حُبّاً ب”حزب الله” و”الضاحية”.. بعد ثلاثين سنة من طردكم الزعران والكفار ماذا تغير؟

قبل عشرة اعوام خلت ، نشرت مقالا بعنوان حبّا بحزب الله في جريدة النهار ،اشرت فيه الى بعض الدلالات غير السليمة في مسيرة حزب الله وأجد نفسي اليوم ملزماً ان اشير من جديد لمَ اعتقده خللاً في المسيرة وليس بالضرورة ان يكون الرأي صائباً بل مجرّد وجهة نظر.

من اهمّ ما يميّز “حزب الله” ليس دقّة تصويب سلاحه وليس حُسنُ المناورة السياسية، ولا انتصاراته الدنيوية والإلهية، بل اهمّ ما ميّز الحزب دائماً هو شخصية المنتمي إليه، تلك الشخصية الذهبية المؤمنة، الهادئة، الصامتة، الكتومة، الحذرة، المعطاءة، المضحّية، المهذبة، الخجولة، الشجاعة، الزاهدة، الرافضة لإغراءات وملذات الدنيا، الفقيرة الحال، المستمعة والقليلة الكلام، الناذرة نفسها للخير سرًّا، الصابرة على جرحها، الجبّارة عند الشدائد، المطيعة بصرامة للأوامر، المثقفة المنفتحة، المستحيل اختراقها فكريا، المحصّنة نفسياً، الهازئة بالموت والطامحة للشهادة.

اين نحن اليوم من هذه الشخصية؟ لماذا غدونا نسمع عبارة الترحُم على الزمن الجميل لإبن “حزب الله”؟

خللٌ ما أصاب المناعة النفسية لشخصية المؤمن الطيب.

ما شاهدناه وما نسمعه مؤخراً ومنذ عدة سنوات، منذ إفلاس السيّد صلاح عزالدين وانفضاح اسماء ضحاياه، مروراً بإلقاء القبض على كوادر عسكرية حزبية من عملاء مأجورين للموساد، وللمخابرات الأميركية، مروراً بالتجربة غير المثمرة لكوادر الحزب في العمل البلدي والشبيهة بتجربة الآخرين، ومروراً بتجربة الكوادر في المستشفيات والمؤسسات الخدماتية التابعة للحزب، التي تُعنى فقط بخاصة الحزب من اعضائه، ولا تختلف عن المسشفيات والمؤسسات اللبنانية الأخرى بشيء، بما خصّ غير الحزبيين، من حيث التكلفةالمالية، اللّهم باستثناء وضع القرآن الكريم في غرفة المريض وسماع الكثير من عبارات “ان شاء لله والحمدلله يا حاج”، وصولاً لما تمّ تداوله مؤخراً من سباب وشتائم وتضارب، بين إبن مرجعية دينية ونائب كادر في البرلمان اللبناني.

من المفترض ان تكون الضاحية الجنوبية، معقل الحزب تاريخياً، وبعد ثلاثين عاماً من إبعاد حركة امل غير المنضبطة “اخلاقياً” و ابعاد الحزب الشيوعي “الكافر”، من المفترض ان تكون مثالاً يُحتذى في الانضباط والتهذيب والامان، والايمان، والخدمات، والمحبة، والنظافة، والتنظيم، طالما الثقافة العامة المسيطرة هناك، ثقافة الاسلام و أمانة الثَقلين، بينما الواقع يشير ان ما من شيعي بلغت ثروته ثمن شقة في بيروت، إلاّ وباع منزله في الضاحية وتوجه الى بئر حسن، وبيروت، هربا من الفوضى والزعرنات والتشبيح والقبضايات!

الا يعني ذلك، انه ما عاد في هذه المنطقة من تاثير لسحر شخصية ابن “حزب الله” على الناس، وان هذه الشخصية خسرت من هيبتها الكثير، واصبحت شبيهة بشخصيات عادية، لا تنفع معها لحية ولا مسبحة ولا طبعة سجود عند الجبين؟
ادوات الايمان تلك تحولت لادوات و”عدّة شغل”.
من المسؤول عن تراجع هيبة واحترام رجل الدين المعمم؟

ليست التجارة ولا السلطة، ولا جمع المال بعيبٍ او حرام، انما الناس تتهامس وتتحدث: من أين للأخ فلان في الحزب كلّ هذا؟ من هو “الحاج” ملك التنباك؟
او من اين لأخ ولإبن فلان هذا البيت وهذا الرانج؟ من اين لفلان المال ليعلم اولاده في الجامعة الاميركية الفاحشة الاقساط!
في الزمن الجميل، إن غاب عن ناظريك ابن “حزب الله” تتجه الى المسجد لتلقاه ساجداً وقارئاً للقرآن، اليوم وبعد تهالك حركة امل وانسحاب الشيوعيين منهزمين الى بيوتهم، خلَت المساجد من المؤمنين والمصلّين فأيّ صدفة هذه؟

قبل عشر سنوات، كتبنا بضرورة ان تكون كل المقاومة سرّية وليس فقط المقاومة الاسلامية التي لسرّيتها المحكمة ما زال حبها واحترامها عظيماً.

قبل عشرة اعوام كنّا اوّل من كتب وحذّر اننا نخاف ان نصل الى يوم يميز فيه المرء بين حزب الله المدني، والمقاومةالاسلامية المباركة، واليوم نخاف ان نصل الى يوم يميز فيه المرء بين المقاومة الاسلامية المباركة والمنصورة وبين شخصية القائد الحبيب على قلوبنا ورِهاننا الاخير السيّد حسن نصرلله وبين حزب الله!.

سيمتعظ الكثيرون من كلامنا هذا، لا بأس في ذلك، فالانزعاج والتوتر جيّدان ومفيدان للصحة احيانا، طالما انه في كل الاحوال يُشعرنا البعض اننا من المغضوب عليهم والضّالين، وانهم من حراس الجنّة والدين، ونعرف مسبقا ان ثمننا في اعزّ الاحوال لا يتجاوز ثمن رصاصة.

حذاري حذاري من تسلل العنجهيه الى شخصية المؤمن المنتصر، وحذاري من تسلل المال (الحرام) الى الجيوب، ومن تسلل سحر السلطة الى الدماغ، وحذاري من الابتعاد عن صلاة الفجر في المساجد، العودة الى السرّية تحمي المقاومة وتحصن الشخصية من اغراءات وملذات الدنيا.

قوة المناعة النفسية في الايمان والتواضع والصراحة، وليس عبر التذاكي والتعالي والافتراء، وفي تنفير الناس وابعادهم أو رفضهم من دون مبرر معلن و واضح وجريء، اما الذهاب نحو حجة “الشؤون” اي الامن، فللآخرين أيضاً كرامات، .
ما نفع تحرير الأرض ان لم يحرّر الانسان …

السابق
الحرس الثوري الإيراني يؤكد احتجاز ناقلة نفط بريطانية
التالي
أسرار الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 20 تموز 2019