عزيزي الأستاذ حنا غريب المحترم، باعتزازٍ وتقدير، تابعتُ خبر انتخابكَ أميناً عاماً للحزب الشيوعي اللبناني. حسناً فعل الذين انتخبوك. راجياً أن يكون هذا الحدث بارقة أمل ليس للشيوعيين فحسب بل لكل الديموقراطيين الذين يحلمون بالحرية والتغيير.
تآخيتُ مع قادة وأفراد شيوعيين كثيرين، حاليين وسابقين، لكني لم أكن يوماً شيوعياً أو قريباً من الشيوعيين، لأسبابٍ كثيرة لا مجال لتعدادها. قد يكون تأثر الحزب تاريخياً بالتوجيهات الإقليمية والدولية، أحد هذه الأسباب. غير أني كنتُ أتشارك والشيوعيين على الدوام جملةً من الأفكار النبيلة التي كان الحالمون يرفعونها ويؤمنون بها.
ما يهمّني من انتخابكَ، يا عزيزي الأمين، والمجموعة التي تعمل معكَ، أن يُنقَل الحزب ديموقراطياً إلى حيث يصير حزباً حديثاً، خلاّقاً، حرّاً، يحاكي العصر وأبناء العصر ولغة العصر، قائماً بكينونته الذاتية، متحرراً من لغته المتقادمة، مكتشفاً لغته الجديدة، بحيث يتحوّل منارةً انسانويةً، مدنيةً، علمانيةً، ديموقراطيةً، ديناميةً، ذات أفق وجداني بالمعنى الإنساني العام.
اقرأ أيضًا: حنا غريب حاجة نفسية للشيوعيين
أسمح لنفسي بأن أقول إن تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني ليس كلّه نضالاتٍ مشرقة، بل بعضه مما لا يستسيغه الديموقراطيون الأحرار مطلقاً، الذين يرفضون الرضوخ للأفكار والإملاءات والأوامر المعلّبة. أزعم أني واحدٌ من هؤلاء المجهولين الكثر الذين يؤمنون بالتغيير، ولكن بغير الأساليب التي اعتمدها الجهاز الحزبي الشيوعي في غالب حقباته التاريخية، وخصوصاً خلال الحرب اللبنانية المهينة. نادراً ما استطاع الحزب أن يخرج من شرنقته، أو أن يمدّ يده إلى “الآخرين”، الحالمين بالتغيير. إذ لطالما كانت تشدّه إلى قوقعته الفئوية القاتلة، معطياتٌ وظروفٌ ليست كلها مشرّفة. لكن ما لي ولهذه المسألة. فما يهمّني أن الحزب اختار قيادة جديدة، ورجائي العظيم أن يمثّل هذا الاختيار تحوّلاً جوهرياً يعيد النظر في معنى أن يكون القائد الحزبي يسارياً طليعياً، منفتحاً وحديثاً، في هذا الزمن اللبناني والعربي الشاقّ والخطير، وفي معنى أن يحمل على كتفيه الأثقال التي تضج في ضمير الأفراد والجماعات، بما يجعل الحزب الشيوعي والشيوعيين إحدى مرايا الحلم اللبناني والعربي الكبير.
تحرير الخطاب الشيوعي من مسبقاته اللغوية، ليصير خطاب الإنسان الحديث الحرّ، هذا هو الرهان، وهذا هو التحدي.
لي فقط أن أرجو وآمل. جلّ ما أتمنّاه أن يُحدِث الحزب زلزلةً فكريةً ولغوية في ذاته، بما يمكّنه من أن يصير حزب الإنسان الحرّ الفرد، التائق إلى ممارسة كفاحه الإنساني الخلاّق مع الكثيرين من نظرائه.
ثق بمحبتي واحترامي. وأعذر صراحتي. أخوك.