
جمهورية أسلاك الكهرباء هو حال العديد من القرى هذه الايام ، التي تحولت سماؤها إلى “أسلاك” تهدد حياة اهلها، فأصحاب الإشتراكات لم يتركوا عامود كهرباء إلا وتعدوا عليه بشبكاتهم وأسلاكهم التي تشبه ” أخطبوط” يلتف حول رقبة ” القرى” معلنا بداية ” الموت” البطيئ.
تجاوزت الإشتراكات الكهربائية “الدولة” بل باتت ” أقوى من الدولة، أصحابها ” قبضايات” يفرضون خواتهم على مواطن يقبل على مضض الحال فلم يعد قادرا على “العيش بلا كهرباء” وربما نسي حضور كهرباء الدولة الأمر الذي أعطى أصحاب الإشتراكات ” بطاقة اقطاعية، سلطانها التسلط واذلال الناس بإسم ” عم نأمن لكم الكهرباء”.
اقرأ أيضاً: مولدات كهرباء دير الزهراني عائلية… ومطالبات بتسليمها للبلدية
نماذج من القرى
كل قرية في منطقة النبطية لها سلطة ذاتية في إدارة إشتراكات الكهرباء، وقليلة هي البلديات التي وضعت اليد على هذا القطاع بحسب رئيس بلدية جبشيت محمد فحص الذي قام بإجراء دراسة حول هذا الملف فخرج بخلاصة أن البلدية لا تربح فالأفضل أن يبقى قطاع الكهرباء بيد اصحاب الاشتراكات ولكن مع مراقبة البلدية لمنع التلاعب في الفواتير، هذه الفواتير التي هدّت كيان مواطن لم يعد قادرا على دفع ” الفاتورة” التي تتفاوت بين بلدة واخرى حسب ” مزاجية ” صاحب الإشتراك. فحبوش مثلا وصلت الـ 5 أمبير الى 110 ألاف ليرة وحالها حال زوطر الغربية التي تشهد حالة صخب وإرتياب جراء الفاتورة المرتفعة للإشتراك الذي يسرح أصحابه بلا حسيب ولا رقيب.. هذا الحال يختلف عن بلدة كفررمان الذي تشهد منافسة شديدة إنعكست الى حد ما لصالح المواطن لجهة التنافس في الأسعار حتى وصل الـ5 أمبير في بعض الأشهر الى 50 ألف ليرة لبنانية قبل أن يتكاتف أصحاب الإشتراك معا لرفع السعر على حساب المواطن فوصل الـ5 امبير الى 85 ألف ليرة لبنانية قبل أن يدخل العداد الى سوق المنافسة الحرة .
من يضبط هذا القطاع ومن يتحكم بمساره، وهل يتجه نحو تشريعه ليصبح أمرا واقعا؟ والى متى سيبقى المواطن يدفع فواتير كهرباء مضاعفة ؟ أسئلة تفضح واقعا مأزوما والكهرباء إحدى قنوات أزمته، لم تستطع أي بلدية ضبط أو لجم هذا القطاع أو تدويله بل بقي فراعنة الإشتراكات على حالهم، في كفررمان يوجد أربع إشتراكات تتنافس فيما بينها ، حاولت البلدية في الكثير من المرات أن تلعب دور الحكم لصالح المواطن ولكنها فشلت في الحد الادنى وإن نجحت في ضبط الأسعار وعدم رفعها لكن الخمسة أمبير ارتفعت خلال الشهرين الماضية الى حدود الـ110 المقطوعة بحجة غياب الرقابة ولجوء النسبة الأكبر من المواطنيين الى ” العداد” الذي يعتبره غالبية أصحاب الإشتراكات ” حجر عثرة أمام تحقيق المزيد من المكاسب الخيالية ومع ذلك يدعي البعض أنهم ” يخسرون”، إلا أنها فشلت في الرقابة على الية عمل هذه الأشتراكات ومنع تمديد الاسلاك على أعمدة الكهرباء التي لم تعد قادرة على التحمل وباتت تهدد حياة الناس والمارة ورغم مناشدة الأهالي إلا أن شيئاً لم يتغير، فقط وعوداً في الهواء.
مافيات سياسية
يعتبر قطاع اشتراكات الكهرباء واحداً من أكثر القطاعات “فساداً” في لبنان، إذْ لا رقابة ولا حساب ، فكل واحد يتصرف ” ع مزاجه”، ناهيك عن تحويلهم الشوارع إلى “مغارة أسلاك” لم تعد معها الأعمدة قادرة على التحمل ، بل يصفه أحدهم بأنه ” مافيات ستشرع قريبا”.

يقول علي أن ” أصحاب الاشتراكات يتلاعبون حتما بالعدادات، وحتى أيضا بالأمبيرات ، فالـ5 أمبير تصل 3 أمبير الى المنازل ومع ذلك يتقاضون عن الـ5 أمبير وكذلك الحال بالنسبة للـ10 ، دون أن نغفل أيضا عن الإشتراك الشهري والتامين الذي يتقاضونه إضافة الى رسوم تغيير الديجنتير الى العداد فهي على حساب المواطن المعتر ، والمضحك أنك حين تواجهم يقابلونك بكلمة “هيدا الواقع”.
يذهب أبو محمود الى حد القول ان “اشتراكات الكهرباء مافيات سياسية ، فكل صاحب مولد خلفه زعيم سياسي، وهو الذي يحرص أن يبقى الواقع على ما هو عليه، ولكنه يذهب ابعد من ذلك الى التساؤل من أين يأتون بالمازوت؟ أليس هناك من الزهراني تهريب في مكان ما فيحرموننا الكهرباء لأجل الإشتراكات، اليس هذا بحد ذاته فسادا ويجب فتح هذا الملف، فهؤلاء حققوا الملايين على حساب المواطن، لم نعد قادرين على تحمل عبء الفواتير التي لا تنته”.
شكل ملف الكهرباء واحداً من أكثر الملفات جدلا، جاء العداد ربما لتنظيمه وشرعنته بطريقة” السلطة، وممنوع التعدي عليه”.
اقرأ أيضاً: بلدية النبطية استملكت 75% من المولدات الكهربائية.. فانخفضت الفواتير
يتسلط أصحاب الإشتراكات وفق فدوى (سيدة عاملة) على الفقراء فيما يأخذ الزعماء الكهرباء مجانا وكذلك زعماء البلدة، وهم الذي يدافعون عنهم في أي مواجهة. باتت تثير فاتورة الاشتراكات حفيظة المواطن نفسه الذي يكظم غيظه ولا يملك قدرة على المواجهة لغياب الإتحاد الشعبي، تقر فدوى التي تسأل من يضمن أن العداد لا يتلاعبون به؟ هل يتم مراقبة العداد من قبل المسؤولين والمعنيين ؟ أسئلة لا تجد جوابا شافيا فكل صاحب إشتراك فاتح ع حسابو. تردف قائلة.
ولا تتوانى إم محمد عن التذمر من ضجيج الموترات ومن التلوث البيئي الذي يصاحبها، فكل صاحب إشتراك يضع مولداته بطريقة عشوائية غير منظمة تبعث بدخانها المتصاعد في الهواء الذي يحدث تلوثا بيئيا وصوتيا كل ذلك ولا من يسأل؟
يقول المثل الشعبي “اذا ما حدا ضبني رح اعمل شو ما بدني” هذا حال واقع أصحاب المولدات التي جعلت من أصحابها “زعماء” لا يقلون أهمية عن “نواب المنطقة” فسلطتهم باتت أكبر، على حساب صحة وجيبة المواطن، فهل سيأتي يوم وتعود الكهرباء العامة؟
(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 171 ربيع 2019)