
حيث كشف التحقيق الذي أعدته منظمة “غلوبال ويتنس” أن أقارب وشركاء لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، يخفون ملايين الدولارات في عقارات بموسكو، مشيراَ إلى أنه جرى تهريب تلك الأموال من داخل سورية إلى روسيا، ولا يستبعد علاقة شركات لبنانية في ذلك تزامناً مع كلام حاكم مصرف لبنان الأخير عن دور حركة الأموال السورية في التأثير على الوضع الاقتصادي في لبنان.

العائلة الأثرى في سوريا
وأوضح التحقيق أن عدة أفراد من عائلة مخلوف، التي كانت تعدُّ من قبْل أغنى عائلة في سورية، ولا تفوقها في السطوة أو النفوذ إلا عائلة الأسد، اشتروا ما لا تقل قيمته عن 40 مليون دولار أميركي من العقارات في ناطحتي سحاب موسكو في الحي المالي بالمدينة.
وأشار تحقيق المنظمة إلى أنه قبل بدء الثورة السورية، كانت التقديرات تشير إلى أن العائلة، التي تضم أقرب أولاد خال الأسد ومستشاريه، تتحكَّم في 60 بالمئة من الاقتصاد السوري، مضيفا أن جميع أفراد عائلة مخلوف تقريبًا معاقبون من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لمساعدتهم على تمويل نظام الأسد، أو لارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان.
إقرأ أيضاً: إجراءات ضد شركات رامي مخلوف وتحقيق مع 29 رجل أعمال سورياً
التحقيق أكد أن عقارات عائلة مخلوف في موسكو، التي جرى شراؤها بين 2013 و2019، تتكوَّن في الغالب من مساحات مكتبيَّة واقعة في الحي التجاري الراقي بموسكو، موضحاً أن أدلة تشير إلى أن بعض القروض التي تمّ الحصول عليها بضمان بعض العقارات يبدو مهيكلًا لحجب صلة عائلة مخلوف بالأموال الجاري تحريكها بين سورية وموسكو، وهو ما يفتح احتماليَّة أن الأموال، التي جعلها آل مخلوف تبدو كأن لا علاقة لها بهم، قابلة للنقل من روسيا إلى نطاق سلطات قانونية أخرى كالاتحاد الأوروبي، حيث يُعاقب بعض أفراد العائلة.
كما أوضح التحقيق أن بنك Sberbank الأكبر في روسيا، مارس أعمالًا مع واحدة على الأقل من شركات عائلة مخلوف الروسية التي اشترت بعض العقارات في موسكو. وشدد التحقيق على أن هذا البنك المملوك للدولة لديه حضور دولي، وعشرات العلاقات البنكية المتبادلة، وحسابات مقاصَّة باليورو والدولار الأميركي، محذراً من أن أعماله مع الشركات المرتبطة بعائلة مخلوف تمثِّل مخاطر التزام جسيمة على البنوك الأخرى المتعاملة معه.

محمد الأب وأبناؤه
وفي التفاصيل، أشارت “غلوبال ويتنس” إلى أن زعيم عائلة مخلوف هو محمد مخلوف، خال بشار الأسد الذي كان معروفًا على نطاق واسع بالعمل كمصرفي لعائلة الأسد، موضحة أن من بين أولاده الخمسة، رامي وحافظ وكندة والتوأمان إياد وإيهاب، اشترى أربعة مساحات مكتبيَّة في ناطحات سحاب موسكو، فيما اشترت زوجته وأخت زوجته عقارات في المبنى نفسه.
وشدد تحقيق المنظمة على أن الإخوة مخلوف الأربعة مرتبطون إما بتمويل النظام السوري وإما بانتهاكاته السافرة ضد الشعب السوري، مستحضرا تقارير سابقة أشارت إلى أن حافظ مخلوف، الذي اشترى أكبر عدد من العقارات في موسكو من بين أفراد العائلة جميعًا، كان عضوًا أساسيًّا في دائرة بشار الأسد الداخلية، وأحد العقول المدبِّرة الرئيسية للإجراءات القمعية الحكومية ضد المتظاهرين المنادين بالديمقراطية في 2011.
ودعت “غلوبال ويتنس” جميع المؤسسات المالية إلى أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع الأموال الملوثة كأموال عائلة مخلوف من دخول النظام الاقتصادي الدولي. وأدرج الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة محمد مخلوف على قائمة العقوبات، بسبب دوره في دعم قوات النظام وبعض مشروعات الإعمار، التي ربطت الدول الغربية المساهمة فيها بالحل السياسي.
إقرأ ايضاً: الأسد يقيل ابن خاله العميد حافظ مخلوف
وعمل محمد مخلوف كموظف حكومي سابق في مؤسسة التبغ والمصرف العقاري الحكومي، وعائلته تتكون من زوجته غادة مهنا وابنته كندة، وأبنائه رامي، مستشار وزارة الصناعة الذي أصبح أغنى رجل أعمال في سورية، وضابط الأمن حافظ، والنقيب في الجيش إياد، إضافة الى إيهاب، الضابط في جيش النظام.
وبدأت العقوبات تطاول عائلة مخلوف منذ عام 2008، حينما استهدفت وزارة الخزانة الأميركية رامي بالعقوبات ضد شركاته، واعتبر القرار أنّ مخلوف “من بين المستفيدين من الفساد الذي يحدث في سورية، وأن نفوذه واتصالاته مع النظام السوري وقربه منه قد كانت سبباً في احتكار بعض السلع الربحية” وأنّه: “تلاعب بالنظام القضائي السوري، واستخدم مسؤولي الاستخبارات السورية لترهيب منافسيه في الأعمال”.

لبنان «المعبر»
بالمقابل كشفت تقارير عن شركتين للتحويلات النقدية في لبنان وهما شركتي “نيلام” البحرية و “بريانا” البحرية المسجلتان تحت العنوان ذاته وبنفس اسم المدراء. تعمل “نيلام” على تقديم قروض لثلاث شركات روسية يمتلكها حافظ بين عامي 2016 و 2018 وهي “خيستيا، آرتيميس وبيلونا” وعملت هذه الشركات على شراء 11 شقة فاخرة في موسكو، وتعمل الشركات على إدارة الوساطة من قبل مخلوف في عام 2008 لصالح شركة “بريانا”.
وفي أول تعليق من موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إنه لا يعرف ما إذا كان أشخاص من دائرة الأسد قد قاموا بالفعل بشراء عقارات فاخرة في العاصمة الروسية موسكو، مؤكداً “لا نعرف، ويجب ألا نعرف ذلك، لأن روسيا لديها سوق حرة تماماً”.
إقرأ أيضاً: هل يقصم «اجتماع الشيراتون» ظهر نخبة «حرامية» نظام الأسد؟!
وقالت لينا الخطيب، من مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس” بلندن: “كانت روسيا ومنذ البداية تساعد نظام الأسد على تخريب العقوبات”، مضيفة أن موسكو “ترى نفسها الآن كضامن للدولة السورية وتعمل ما بوسعها، عسكريا أو سياسيا اقتصاديا للحفاظ على الدولة وجعلها في الوقت نفسه موالية لها”.
ومع أن حجم المشتريات صغير، فإنه يشير إلى حركة تجارية نامية بين روسيا وسوريا نشأت من خلال العلاقة العسكرية. وأكدت روسيا ان شركاتها ستجد فرصة للحصول على صفقات مربحة من المصادر السورية الطبيعية مثل الفوسفات والغاز والنفط بالإضافة إلى عمليات إعمار. وباعت سوريا أسلحة قيمتها بمليارات الدولارات.
وتشير عقارات مخلوف في موسكو إلى أن موسكو تتربح من رغبة النخبة الحاكمة في دمشق نقل أموالها إلى الخارج. وتأتي المشتريات بعد تأكيد الأسد سيطرته على البلاد مما يقترح أن هذه النخبة لا تزال تحتفظ بأوراقها.