
من حسن حظنا أننا تخطينا ألف فخ للموت ولم نمت بعد، عبرتنا عشرات الحروب ولم تقتلنا، ربما تركتنا للأسوأ، تركتنا أحياء لنتنفس ونتجول ونتحرك ضمن خطة وبائية فرضت علينا دون اي فرصة منا للاعتراض وهل مثلنا يعترض على ما يفرض عليه؟
لأول مرة نشعر بهذا الإنصاف، لأول مرة نتقاسم الكارثة دون أي تمييز يذكر، نتشاركها شرقا وغربا بعيدا عن مصطلح دول العالم الأول والثاني والثالث، لأول مرة نتوحد حول المصيبة، نختبئ منها كما لو أنها (البعبع) الوحيد في هذا العالم، لأول مرة يتم توزيع حصص الخوف علينا بالتساوي، الفرق الوحيد هو أننا أوفر منكم حظا هذه المرة. نحن العرب، عليكم ان تأخذوا هذا الأمر بعين الاعتبار، اي أننا لا نشبهكم، فالخوف الذي تعانون منه الآن أصبح عادة قديمة عندنا، لهذا نحن لا نمتلك رفاهية مشاركته معكم بنفس الزخم. لأننا لا نشبهكم.
نحن البائسون العرب
لا يعنينا كيف ستكون الأيام القادمة، أو من سيمسك بزمام هذا العالم، الصين أم أميركا ام الجن الأزرق، فطغاتنا حطموا الأرقام القياسية في الدكتاتورية والقذارة والتوحش، لا يمكن لأناس مثلنا أدمنوا النظر إلى الخلف والتباهي بإنجازات ليست لهم أن يلتفتوا إلى الجهة المعاكسة أو أن يتكهنوا بمستقبل بألوان قوس قزح.
اقرأ أيضاً: درس لكل الاسلام السياسي
نحن البائسون العرب
لسنا مجبرين مثلكم على تقوية جهاز المناعة فلقد استنشقنا من غبار الحروب والأسلحة التجريبية التي تم اختبارها علينا ما يجعل من أجهزة المناعة عندنا تضاهي بقوتها أجهزة المخابرات والتنصت والمراقبة وكل الأجهزة المتطورة التي تمتلكونها
نحن البائسون العرب
لا نتهافت مثلكم على تخزين الطعام لأن الجوع بات واحدا منا، حتى أننا لا نمتلك خطة وقائية للحد من زيادة أوزاننا، نحن المعتادون على الخسائر والهزائم وتنفيذ الأوامر وتقديم التنازلات والتوقيع على بياض دون أي شعور بالإهانة وخسارة الوزن بالنسبة لنا تبدو أمرا سخيفا جدا وهي ليست في قائمة أولوياتنا، يكفينا ما خسرناه حتى الآن إذا لماذا نخاف الجوع مثلكم؟
نحن البائسون العرب
لا نخاف الفقر لأننا نعيش تحت خطه تماما، والحجر الذي تتأففون أنتم منه الآن ليس جديد علينا، عيبكم أنكم لا تعيشون في مدن الخوف مثلنا، وبلادكم تكاد تكون الزنازين فيها معدودة، اما في بلادنا فأعدادها يفوق أعداد المقاهي ودور السينما ودور العبادة والمدارس والمستشفيات الزنازين عندنا من أولويات الحكم إذا، لماذا نخاف الحجر مثلكم؟
نحن البائسون العرب…
نتباكى على إغلاق المساجد ليس لأننا مؤمنون زيادة عن اللزوم كما تظنون ، وليس حرصا على إبقاء راية الإسلام خفاقة كما تتوهمون، نحن نتباكى على إغلاقها لأننا لا نملك بيوتا احتياطية نأوي إليها في الحروب والكوارث بعد أن تركنا الجميع وحدنا في العراء، حتى أولئك الذين كنا نظنهم رجال دين انتزعوا ثقتنا بهم بعدما راحوا يمارسون الدين بطريقة استعراضية فقط ليسوقوا مواهبهم في الدجل والنصب والدفاع عن الحاكم بأمره إذا، لماذا لا نبكي إغلاق المساجد؟
نحن البائسون العرب
الكمامة البيضاء التي تفتعلون الحروب من أجل الاستيلاء عليها وبعضكم تخلى عن إنسانيته وراح يمارس مهنة قاطعي الطرق لمصادرتها وهي في طريقها لبلاد أخرى تلك الكمامة لا تؤثر فينا أصلا ، وما حاجتنا لكمامة من قماش ونحن المكممون من كل الجهات المختصة ، المعتادون على السكوت أمام الجميع، الممنوعون من الصراخ والتدخل بشؤوننا الداخلية والخارجية والإنسانية والوطنية والمستقبلية إذا، بماذا يفيدنا ارتداء كمامة بهذا الحجم المثير للضحك؟
أول مرة نشعر بهذا الإنصاف، لأول مرة نتقاسم الكارثة دون أي تمييز يذكر، نتشاركها شرقا وغربا بعيدا عن مصطلح دول العالم الأول والثاني والثالث
نحن البائسون العرب
لا نملك ما نخسره ، وكل ما نملكه تحت سيطرتكم أنتم ، نفطنا وغازنا وطغاتنا ومناهجنا التعليمية وموانئنا البحرية وأجهزتنا الإلكترونية الحديثة التي نشتمكم عبرها ونتهمكم بأنكم السبب الوحيد لكل هذا الفشل الذي نعيشه منذ عشرات السنين
إذا، لماذا نخاف الخسارة ما دمتم أنتم الرابحون دائما؟
نحن البائسون العرب…
نحيطكم علما بأننا ملتزمون بأوامركم حرفيا ولكن هناك أشياء من السخف أن نتقاسمها معكم في هذه الأوقات الاستثنائية كالخوف والجوع والحجر، فنحن لدينا مخزون فائض منهم يكفينا لسنين طويلة، لدينا فرص كثيرة للموت من حولنا ولهذا نحن على أتم الاستعداد له في أية لحظة، كما أن لدينا تاريخ حافل بالفيروسات البشرية التي أطاحت بأحلامنا وهيبة عروبتنا والكثير من قناعاتنا، فيروسات السلطة والعسكر
نحن البائسون العرب
نأكل أقل منكم، ننام أكثر منكم ، نصفق كثيرا ولهذا لا نكترث كثيرا للقفازات التي تحرصون على ارتدائها، وبينما تلهثون لانتزاع الحياة من قلب هذه الفاجعة، نموت نحن بكل الطرق المتاحة أخطأ الفيروس عندما هاجمنا معا، كان عليه أن يهاجم كلا منا على حدة، كل حسب قدراته وطاقته، نحن نملك طاقة كبيرة للتحمل بينما أنتم تملكون القرار ولهذا نحن لا نشبهكم.