كانت الساعة الثامنة صباحاً تقريباً عندما دخل اخي الي الشقة التي لجأنا إليها فترة الاجتياح في منطقة المنارة والملاصقة لمجال الجامعة الأمريكية في بيروت على الخط البحري لعلمنا أنّها محيدة من قبل جيش العدو وليست ضمن أهدافه كما منزلنا الأساسي في منطقة الكولا المعروفة بكثرة مراكز منظمة التحرير فيها والأحزاب الوطنية كالمرابطون والتي كانت ضمن الأهداف والمعتبرة من المخربين المصطلح الذي كان مستخدماً للمقاومين حينها من قبل الاحتلال دخل علينا وبيده بعض الجرائد وعلامات الذهول على وجهه فالتقطت “السفير” وفتحتها وهبت عواصف التساؤلات في بالي.
ربما لم اصل الى اجوبة محددة في ذلك العمر الصغير لكنني اجزم أن رائحة الدم كانت تفوح من الجريدة في ذلك الصباح
بعد أكثر من يوم على بداية المجزرة ظهرت بعض الصور ولم يكن عدد الشهداء محسوماً بعد ولم يكن العقل بعد صدق ما سمع وما رأى من صور في الصحف لكن شئ ما في داخلي اختل بشكل عنيف عندما شعرت ببساطة وسهولة ارتكاب المجرم للجريمة واعين العالم غافية والطامة الاكبر كانت عندما ابلغنا احد الجيران في بيتنا الاساسي ان امرأة عجوزا مرت من قربنا وكانت ثيابها ملطخة بالدم وقالت ان القتل في المخيمين يدور بلا رحمة من اكثر من عشرين ساعة وما كان من الناس الا ان ظنوا انها ربما تهذي او ربما ما تقوله غير صحيح بسبب شيخوختها وتخيلت حالة الاستنجاد وكيف كان شعورها عندما تركت وحدها ولم يدقها احد ومضت في طريقها من جديد بإتجاه المخيم!
إقرأ أيضاً: لنصرخ ضحايا صبرا وشاتيلا: آلاف الشهداء نحروا بصمت!
تركنا الجرائد وقررنا العدوة الى منزلنا في منطقة الاستهداف في الكولا ولشدة خطورة المنطقة فضلنا الذهاب صباحا للاطمئنان على البيت والعودة الى المنارة ليلا في ذلك الوقت لم يكن من السهل التنقل من المنارة الى الطريق الجديدة فهذه الكيلومترات القليلة كانت تعد مخاطرة كبرى لكننا وصلنا لنجد ان الرعب لم يكن ساكننا وحدنا من خلال الصحف وانما ربما حتى القطط حول المنطقة كانت في حالة ذهول ليس من الاجتياح وما سبقه من تدمير ودمار كبير في المنطقة وانما من فكرة “المجزرة”
لم اجد اجوبة حول فكرة ان تقدم مجموعة ما على قتل اكثر من ثلاثة آلاف انسان اكثر عجز واطفال ونساء ولم اتمكن من فهم كمية الاجرام التي تسكن عقول هؤلاء والانكى ان منهم من مازال يتبجح بالحرية والسيادة واي حرية وسيادة وقد كنت تعمل تحت امرة ارييل شارون ومن جهة اخرى حجم بؤس العرب!
إقرأ أيضاً: مجازر صبرا وشاتيلا: هكذا قُتل الأبرياء قبل 35 عاما!
يومها لم يكن هناك مجال لشيء غير رائحة الخوف والموت والبارود..و..الخضار العفنة التى ملأت الشوارع في كل بيروت!
كم كان يوماً عصيباً….آلآف الشهداء جراء المجزرة ورعب يأكل الناس وحتى الجدران واطفال يحاولون فهم ما امكن من حقائق قذرة مرة
وانا…فقدت الشعور بالخوف
وعشنا بعدها حروبا اخرى مختلفة ملونة في كل الاتجاهات وكانت تدور في ذات المناطق التي اعيش فيها وكنت العب دور المتفرج فالشعور بالخوف قضت عليه فكرة المجزرة الفكرة المستمرة بألف شكل ولون وطريقة وليس على الفلسطينيين وحدهم
دققوا جيداً
انتبهوا
كلنا ندور في دوامة المجزرة
والمجرم حُر