مصر… بطولة ملطخة بالدم للزمالك

توّج نادي الزمالك الأسبوع الماضي رسمياً ببطولة الدوري العام لموسم 2014 – 2015 للمرة 13 في تاريخه، الموسم انتهى بينما كان نظيره الجديد قد بدأ فعلاً في أوروبا عبر إجراء مباريات كأس السوبر الافتتاحية في كل من ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، وهو ما يعطينا فكرة ولو عامة عن أحوال الكرة المصرية والرياضة بشكل عام.
ثمة مبالغة كبرى ومصطنعة في الاحتفال بالبطولة من قبل رئيس الزمالك مرتضى منصور، الذي يقدم نفسه وحتى يتم التعاطي معه، وكأنه أحد أركان أو أدوات النظام في مصر، والمبالغة أو التهويل تشبه فيأحد أوجهها ما جرى مع افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، والتي كان يجب التعاطي معها كحدث عادي وعادي جداً، كونه حصل قبل ذلك ليس مرة، ولا حتى مرتين، وإنما خمس مرات.
لفهم أوسع؛ وحتى أدق لبطولة مرتضى منصور التي جاءت للأسف ملطّخة بدماء 22 من أخلص مشجعي وأبناء الزمالك ومصر، لا بد من وضع الحدث في سياقه، بل سياقاته الطبيعية الثلاث التاريخية الرياضية أو الكروية ثم السياسية كون منصور لا يتصرف كأيّ رئيس نادي عادي، وإنما كأحد أدوات النظام في فرض أو إعادة الاستقرار للبلد. كما قال بيان لجنة الأندية خاصته أثناء مناشدته العودة عن استقالته الكاريكاتورية والوهمية.
تاريخياً، لا نريد أن نتحدث عن أو نجري القراءة والمقارنة منذ انطلاق بطولة الدوري العام في مصر نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وإنما منذ استئناف البطولة بعد النكبة الثانية- حزيران 67- أي في العام 1974 حتى الآن.
خلال هذه المدة فاز الزمالك بالبطولة 8 مرات – مرة في السبعينات مرتين في الثمانينات ومثلهم في التسعينات، ثم ثلاث مرات مطلع الألفية الجديد – ولذلك لم يكن من المفاجىء أن يفوز بهذه البطولة التي تأخّرت عن موعدها حتى خمس سنوات تقريباً، علماً أن الظروف العام الماضيكانت مؤاتية أكثر للفوز وفرّط بها الزمالك بشكل غريب، حيث أن الأهلي فاز بالبطولة وهو أسوأ حالاته، ولم يجد عملياً في مواجهته سوى نادي مغمور اسمه سموحة بعدما تجاوز الزمالك في الدورة بمجموعة من اللاعبين الشباب وحتى المغمورين.
إذن الفوز بالدوري ليس حدث استثنائي يستحق كل هذه الضجة من رئيس الزمالك وبعض الأبواق الإعلامية التابعة له، حتى لو تأخّر خمس أو ست سنوات عن معدّله الطبيعى في النصف قرن الأخير.
هذا تاريخياً، أما رياضياً أو كروياً فقد حشد الزمالك في فترة الانتقالات الصيفية العام الماضي مدعوماً بأجهزة الدولة الرسمية كل قواه وقام بشراء 18 لاعباً بعدما حصل على عقد رعاية غامض ومريب من شركة إعلانات جديدة لا يعرف أحد حتى مالكها الحقيقيأو حتى مصدر ثروتها وملايينها،وأهم أربعة من هؤلاء اللاعبين – معروف يوسف خالد قمر، خالد دويدار، وأيمن حقني – نافس الأهلى على ضمّهم بل نجح في الحصول على توقيع ثلاثة لاعبين منهم يلعبون لأندية الشرطة والجيش التابعة مباشرة للدولة والذين تم تحويل مسارهم إلى الزمالك في اللحظات الأخيرة وبأوامر عليا كما يتباهى دائماً رجل النظام مرتضى منصور.
ورغم ذلك ورغم التحكم،باتحاد الكرة الذي بات دمية بيد رجل أو بلطجي النظام،إلاّأن الزمالك عجز عن هزيمة الأهلى طوال الموسم إن في بطولة السوبر العام الماضي، أو حتى في بطولة الدورى الحالية التي فاز بها الفريق الأبيض أساساً، ورغم كل المعطيات السابقة نتيجة الأخطاء أو الكوارث التي قام بها مجلس إدارة الأهلى الجديد برئاسة السيد محمود طاهر.
ربما يكون محمود طاهر شخص جيد ومخلص، إلاّ أنه وصل إلى الرئاسة أصلاً بدعم جهات رسمية في الدولة أرادت التخلص من مجلس الأهلي السابق المتهم بدعم الإخوان أو على الأقل أرادت تطويع الناديأو القلعة الذي ظلّت دائماً عصية على الأنظمة الاستبدادية على اختلاف توجهاتها لدرجه أنها أُسقط د.حسام بدراوي في عزّ مجده،وعندما كان أمين عام للحزب الوطني،وعضو مؤثر في لجنة السياسات سيئة الصيت التابعة له.
ارتكب محمود طاهر ومجلسه العام الماضي كل الأخطاء الممكنة كونه كان مهووساً بالتخلص من رموز المجلس السابق أو الموظفين والإداريين القريبين منهم، كمسؤول التعاقدات والتسويق وخبير عدلي القيعي مثلاً، أو المتهمين بالانتماء أو التعاطف مع الإخوان كمدير قطاع الكرة هادي خشبة أو مدير الفريق الأول سيد عبد الحفيظ، بينما لا مكان فعلي في الناديللأسطورة الأهلاوية “الاخوانى” محمد أبو تريكة.
ومع إدارة ساذجة وخاطئة للاهلى ومعاندة من الدولة وأجهزتها، ودعم علني ومباشر للمنافس كان موسم الانتقالات العام الماضي كارثي وبائس لدرجة أن نادى القرن ضمّ تسع لاعبين تم التخلّص جميعاً منهم هذا الصيف، باستثناء لاعب واحد – باسم علي – بينما تم إعارة أو عرض الباقين جميعاً للبيع.
رغم ذلك كله،ولأن البنية أو الأساس الأهلاوي متين، ولأن النادي العريق له جمهوره هابته، وتهابه أنظمة الاستبداد، خاصة الانقلابية منها؛ نجح النادي في الفوز ببطولة السوبر المصري على حساب الزمالك تحديداًوكأس الاتحاد الإفريقي، وكان قريب جدّاًمن الظفر بالسوبر الإفريقي،أيضاً واستفاق في اللحظات الأخيرة بالدوري،ولكن بعد فوات الأوان، وبعدما عجز مجلس طاهر الهاوي والمتخبط عن رؤية العنوان مبكراً والاقتناع أن المدرب الاسباني الذي جلبوه لا يمتلك الخبرات أو القدرات لقيادة ناديأ وفريق بحجم الأهلي فجاءت إقالته متأخرة ومتأخرة جدّاً.
أما سياسياً، فلا يمكن مقاربة القصة كلها دون التمعن أو التوقف عند خلفيات وممارسات مرتضى منصور وهو الذي كان أحد أقنعة نظام مبارك الساقط، ثم أزال القناع أو كشف عن وجهه الحقيقي كأحد رجال وأدوات النظم بعدما شارك، وحتى أشرف مباشرة وقاد معركة البغال الشهيرة ضد الثائرين أو أشرف الناس في الميدان 2 شباط/فبراير 2011 – وعندما تم اعتقاله بعد انتصار الثورة أفرجت عنه المحكمة لعدم كفاية الأدلة، وبعدما منعت الدولة العميقة إجراء أي تحقيق جديوأتلفت حتى الأدلة والوثائق اللازمة، ما ترك القضية الشهيرة بدون جوهر أو مضمون حقيقي.
سكرة الانقلاب أدت بمرتضى منصور إلى المشاركة في لعبة الترشيحات لمنصب رئاسة الجمهورية، قبل ان يعزف عن الترشح بطريقة هزلية ومبتذلة – قال أنه رأى حلم – ثم بات أحد رجال النظام أو أدواته لإخضاع الساحة الرياضية أو على الأقل إتقاء شرّها.و بات فى الحقيقة مجرد تحديث أو استنساخ لاتحاد سمير زاهر ومجلسه مع نظام حسني مبارك.
كان الهدف الأساس لمنصور – وما زال – هو القضاء على شبابأو روابط الالتراس بصفتهم الأعداء الحقيقيين والجديين للانقلاب وسلطته. ومن هنا كان سعيه الدائم لشيطنتهم واستنزافهم وإبقائهم في حالة دفاع لإشغالهم عن التفرغ لمعارضة النظام، وحتى إسقاطه كما فعلوا مع نظام مبارك.

الزمالك
منصور المدعوم من سلطة الانقلاب وأجهزة الدولة العميقة على اختلاف مستوياتها أسهم مباشرة أو غير مباشرة في مجزرة الدفاع الجوي الشهيرة التي أودت بحياة 22 من شباب التراس زملكاوي، وهو اتهم الضحية بالمسؤولية عن المجزرة، ورفض حتى إيقاف المباراة، التي وقعت المجزرة في بدايتها، ثم عمل كل ما بوسعه لتجاوز الجريمة ولم يستخدم حتى قدراته كمحاميلإبقاء القضية حية. وكان كل همّه استئناف البطولة، وكأنّ شيئاً لم يكن من أجل الفوز بها، ولو على جثث الشهداء المنسيين والإرهابيين. كما اعتاد أن يقول عكس ما حدث، ويحدث مثلا في الأهلي مع شهداء مجزرة بورسعيد الذين تحوّلوا إلى رمز أو أيقونة من أيقونات النادي الخالدة.
بنظرة إلى الوراء هدفت المجزرة ليس فقط إلى التنكيل والانتقام من التراس أعداء الانقلاب، وإنما حرمان الجماهير من العودة للملاعب أو استخدامها لتعبير عن مواقفهم ورؤاهم السياسية، ويمكن الاستنتاج أيضاً أن الجريمة هدفت أساساًإلى حرمان الأهلي من جماهيره، وهي التي مثّلت تاريخياً أحد الأسباب وربما السبب الرئيس لبطولاته وأمجاده المتعاقبة على مرّ الزمان.
إذن بطولة ملطّخة بالدمّ لا تستحق كل هذا الصخب وبطولة كل خمس سنوات هي أصلاً المعدل الطبيعي والتاريخى بالنسبة للزمالك، ومع الانتباه إلى أمر آخر يتمثل بسعي أنظمة الانقلابات والاستبداد إلى قمع قهر الأكثرية والنيل من رموزها، بما في ذلك النادي الأهلي، والذي كانت أسوأ عصوره في العشرية ما بين نهاية الخمسينات إلى نهاية الستينات، وهي إلى استوحش فبها نظام ناصر – ونصر مؤمماً كل مناحي الحياة لصالحه قامعاً أو مضعفاً كل شخص أو هيئة رفضت الانصياع أو التساوق مع ذهنية التقديس وهتاف بالروح بالدم سيء الصيت.
يشبه الأهلي في الجوهر ثورة 1919 أكثر بكثير مما يشبه انقلاب 1952، وهو كان وما زال أكثر من نادي يزدهر ويزهو في الأجواء المدنية الديموقراطية، ويضعف ويتراجع ولكن دون أن ينهار أو ينكسر في أجواء الاستبداد والانقلابات. ومن هنا يمكن أيضاً فهم أو استيعاب التراجع الأهلاوي الحالي والتقدم الآني والقصير حتماً للزمالك بقيادة رجل النظام مرتضى منصور.

السابق
بالفيديو.. أكثر من مئة مليون مشاهدة لـ3 أغنيات عربية
التالي
احذري.. قبلة واحدة تودي بحياة رضيعك