في ذكرى غياب الامام الصدر: الطائفة الشيعية تحرم نفسها

طالب الامام الصدر في الستينيات والسبعينات من القرن الفائت بإنصاف الطائفة الشيعية المحرومة في الدولة والوظائف، كما طالب بالتنمية المتوازنة على صعيد كل لبنان، كي يعمّ الازدهار الاقتصادي مناطق الجنوب والبقاع وباقي الاطراف إسوة بما كانت تنعم به منطقتا بيروت وجبل لبنان.

لم يكد ينقضي على تغييب الامام الصدر في ليبيا ستة أشهر حتى انتصرت ثورة الإمام الخميني في إيران، فبدأ الحلم الشيعي يتّسع من محلّي إلى إقليمي دولي، شعار الحرمان الذي رفعه الإمام الصدر في وجه الدولة لم يعد يكفي شهيّة الشيعية السياسية التي تبلورت مع ثنائية حركة أمل وحزب الله في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، المدعومة من ثنائية سوريا وإيران إقليميا.

اقرأ أيضاً: أسئلة إلى حزب الله وحركة أمل حول الإمام الصدر

بعد الاجتياح الاسرائيلي واتفاضة 6 شباط عام 1984، سيطرت حركة امل بقيادة نبيه بري على العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية وعلى البقاع، وقامت بدعم من سوريا بشنّ حرب عصابات ضدّ القوات الاسرائيلية التي كانت تحتل كامل جنوب لبنان، مع فصائل جبهة المقاومة الوطنية التي تضم شيوعيين وقوميين وغيرهم، فسقط آلاف الشهداء من الحركة وحلفائها، وخسرت اسرائيل المئات من جنودها فقررت الانسحاب عام 1985 الى الشريط الحدودي الذي بقي محتلا حتى تحريره عام 2000.

عندما وقف المسؤول التنظيمي لحركة أمل في الجنوب داوود داوود في مدينة صور وقال كلمته الشهيرة احتفاء بتحريرها من اسرائيل: “الأرض لمن حرّرها”. لم يجد أحدا يعترض عليه، فالدولة كانت غائبة، وحزب الله كانت تشكيلاته السرية والعلنية في طور التشكّل، ودماء شهداء التحرير من الحركة لم يكن قدّ جفّ بعد ومنهم القائدين محمد سعد وخليل جرادي والشهداء بلال فحص وحسن قصير ونعمه هاشم وغيرهم.

بموازاة ذلك في بيروت كان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الأمير قبلان يطلق عبارته النارية التي أثارت جدلا: “لقد خرجنا من القمقم ولن نعود إليه”.

منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وحتى العام 2000 قاد نبيه بري حركة أمل والشيعة مدعوما بالنفوذ السوري نحو تصدّر المشهد السياسي في لبنان، شاركه في الصدارة في فترة التسعينات الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005، فكان العقد الأخير من القرن العشرين هو مرحلة شراكة وبناء واعادة اعمار شابها الكثير من فساد ولكنها نجحت في ارساء مرحلة كانت مقدمة لمرحلة التحرير الكامل للجنوب عام 2000 التي قادها حزب الله.

غير انه وبعكس ما كان متوقعا لم تحصل الطفرة السلمية الاقتصادية التي كان يبشر بها الرئيس رفيق الحريري، فكانت سنوات ما بعد  التحرير كابوسا بكل ما للكلمة من معنى على لبنان وعلى الطائفة الشيعية خصوصا التي بدأت عسكرتها بشكل واسع على يد حزب الله بدعم مباشر من ايران ورضى سوري، كان من نتائجه بداية تقليص لدور حركة امل على الساحة الشيعية، وليبدأ الانقسام الطائفي المذهبي الحاد بعد اغتيال الرئيس الحريري، ومن ثم محاولة حزب الله الاطباق على الحياة السياسية اللبنانية بالقوة الامنية والعسكرية خصوصا عقب حرب تموز 2006 المدمرة، التي شنتها اسرائيل على معاقل الحزب في الجنوب والضاحية بعد خطفه المفاجىء لجنديين اسرائيليين اثناء قيامهما بدورية على الحدود مع لبنان.

وبالعودة الى مشروع الامام الصدر الوطني الذي احتواه حزب الله والايرانيون واستبدلوه بالمشروع الشيعي العابر للأوطان، فانه تحوّل من مشروع رفع للحرمان الى مشروع انتصار للشيعية السياسية في كل مكان في العالم، من لبنان الى سوريا الى العراق واليمن وغيرها من البلدان، بقيادة الدولة الأم إيران.

موسى الصدر

مشروع نهر الليطاني الانمائي الذي عرقله الإقطاع السياسي كما كان صرح الرئيس بري دائما، وقدمت الكويت التمويل للبدء به، فانه مازال ومنذ عشر سنوات في مراحله الابتدائية ولم يبدأ العمل فيه القيمون على المشروع لأسباب غير مفهومة وغير مقنعة، سوى ان لا مصلحة لمن يتزعم المحرومين ويسلّح العاطلين عن العمل بانجاز هذا المشروع، وما يدعو للسخرية انه وقبل عام بالتمام، وفي ذكرى تغييب الامام الصدر في مهرجان النبطية، بشر الرئيس بري الجنوبيين بان مشروع نهر الليطاني وضع على السكة وان تنفيذه بدأ عمليا، لتضج الاخبار قبل اشهر بفضيحة تلوّث النهر بالمواد الصناعية وبالمجارير بشكل لم يعد فيه صالحا للاستعمال للري ولا للشرب بطبيعة الحال!

اليوم يعيش المحرومون السابقون على ريع الوظائف التي امنتها لهم المحاصصة السياسية وعلى التفرغ الحزبي الذي يدفعون ثمنه الدم في سوريا، النافذون منهم يسرقون الأضعف كما شريعة الغاب التي تحكم سرقة مشاعات الدولة وقضمها من الحزبيين والأزلام، فهي جريمة لم يعد يحاسب عليها القانون في حين أن ايام “الاقطاع السياسي البغيض” كانت المشاعات محفوظة ومحمية بقوة القانون، الزراعة تراجعت، لا ازدهار ولا مصانع ولا مشاريع سياحية في الجنوب والبقاع، التنمية ممنوعة وحال الكهرباء والمياه المزري الى الخلف، الأمل يتبدّد بمشروع وطني ينقذ لبنان وينقذ الشيعة المحرومين الجدد مما هم فيه، يلحسون المبرد ويستقوون بالطائفة التي يحالفها النصر دائما وان هزمت…

اليوم، الطائفة الشيعية الآن هي التي تحرم نفسها…

اقرأ أيضاً: عن إمام المحرومين: حزن الصورة الأخيرة… وصمت سماسرة التغييب

السابق
تنبؤات كارتون سيمبسون الشهير هل هي صدفة ام ماذا؟
التالي
جردة على آخر انتقالات اللاعبين في البطولات الأوروبية….