
أين هو هذا الكيلومتر المربّع؟ هل هو شارع الحمرا؟ الجواب: لا! هل هو حَرَمُ جامعةٍ ما؟ الجواب: لا! هل هو قاعةٌ في فندقٍ ما؟ الجواب: نعم، بشرطِ أنْ يتوافقَ الأطرافُ المتخالفون سلفاً على اللقاءِ وموضوعه… أي أنّ الجواب: لا! مع ذلك، يجرؤ القادمُ من البَتْرون، المعرّضُ، على الأرْجَحِ، لإنكارِ حقّه في التجوّل السياسيّ الحرّ بين قرى قضائها، على افتراضِ هذه الحرّيّةِ لنفسه في قضاء عاليه… ويَجْرؤُ القادمُ من حارةِ حريك على الدفاع عن حرّيةِ التعبيرِ في كفرمتّى وكأنّ التبشيرَ السياسيَّ الحرَّ قائمٌ قاعدٌ في حارَتِه!
اقرأ أيضاً: …صدمات نفسية عالمية، ما بعد الخيبة…
قَبْلَ ذِكْرِ الدستورِ والقانونِ وما يكفلانِهِ من حقوقٍ، تفضّلوا علينا بوَقْفِ هذا الكذب! باتَ يجب الاعتراف بأنّ ما بقي من الفضاء العموميّ لم يبقَ له من موضعٍ عندنا سوى… الفضاء. هذا المتبقّي موضعُهُ في بعضِ الإعلامِ وفي الفيسبوك وتويتر على علّاتِ هذه المواضع. موضعُ الحرّيةِ الباقي هو الأثيرُ حصراً بَعْدَ أنْ لم يبقَ لها موطئُ قدمٍ على هذه الأرض. الحرّيةُ لم يَبْقَ لها أرضٌ من هذه الأرض. ومعنى رحيلِ العموميِّ برمّتِه إلى الافتراضيِّ أنَّ البلادَ نفْسَها، بما هي وَحْدةٌ، قد أصْبَحَتْ فَرْضِيّةً… فَرْضِيّةً قد تُديمُها إداراتٌ ومعامَلاتٌ، ولكن لا تُتَرْجِمها الأرضُ الواحدةُ ولا الشرعُ النافذ ولا تَتَعَهّدُها السياسة.
هذه طريقةٌ في وجودِ البلادِ والدولةِ يصعب أن تَدُومَ طويلاً. وهذا مع العِلْم أنّ طوفانَ القذارة أو إفلاسَ الدولة قد يطغى، في غضونِ أسابيعَ أو شهورٍ، على المواجهاتِ التي تَزْعُمُ للأرضِ اللبنانيّةِ وَحْدةً لا حقيقةَ لها على الأرض! وأمّا الآن فيُسْتَحْسنُ، يا صاحِ، أن لا تَطْلُبَ لنفسِكَ في مَحْمِيّةِ غيرك (أكانت الحَدَت أمْ كفرمتّى!) ما لا تَرْضاهُ من أحدٍ في مَحْمِيّتِك! وإلّا فَلْنَطْرَحْ مصائرَ المَحْمِيّاتِ كلِّها للبحث! لبحثٍ نَصِفُهُ ب”الوطنيّ”! ولنجعلْ من يَوْمِ إلغائها الفِعْلِيّ عيداً وطنيّاً بديلاً من عيد الاستقلال! فإنّ هذه المحميّاتِ كانت وما تَزالُ، بمعنىً من معانيها، محميًاتٍ لدُوَلٍ أخْرى.