منذ شهور عديدة، وخلال تواصلي مع إحدى الجمعيات الخيرية من أجل عمل إعلامي معين، التقيت صدفة بسيدة تحمل وليدة أيام قليلة، يدها معلقة نتيجة مشاكل في عملية الولادة.
اقرأ أيضاً: جمعيات ثقافية واجتماعية ودينية… وهميّة!
واللافت في الأمر ان السيدة جميلة، التي كانت تحمل الطفلة الوليدة، اجابت عند السؤال عن الفتاة، بالقول حرفيّا: “انها ابنة صديقتي، التي انجبتها منذ أيام في مستشفى حكومي، ولا معيل لان والدها قد توفيّ قبل مجيئها الى هذه الدنيا، وأهل الأم يقاطعونها كونها تزوجت دون رضاهم، عبر الخطيفة، واهل الوالد المتوفيّ تخلوا عن الحفيدة عندما علموا انها بنت وليست بصبيّ”.
انها دراما تصلح لأن تكون فيلما لبنانيّا مهمّا. وفي التتمة، ظلت جميلة تروح وتجيئ الى هذه الجمعية طالبة المعونات والمساعدات. وفي كل مرة كانت تُسأل عن الفتاة وعن سبب عدم شفقة اهل والدها عليها، وعدم تحملهم كلفة علاجها كانت تبرر كل ذلك بأسباب غير منطقيّة.
وفي كل مرة كانت تفجّر قنبلة منها أن الأم ماتت نتيجة الإهمال وأوصتها بتربية البنت. ومن ثم القول ان زواج والدتها ووالدها غير مسجّل في الدوائر الرسمية، بل هو مجرد عقد مكتوب عند أحد المشايخ. وفي لقاء ثالث قالت انها ستربيّها وستحتفظ بها واطلقت عليها اسم “فدك”.
مرت الأيام، وقد تفاجأ جميع من يعرف هذه السيدة باطلالتها من على شاشة “الجديد” حيث ظهرت ايضا والدة الطفلة. حيث أخذتا تتنازعان على الطفلة في نوع من تجارة وتهديد غير انساني لكينونة هذه الطفلة البريئة. وبعد اللقاء التلفزيوني حاولنا التواصل معها الا ان المحاولات باءت بالفشل.
كان من الضروري زيارة الجمعية اي جمعية الامام المهدي الخيرية التي كانت تساعد جميلة في تأمين حاجات الطفلة وتساعد الفقراء وخاصة السيدات المعوزات منهن.
فقال المسؤول المعنيّ إن “لقاءنا بها في الجمعية باستمرار كان يتم كونها كانت تحضر لأخذ الحليب والحفاضات للطفلة، وهي قد راجعتنا على اساس ان الطفلة الصغيرة يتيمة الأب، وان والدتها قبل وفاتها قد أوصتها بأن تربيّها، وبالقول “ديري بالك عليها”.
“وقد ساعدتها الجمعية قدر الإمكان، من خلال تقديم الحليب والثياب، وكانت تأتي كل فترة الى الجمعية الى ان طلبت منّا تأمين من يتبنّى هذه الطفلة. ولكن بسبب خطورة مسألة التبنيّ لم نجد من يرعى هذه الطفلة، التي ظلت يدها مكسورة طيلة شهور، وكانت جميلة غير مبالية لما قد يصيب الفتاة من تشوّه فيما بعد”.
و”عندما سألناها عن وليّ أمرها، الذي يجب ان يوّقع ورقة تنازل في حال وجد المتبنيّ، وان يكون هناك سلطة شرعية أو قانونية توافق على التبنيّ، قالت نعم، لكنها لم يحضر اي ولي امر. علما انها قالت انه يمكنها تأمين وثيقة ولادة من بعبدا آخذة الأمر على عاتقها”.
وكنا قد وعدناها بتأمين كفيل لها بشرط احضار وثيقة ولادة رسميّة، وورقة وصاية من أحد اقارب الطفلة. خاصة انها ذكرت ان عم الطفلة موجود، لكنه تخلى عنها”.
فـ”حضرت في المرة التالية موافقة على التكفّل، لكنها اعلنت ان الوصيّ أيّ العم يطالب بمبلغ من المال عبارة عن مصاريف المستشفى، مع العلم ان الولادة تمت في مستشفى حكومي في صيدا، وانها ذكرت بداية انه رفض الاعتراف بها ولم يدفع سوى 50$ لها بدل حليب. وان هذا الطلب ليس تحت عنوان بيع الطفلة”.
“ومع مرور الوقت لم تُحضر جميلة الورقة-الوثيقة كما وعدت، وتبيّن ان الأم موجودة وليست بميتة، وانها تخلت عن طفلتها، وان كنا لم نقتنع بما قالت، وشعرنا ان الموضوع غير صحيح وفيه كذب، من هنا رفض رئيس الجمعية مراجعته بأيّ موضوع خاصة فيما يتعلق بتأمين كفيل للطفلة”.
فـ”المسألة كلها غير واضحة، من هنا قررنا التنحيّ حتى لا نتحمل مسؤولية الأمر. والغريب انها زارت الجمعية بعد فترة، واخبرتنا ان الأم أخذت الطفلة، وظلت على هذا المنوال، مرة تحضر الطفلة، ومرة تقول ان امها أخذتها. وفي كل مرة كنا نعطيها ما امكننا من مساعدات للطفلة. وقد طلبنا منها عدم التدخل بالقضية، وترك الطفلة لأهلها، لكن وكما يبدو ان ثمة أمرا مخفيّا في القضية لا نعرف ما هو، وهي لا تريد الكشف عنه”.
ويكمل، المسؤول في جمعية الامام المهدي الخيرية بالقول “وبعد فترة، تفاجأنا بها تطل عبر قناة “الجديد”، ولم توضح خلال اطلالتها هذا الامر، والسؤال هل ان الامر مرتبط بتجارة أطفال خاصة ان لهجة الام التي اطلت عبر الجديد سورية؟ أم انه كما اوحت خلال المقابلة انها تعطف على الطفلة ومتمسكة بها انسانيا رغم وضعها الاقتصادي الصعب، وهي أم لأيتام؟ ام انها على صلة قرابة بهذه الطفلة وليست بقادرة على التخليّ عنها؟.
“لذا أقول أنه اذا أوصاني أحد ما برعاية طفل وشكّل لي هذا الطفل عبئا ماديا، فلماذا اتمسّك به؟”.
“وقد اتصلت بنا احدى الوسائل الاعلامية لتسألنا عن صلتنا بالموضوع، فقلنا لها ان لا علاقة لنا، بل الامر عبارة عن تقديم مساعدة للطفلة فقط”.
و”الغريب بالامر ان هذه القضايا تتكاثر في مجتمعنا، نتيجة التفلت الأسري وانتشار الفقر، حيث تقدّم الفتيات أنفسهن لأيّ شاب، فيحصل الحمل، وتُبتلى الفتاة بالأمر”.
اقرأ أيضاً: جمعيات تدافع عن المرأة أم تعمل ضدها؟
“ولا ننسى ما جرى منذ فترة قصيرة من إثارة لمسألة زواج القاصرات، وهو أمر لا زال يتداول، خاصة بعد قصة الأم التي اطلت عبر المؤسسة اللبنانية للارسال، والتي زوّجت ابنتها القاصر لمرتين وفي المرة الثانية كانت الفتاة بعمر الـ14 عاما وزوجها ابن 34 عام”.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو الى أين يسير مجتمعنا؟ ومن يتحمّل تبعات هذه الفوضى الإجتماعية؟ ولماذا لا تعمد قوى الأمن الداخلي بإلقاء القبض على الأم وعلى من له صلة كالاب الحقيقي المغيّب؟ وهل يحق لجميلة، بعيدا عن مسألة انسانيتها، ان تعمل على السعي لتبني الطفلة او تكفلها؟