تتحاكم إلى القوانين والدستور والمؤسَّسات، وفريقٌ يرى وجوب تأسيس دولةٍ دينيةٍ تنوب عن المعصوم إلى حين ظهوره.
قمع حلفاء إيران للثورتين
عرضت الدراسة موقف النُّخب الدينية الإيرانية السلبي مِن انتفاضتيْ العراق وَلبنان وكذلك موقف حزب الله الذي انضم الى السلطة واخذ المبادرة في قمع المتظاهرين اللبنانيين، وفصائل الحشد الشعبي في العراق التي قامت بعمليات قتل وقنص بحق المتظاهرين ما ادى الى سقوط اكثر من 600 شهيد.
اقرأ أيضاً: هل بدأ الهلال الشيعي يحترق فعلاً؟
ولفتت الدراسة انه “في بادئ الأمر ان الموقف الإيرانيّ اختلف تجاه تظاهرات كلٍ مِن العراق وَلبنان، فاتخذ مِن انتفاضة العراقيين موقفًا معاديًا وَوصائيًا، في حين كان خفيف اللهجة تجاه مظاهرات اللبنانيين، لكن ومع استمرار كلا الانتفاضتين، اتخذ الموقف الرسمي الإيرانيّ ممثلًا في أكبر رأسٍ دينيٍّ وَسياسيّ علي خامنئيّ صورةً أكثر حدية، وسلبية تجاه الانتفاضتين؛ استشعارًا لخطر تقزيم النفوذ الإيرانيّ المذهبيّ وَالسياسيّ في الإقليم، إذا ما نجحت أهداف الانتفاضتين الرئيسة الممثلة في نبذ الطائفية والمحاصصة، وبناء دولةٍ مدنيةٍ حديثة.
مرجعية السيستاني تتصدى لخامنئي
ورصدت الدراسة ان موقف مرجعية النجف اختلف عن موقف طهران، واتخذ شكلًا تصاعديًا مع مرور الأحداث. ولكن مِن الملاحظ أنّ أشدّ بيانٍ للنجف جاء بعد اتهام المتظاهرين بالعمالة مِن قبل المرشد الإيراني علي خامنئي، فقال آية الله السيستاني –فيما اعتُبر ردًّا على التدخل الإيرانيّ-: «لا يحق لأي جهة أو طرف إقليمي أو دولي مصادرة إرادة العراقيين» في إشارةٍ إلى اتهام خامنئي للمتظاهرين بالعمالة للخارج، وإثارة الشغب، وأنّ المطالب تنحصر في الطرق القانونية فقط.
وفي نفس ذلك اليوم الذي قالت فيه المرجعية العليا –السيستاني-هذا الكلام، وحذرت من تدخلات خارجية تصادر إرادة العراقيين، قال خطيب جمعة طهران بأنّ العراق يتعرض لمؤامرة!
السيستاني: «لا يحق لأي جهة أو طرف إقليمي أو دولي مصادرة إرادة العراقيين» في إشارةٍ إلى اتهام خامنئي للمتظاهرين بالعمالة للخارج
تدميرُ الذات.. تآكل الهلال الشيعيّ
وختمت الدراسة بقولها ان “اللافت للنظر هو انتفاضة الناس في العواصم المركزية للتشيع ضد الهيمنة الإيرانية وأذرعها المحلية، فهذا الحراكُ الشيعيّ يُعتبر أول تمرّدٍ عريضٍ ضد التبعية للوليّ الفقيه في إيران، في قلب العواصم التي عدَّتها إيران يومًا مّا جزءًا مِن مجالها الحيويّ الصلب، لكن مؤشرات هذا الحراك تدلّ على أنّه كان ثَمَّة تضخيمٌ متعمدٌ مِن الجانب الإيرانيّ للقوة الإيرانية في المنطقة، وللهلال الشيعي والأذرع العسكرية الإيرانية، وأنَّ ثَمَّة هشاشةً في بنية هذا الهلال، هشاشةً مذهبيةً، وَسياسيةً، وَاقتصاديةً، أدت إلى انفجار الجماهير”.
تلك الهشاشة فيما ظنته إيران هلالًا شيعيًّا مواليًا لها، آخذة في التمدد لا محالة بفعل الأجيال الجديدة التي لا يروقها خطابات الأيديولوجيا والإسلام السياسيّ، بقدر ما تريد حياةً كريمةً على الأرض.
الدراسة تستشهد بمقالات موقع “جنوبية”
تحت عنوان رجال دينٍ مستقلون وَإصلاحيون، ذكر مقطع في الدراسة المشار اليها، ان هناك عددا كبيرا مِن رجال الدين غير التابعين لمرجعية النجف، ولا المحسوبين كليًا على الدولة الإيرانية، ساندوا التظاهرات، وبعضهم شارك فيها.
فاستشهدت الدراسة بمقابلة أجراها موقع “جنوبية” بتاريخ 4 تشرين ثاني 2019 مع المفكرالاسلامي اللبناني العلامة السيد محمد حسن الأمين،”الذي أيّد تظاهرات اللبنانيين والعراقيين، وقال بأنّ الدولة المدنية باتت مطلبًا شعبيًّا للجميع”.
وكان السيد الأمين قد قال في المقابلة المذكورة: “الثورة البيضاء هذه الانتفاضة، هي تجسيد لحق دستوري وإنساني من هؤلاء المنتفضين، ولنقل لهؤلاء الثوار، وليس صحيحاً أن هناك أصابع خارجية تحرّك هذه الانتفاضة”. وأضاف:” لأول مرة يكاد يكون هناك إجماع من كل فئات الشعب اللبناني وطوائفه على ضرورة الإتفاق والنزول إلى الشوارع”. وتوجه بالنصح إلى الذين يحملون المسؤولية “أن يبادروا إلى الإصلاحات المطلوبة وأن تتخلى الطبقة السياسية عن مواقعها وامتيازاتها، وأن يصار إلى إنتخابات مبكّرة يكون المجلس بعدها مؤهلاً لإختيار المسؤولين من رؤساء ووزراء، على أساس قانون الإنتخابات خارج القيد الطائفي، كما يطالب المتظاهرون وكما هي موجبات الدستور، التي جعلت الطائفية مؤقتة منذ عام 1926″. وتابع”: ولا أحسب أن اللبنانيين يعارضون هذا الشرط على اختلاف طوائفهم، فقد ثبت أنه لا إصلاح ممكن في ظل نظام طائفي ومذهبي، فهذا ليس دعوة للتخلي عن الإنتماء إلى الطوائف والمذاهب، ولكنه يعني الفصل بين الطائفية ونظام الحكم”.
استشهدت الدراسة بمقابلة أجراها موقع “جنوبية” بتاريخ 4 تشرين ثاني 2019 مع المفكرالاسلامي اللبناني العلامة السيد محمد حسن الأمين،”الذي أيّد تظاهرات اللبنانيين والعراقيين، وقال بأنّ الدولة المدنية باتت مطلبًا شعبيًّا للجميع”
اقرأ أيضاً: ايران والعالم العربي (4): رسم الهلال الشيعي بتدمير الشام وحُكم لبنان
وكذلك استشهدت الدراسة بمقال نشر على موقع “جنوبية” بتاريخ 10 تشرين ثاني 2019 تحت عنوان: رغم الإضطهاد..«رجال الدين الشيعة» يشاركون في الحراك.ومما جاء فيه:
“رغـم الاضطهـاد رجـال الديـن الشـيعة يشـاركون فـي الحـراك. كان من الملفت منذ اليوم الأول لانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 مشاركة مجموعة من علماء الدين الشيعة في الحراك الشعبي المدني السلمي الحقيقي في مختلف الساحات التي توزع فيها المتظاهرون، وقد صَرَّح بعض هؤلاء بتصاريح أعطت شرعية للانتفاضة الشعبية في مقابل محاولات الثنائي الشيعي لإجهاض كثافة المشاركة الشيعية في الانتفاضة ! ويوماً بعد يوم تظهر أسماء علماء الدين الشيعة المشاركين في الحراك حيث أن عددهم في ازدياد مستمر كلما طال زمن الانتفاضة وتوسعت أنشطتها وتنوعت أساليبها الاحتجاجية. ومن الأسماء التي بلغنا مشاركتها في الحراك من هؤلاء العلماء نذكر: فضيلة الشيخ محمد علي الحاج علي ، فضيلة الشيخ زهير كنج ، فضيلة السيد الدكتور جعفر فضل الله ، فضيلة الشيخ ياسر عودة، فضيلة الشيخ حسين عليان، فضيلة السيد حسن الأمين ، فضيلة السيد إبراهيم سرور الهاشم ، فضيلة الشيخ فادي سعد ، فضيلة الشيخ نظير جشي ، وآخرين …”
كما استشهدت الدراسة كذلك بمقطع فيديو نشره موقع “جنوبيـة” للشـيخ كاظـم ياسين إمام بلدة العباسية في جنوب لبنان، نشر في 31 تشرين أول ،2019 ينهى فيه الشيخ أهل بلدته وجماعته الجنوبيين عن استخدام العنف لحل المشاكل والأزمات الداخلية، مع الشركاء في الوطن، في معرض حديثه عن انتفاضة 17 تشرين.
وفيما يأتي نص الدراسة كاملاً.