أوراق النفوذ الإيراني تتهاوى في بازار ترامب

كيف تتحول أوراق القوة لإيران في سوريا وعلى حدود اسرائيل وفي اليمن إلى اوراق فاقدة لقيمتها الشرائية أو السياسية، الحشد السني في الرياض كشف هشاشة الدور الروسي، فما بالك بالنفوذ الإيراني الذي يتلطى بسيد الكرملين؟

لعلّ الرسالة الأهم بعد رسالة تحذير إيران من العزل، هي الرسالة التي حملها الرئيس الأميركي إلى اسرائيل، من القمم الثلاث التي شهدتها الرياض في اليومين الماضيين، فالتحشيد الإسلامي الذي قامت به السعودية فجمعت أكثر من 40 دولة عربية وإسلامية في قمة غير مسبوقة مع الرئيس الأميركي، أظهرت من خلالها زخماً استثنائياً لخيار التسوية مع اسرائيل. زخم يتجاوز ذلك الذي خرجت به القمة العربية في بيروت عام 2000 من خلال مبادرة السلام العربية. ترامب الذي حمل في زيارته الى اسرائيل هذه الورقة، التي تمثل العمق الإسلامي السني الذي يبدي جهوزية أكثر من أيّ وقت مضى لعقد صفقة مع اسرائيل.

التحشيد الإسلامي هذا والذي أظهر أنّ الجبهة السنية بمكوناتها الوطنية والاقليمية، هي في المقلب الآخر من إيران، ومتجهة إلى التسوية مع اسرائيل. ويترافق هذا التحشيد مع عودة أميركية فاعلة إلى المنطقة، برزت أولى مؤشراتها في قمة التعاون الأمني والإقتصادي والعسكري مع السعودية ودول الخليج عموماً. التغيير في طبيعة تسليح المؤسسة العسكرية السعودية، يكشف عن سعي لرفع القدرة القتالية والتسليحية للجيش السعودي، سيمهد لتغيير مرتقب في اليمن ولدور إقليمي سعودي قادر على مجابهة أيّ تهديد لمنطقة الخليج لاسيما من قبل إيران.

العودة الأميركية إلى المنطقة جاءت بحجم كبير من خلال مخرجات قمم الرياض، ولعلّ أبرزه معالم حجم هذا الدخول مضمون  الاتفاقيات العسكرية والإقتصادية التي وقعها ترامب في الرياض، والتي تجاوزت في قيمتها المالية الـ 500 مليار دولار، وتبني واشنطن لخيار الحصار والضغط على إيران، بما يؤكد أنّ سياسة إدارة ترامب في منطقة الشرق الأوسط برزت معالمها من خلال مضمون قمم الرياض، فترامب انقلب على سياسة اللامبالاة التي اتسم بها منهج الإدارة السابقة في الشرق الأوسط، والانقلاب على سياسة إهمال الملفات وعلى عدم جدية المبادرات في كثير من القضايا، بحيث أنّ الإدارة الأميركية السابقة جعلت الاتفاق النووي مع إيران المهمة المحورية لها، لذا أمكن لإيران أن تتمدد في المنطقة مستفيدة من سياسة الانكفاء الأميركي، لكن مشكلة الدور الإيراني أنّه تضخم إلى درجة جعل إيران تتصرف على قاعدة أنّها دولة عظمى في المنطقة العربية وقادرة على رسم موازين القوى فيها.

ترامب أو الاستراتيجية الأميركية التي تتكشف معالمها في المنطقة اليوم، تتنافى مع تضخم الدور الإيراني، وتريد لإيران العودة إلى حجمها الطبيعي، بالقول ميدانياً نحن مسؤولون عن موازين القوى وتوزيعها. هذا الدخول الأميركي، كشف إلى حد بعيد هشاشة التمدد الإيراني استراتيجياً، ففي اليمن وفي العراق وسوريا وصولاً إلى حدود اسرائيل، لم يعد من الممكن ان تكون إيران طرفاً مقرراً فيها، في اليمن واشنطن جادة في إنهاء الملف بالعودة إلى الالتزام بشروط التسوية الداخلية على قاعدة إنهاء انقلاب الحوثيين، فيما قدرة إيران على مقاومة هذا المسار تتلاشى، أمّا العراق فهو حصة أميركية فيما النموذج الذي دعمته إيران في العراق فقد الكثير من زخمه ومن مصداقيته أمام الشعب العراقي بعد عملية النهب التي تعرض لها العراق تحت الرعاية الايرانية.

في سوريا أقرت إيران بالحقيقة المرة واشنطن وموسكو هما المقرران لمستقبل سوريا، فيما الاتفاق الروسي الأميركي الاسرائيلي، فرض على إيران عدم المس بمعادلة الاستقرار على الحدود مع اسرائيل، بعدما كانت تلوح بها عبر حزب الله أو بعض المجموعات السورية التي انتهت مع اغتيال اسرائيل للشهيد سمير القنطار.

إقرأ أيضاً: قمة الرياض تمهد لتوجيه ضربة لحزب الله في سوريا

صحيح أنّ الرئيس بشار الأسد لم يزل على رأس النظام في سوريا، وهذا ما يمكن أن يقوله حزب الله، لكن سوريا تغيرت لم تعد عمقاً استراتيجياً له، فيما صار طموح حزب الله بقاء الهدوء والاستقرار على الحدود الجنوبية، وهذا ما لا تمانع اسرائيل باستمراره ما دام يوفر عبر القرار الدولي 1701 الهدوء الذي تريده على حدودها، يبقى أنّ كل ما يجري من مناوشات بهلوانية لا تخل بالقرار 1701 امرا لا يدفع اسرائيل إلى الرد ما دام لا يخل بمعادلة الاستقرار.

الرسالة الإيرانية البليغة كانت إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لدورة رئاسية ثانية، ومفادها أنّ النظام قدّم وجهه الدبلوماسي على وجهه العسكري ، أي أنّ ايران ذاهبة نحو تواصل وتفاوض مع واشنطن لا نحو مجابهة، بعدما أعلنت الأكثرية الشعبية في إيران انحيازها لخيار الانفتاح ومعالجة الأزمات الإقتصادية ولخيار مواجهة البطالة والفقر، وهذه السياسة جعلت الإيرانيين في الداخل وفي أوساط الرئيس روحاني يتحدثون بجرأة عن كلفة تمويل التمدد الإيراني وضرورة لجمه، من أجل الانكباب على مواجهة استفحال الأزمات الاقتصادية في إيران.

إقرأ أيضاً: هل سيستبق حزب الله مفاعيل قمة الرياض وينسحب من سوريا؟

ازاء كل ذلك أوراق قوة إيران الخارجية ومنها حزب الله بدأت تتحول إلى عبء في ظلّ انسداد آفاق ترجمة هذا النفوذ بمعادلة إقليمية تتزعمها إيران، فورقة تهديد اسرائيل لم تعد مفيدة بل فقدت وزنها، في ظلّ المبادرات العربية الأخيرة تجاه تل أبيب، فيما الدخول الروسي حسم خيار أولوية الأمن الاسرائيلي واستقرار الحدود مع سورية، وفقدت إيران هذه الورقة إلى حدّ كبير، بحيث ينتقل حزب الله والصواريخ التي يملكها، إلى عبء عليه في ظلّ عملية تقييده الجارية من حلفائه قبل خصومه واعدائه.

الخيار الآخر أي المجابهة مع اسرائيل تمّ استهلاكه مع الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، ومع حزب الله، فيما أولوية روحاني الإقتصاد فرص العمل والسلام، وأداته الدبلوماسية وليس قاسم سليماني.

السابق
ترامب: لمست شعوراً رائعاً تجاه اسرائيل من القادة السعوديين
التالي
من بيته من زجاج عليه أن لا يراشق الآخرين بالحجارة