تشظت الحكومة فطارت التعيينات..باسيل خسر الرهان!

حسان دياب جبران باسيل

المزايدة التي قام بها رئيس الحكومة حسان دياب في جلسة الخميس الوزارية في بعبدا عبر سحبه بند التعيينات تقع في خانة “تبرئة” ساحته من المحاصصة رغم ضلوعه فيها ومشاركته بعضوين سنيين في حاكمية المصرف المركزي واسواق المال في الشكل، لكنها في المضمون انقاذ للحكومة وتنفيذاً لرغبة “حزب الله” في انقاذها بعد تشظيها بفعل تهديد الوزير السابق سليمان فرنجية بالخروج منها اذا لم يمنح حصته بتعيينين وفق مصادر متابعة. وبذلك ايضاً خسر النائب جبران باسيل الرهان على سطوة مسيحية على الحكومة وفقدان التأييد الحصري من “حزب الله” بتبنيه فكرة ان “المردة” هي القوة المسيحية الثانية الرافعة للحكومة.

الجميع متورطون

وفي السياسة، سُحب فتيل التعيينات المالية، ولكن من دون ان يُطفئ حقيقة شراكة اهل السلطة فيها، فكلهم في ذات المركب، وإن فضّل بعضهم النزول منه في آخر لحظة، بطريقة مسرحيّة، لا تنفي شراكته في هذه المحاصصة، وانّه اقدم بكل قناعة واندفاع على تسمية مجموعة من الأسماء المحسوبة عليه، قبل أن تفرط هذه المسرحية.

طارت كل التعيينات

واذا كانت التعيينات المالية قد سُحبت، تجنباً لحريق كان يقترب من الحكومة عبر سلسلة استقالات وزارية كانت مُعدّة مسبقاً، فإنّ هذا الملف رُكِن على الرفّ، أقلّه لستة اشهر، على ما يؤكّد لـ”الجمهورية” مرجع سياسي، الذي قال: “انّ ما احاط التعيينات المالية من اختلافات و”منتعات” وشهوات غريبة، خلّف ضحايا في مكان آخر، على صعيد الحكومة وهيبتها التي تشظّت، او على مستوى ملف التعيينات الاخرى في سائر المراكز الشاغرة، والتي بدورها ستبقى في هذا الوضع الشاذ الى ما شاء الله، والفضل في ذلك الى من يصرّ على ان يأكل البيضة وقشرتها”.

ماذا عن الحكومة؟

ما حصل على ضفّة التعيينات الماليّة، كشف اللثام عن الواقع الحكومي الهشّ؛ واكّد انّ الحكومة لم تُبنَ من الاساس على صخر، بل على رمال متحرّكة تتأرجح بين هبّة باردة وهبّة ساخنة، خصوصا بين أطراف المثلث الحاضن للحكومة. ويبرز في هذا السياق، التوصيف الذي اطلقته مصادر اشتراكية على حال الحكومة، حيث قالت : “الحكومة اشبه ما تكون ببطة عرجاء. والتجربة معها من الاساس اثبتت فشل اللجوء الى حكومة تكنوقراط”.

إشتباك المثلث

وتبعاً لذلك، قالت مصادر سياسية مطلعة على خفايا العلاقة بين اطراف المثلث الحاضن للحكومة: “إنّ التعايش بين اطرافه، حاصل بالإكراه، ونتيجته انّ الحكومة ستبقى تغلي من جهة، على نار اتهامها بالعجز والتقصير، ومن جهة ثانية، سيزيد غليانها على النار السياسية المشتعلة بين مكوناتها، وها هي العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”المردة” في ذروة توترها، وفي الوقت نفسه، تتزايد نذر التوتر على خط الرئاستين الأولى والثانية، ومن خلالهما بين “التيار” وحركة “امل”، والشرارات بدأت تظهر في مقالات عنيفة متبادلة بين الطرفين”.

إقرأ أيضاً: سيناريو متكامل..الـ«كابيتال كونترول» طار من مجلس النواب وحَطّ في «المركزي»!

وخالفت المصادر القائلين إنّ وضع الحكومة صلب، وقالت: “رغم التأكيدات العلنيّة من المثلث الحاضن للحكومة، بأنّ الاشكالات لن تؤثر على استمراريتها، فإنّ العلاقات المهترئة بين مكوناتها، ولعبة تقاذف المسؤوليّة، قد يصبح معها التوتر بلا حدود، وتضع الحكومة فوق برميل بنزين، عرضة للاشتعال والسقوط في أيّ لحظة”.

كيف طارت التعيينات؟

وادرجت التعيينات المالية في خانة الاولوية لإتمامها منذ بداية الشهر الماضي، باعتبار انّها الأكثر الحاحاً في هذه المرحلة، وأُوكل الى وزير المال إعداد لائحة بمن تتوافر فيهم المواصفات المطلوبة. وأعدّ هذه اللائحة بعد مشاورات مع كل الاطراف، علماً انّ الاسراع في اتمام هذه التعيينات كان محل تفاهم في اللقاء الاخير الذي عُقد بين رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة.

وبحسب المعلومات، فإنّ هذه التعيينات، كانت تسير بطريقة سلسة منذ البداية، من دون ان تبرز حيالها أيّ اعتراضات او تحفّظات من اي طرف داخل الحكومة، بل على العكس كان هناك دفع في اتجاه إقرارها سريعاً. غير انّ الاعتراضات عليها بدأت من خارج الحكومة، من الرئيس سعد الحريري، الذي كان مصراً على إعادة تعيين النائب الثالث السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، ومن رؤساء الحكومات السابقين، اضافة الى اعتراضات علنية صدرت عن رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” الدكتور سمير جعجع وبعض اطراف المعارضة.

وتشير المعلومات، انّه على الرغم من هذه الاعتراضات، فإنّ التوجّه لدى الحكومة ظلّ ثابتاً في اتجاه اقرارها، على قاعدة انّ من حق المعارضين ان يُبدوا اعتراضاتهم، وايضاً من حق الحكومة ان تقوم بواجباتها، الاّ انّ هذه التعيينات تعقّدت المرة الاولى مع الإعتراض الأول الذي اطلقه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، حينما شعر أنّه مستبعد نهائياً من هذه التعيينات وأنّ فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و”التيار الوطني الحر” سيستأثر بها.

موقف فرنجية

وبحسب المعلومات، انّ تلويح الوزير فرنجية بالاستقالة من الحكومة، لقي تفهماً من حلفائه الذين اكّدوا أنّ من حقه ان يُحسب حسابه في هذه التعيينات، باعتبار تيار “المردة” شريكاً اساسياً في الحكومة، وأنّه القوّة المسيحيّة الثانية، التي تشكّل أحد الأعمدة الأساسية التي ترتكز عليها الحكومة، وبالتالي لا يجوز تجاوزه.

وجاء موقف الرئيس نبيه بري و”حزب الله” مؤيّداً لموقف فرنجية. واعقب ذلك سلسلة اتصالات بين الثنائي الشيعي، وبين الثنائي ورئيس الحكومة، وكذلك بين “حزب الله” و”التيار الوطني”، أفضت عن تخلّي “التيار” عن “موظف” واحد لفرنجية.

وتشير المعلومات، انّ هذا الامر لم يتوقف عند هذا الحد، اذ برزت تحفظات على النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان المخصّص للدروز، ودار تجاذب عمّا اذا كان سيُسند لمرشح النائب طلال ارسلان، او رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومن دون ان يُحسم الاختيار بشكل نهائي، فيما عادت الامور الى نقطة التوتر الشديد قبل يومين من الموعد المحدد لجلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، حينما رفض فرنجية التسليم بالحصّة الاحادية له، وأصرّ على اثنين، وخصوصاً انّ الحصة المقابلة للتيار الوطني هي 6 من أصل 7، رافضاً بالتالي “المنطق الفوقي الذي يعتمده “التيار الوطني” في هذا المجال”.

استنفار سياسي

وتلفت المعلومات، انّ الساعات السابقة لانعقاد جلسة الخميس، شهدت استنفاراً سياسياً على خطوط عدة في محاولة لفك هذه العقدة، خصوصاً انّ فرنجية ابلغ حلفاءه بشكل رسمي انّه ثابت على موقفه بالحصول على اثنين من الحصّة المسيحيّة، وانّه يصرّ على حسم هذه الحصة سلفاً، إذ انّه كان يخشى من ان يتعرّض الى كمين في التصويت، وانّ تيار “المردة” بصدد الخروج من الحكومة في حال لم يُؤخذ بمطلبه، وفي حال رُهن حسم هذا الامر، الى التصويت، وبالتالي فإنّ استقالة وزيريه جاهزة.

وتشير المعلومات، انّ الثنائي الشيعي، وإن كان لا يحبّذ تلويح فرنجية بالاستقالة، الا انّه تفهَّم مطلبه، والرئيس بري كان واضحاً في تأييده زيادة حصّة فرنجية. وعلى اساس هذا التفهّم، تشير المعلومات، انّه تجدّدت حركة الاتصالات على محاور عدة، عين التينة، بنشعي، السراي الحكومي، “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، الاّ انّها اصطدمت بتصلّب رئيس “التيار” النائب جبران باسيل ورفضه القبول بمطلب فرنجية، فضلاً عن انّ اجابات التيار عكست إصراراً على احترام الأحجام، باعتبارها هي وحدها التي تحدّد حصّة كل طرف.

وتقول المعلومات، انّ اتصالات ليل الاربعاء انتهت عند هذا الحد، وبناء على موقف باسيل، ابلغ فرنجية حلفاءه ان وزيريه لن يشاركا في جلسة مجلس الوزراء، وهي خطوة اولى على طريق الخروج من الحكومة، حيث اكّدت المعلومات، انّه لو تمّت التعيينات في تلك الجلسة، فإنّ وزيري تيار “المردة” كانا سيعلنان استقالتهما على الفور.

هذه الأجواء، أربكت المثلث الضامن للحكومة، وخصوصاً بعد الشعور الذي تملكّ اضلاعه كافة، بأنّ استقالة فرنجية، وإن كانت بحدّ ذاتها لا تؤثر على الحكومة، الّا انّها تشكّل صدمة عنيفة لها، فضلاً عن ان بعض اضلاع هذا المثلث عبّر عن الخشية من أنّ شبح تطيير الحكومة بدأ يحوم حولها. وبحسب المعلومات، فإنّ هذه الصورة، كانت واضحة في السراي الحكومي، كما في عين التينة، وكذلك في القصر الجمهوري، حيث كانت الهواتف مفتوحة بين القصر والسراي، ومن هنا كان المخرج “المتوافق عليه”، الذي أعلنه رئيس الحكومة حسان دياب في جلسة الخميس، وبناء عليه سَحب التعيينات المالية من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، واعداً بنقلة نوعية في هذه التعيينات على اساس الكفاءة والجدارة، وبعيداً من اي محاصصة أو محسوبية.

رِبحان

وفي تقييم ما حصل، سجّلت مصادر وزارية معنية بهذا الملف، الملاحظات التالية:

– بعيداً عن منطق المحاصصة واخواتها، فإنّ الخسارة الكبرى هي في إبقاء المراكز المالية شاغرة حتى الآن، وهذا ما ينبغي ان يلتفت اليه أولياء أمر الحكومة، ويضعونه على نار حامية، وخارج أي بازار.
– ترحيب المعارضة بفرط التعيينات المالية، وخصوصاً المعارضة التي برزت على خط “تيار المستقبل” ورؤساء الحكومات السابقين، لا يعني انها حققت ربحاً او سجّلت نقطة على الحكومة، بعدم حصول تعيينات خلافاً لمصلحتها، لأنّ التعيينات الحيادية التي ستتبعها، ولو بعد وقت غير محدد، لن تأتي بالتأكيد على النحو الذي تُطالب به، لجهة الحفاظ على موظّفين عَيّنتهم الحكومات السابقة خارج مبدأ الكفاءة والجدارة.
– إنّ سحب ملف التعيينات من مجلس الوزراء تحت عنوان رفض المحاصصة، وبمعزل عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا السحب، يشكّل ربحاً للحكومة، الّا انّ هذا الربح لا يعتبر كاملاً، خصوصاً انّ بعض الحكومة استفاق متأخراً على التنصّل من المحاصصة، وبعض آخر بدأ بالمزايدة بعدما تمّ سحبها، فيما انهم أنفسهم كانوا يغضّون النظر عن المحاصصة، حينما أدرجت هذه التعيينات في جدول اعمال مجلس الوزراء لأوّل مرة.
– هناك ربحان أكيدان تحققا. الأول، إحباط مبدأ المحاصصة والمحسوبية، ووضع هذه التعيينات على طريق اعتماد الية الكفاءة. والثاني، منع استئثار فريق سياسي بعينه بالحصة الأكبر من هذه التعيينات، والمقصود هنا “التيار الوطني”، ما يعني انّ التعيينات تأجّلت، لكن الذي تعطّل فعلاً هو المحاصصة والاستئثار فيها.

جابر
وقال النائب ياسين جابر: مع ترحيبنا بموقف رئيس الحكومة في ما خَصّ سحب التعيينات رفضاً للمحاصصة، الّا اننا نتمنى أن يصمد عليه، والذهاب الى وضع آليّة للتعيين يتم من خلالها اختيار الاكثر كفاءة. ولو انّ هذا الامر حصل من البداية لَما كان وضع التعيينات المالية وصل الى التعطيل والتأخير. ولفتَ جابر الى انّ الضرورة باتت توجِب الاسراع في وضع التعيينات المالية في أقرب وقت، ولكن من دون تسرّع، خصوصاً انّ كل تأخير فيها يُرخي مزيداً من السلبية على القطاع المالي. فالمجلس المركزي لمصرف لبنان غير قادر على الاجتماع واتخاذ القرار لعدم توفّر نصاب الانعقاد، لعدم وجود نواب الحاكم، وكذلك الأمر بالنسبة الى لجنة الرقابة على المصارف التي أصبحت غير موجودة بعد انتهاء ولايتها قبل ايام.

وأضاف: ما يوجب التعجيل بهذه التعيينات، هو اننا قادمون على أمر بالغ الاهمية، يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ومعالجة موضوع ودائع المواطنين، وفي غياب المجلس المركزي لمصرف لبنان وغياب لجنة الرقابة على المصارف، يعني انّ الجهاز المالي في البلد بات مشلولاً، وفي هذه الحالة كيف ستتخذ قرارات للتنظيم والمعالجة وإعادة الهيكلة؟. وقال: إنّ كل تأخير في التعيينات المالية على اساس الكفاءة، من شأنه أن يعيق عملية الاصلاح المالي وموضوع اعادة هيكلة القطاع المصرفي وكذلك وضع الخطة المطلوبة لأجل إنقاذ ودائع اللبنانيين.

المستقبل

ولم تشأ أوساط قيادية في تيار “المستقبل” التعليق على سحب ملف التعيينات، بل انّها ذكّرت بأنّ تيار “المستقبل” ورئيسه سعد الحريري كان بصَدد اتخاذ خطوات اعتراضية عنيفة في ما لو جاءت التعيينات بالشكل الذي كانت ستصدر فيه، امّا وقد سحبت من التداول فلم يعد هناك من موجب لأيّ خطوات.

القوات

و قالت مصادر “القوات اللبنانية”، انه من المعيب والمخزي ان تُستعاد المشاهد نفسها التي كنّا نراها في الحكومات السابقة التي كان التذرّع بعجزها بوجود أفرقاء عدة في الحكومة من مآكل ومشارب مختلفة، وأمّا اليوم فلا نفهم مبرّر التعطيل الحاصل، خصوصاً انها حكومة 8 آذار بامتياز مع بعض الشخصيات المستقلة، وبالتالي على ماذا هم مختلفون؟

وأضافت المصادر: انّ ما جرى في هذه الحكومة منذ تشكيلها وحتى اللحظة يؤكد بما لا يقبل الجدل بأنّ فريق 8 آذار هو المسؤول بالدرجة الأولى عن كل ما وصلت إليه البلاد، وإذا كان هذا الفريق عاجزاً عن إقرار تعيينات وفق آلية عصرية فهل سيتمكن من إخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية؟

وجَزمت المصادر بأنّ الإنقاذ مع 8 آذار متعذّر ومستحيل، لأنّ أولوية هذا الفريق هي مصالحه ومكاسبه على حساب مصالح الدولة وأولويات الناس، وأصبح من المؤكد انه لا يمكن للوضع ان يستقيم في لبنان في ظل تَحكّم الأكثرية الحاكمة وهَيمنتها على القرار السياسي.

ونَوّهت المصادر بالموقف المعلن لرئيس الحكومة من إدانته منطق المحاصصة، إلى تشديده على ربط أي تعيينات مستقبلية بآلية رسمية تقرّ بقانون وتعتمد لمرة نهائية في كل التعيينات. ودَعت الرئيس دياب إلى الالتزام بما أعلن، لا التراجع عنه بحجّة اللحظة او الحاجة او الضغوط السياسية، فيما السؤال الذي لا إجابة عنه بعد لماذا وافقَ الرئيس دياب على وضع بند التعيينات على جدول أعمال مجلس الوزراء طالما انه ضد المحاصصة التي كانت حاصلة؟ واستطراداً لماذا لم يعبِّر عن موقفه قبل الجلسة؟

السابق
سيناريو متكامل..الـ«كابيتال كونترول» طار من مجلس النواب وحَطّ في «المركزي»!
التالي
هل خُدِعنا؟