يَستمرُّ التعطيل مُخيِّماً على المجلس النيابي بذريعةِ عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة حتى الآن، وقد يأخذ هذا التعطيل الحكومة في طريقِه، من زاوية تعَثُّرِها في إقرار الموازنة العامّة للدولة، مَدموجةً بسِلسلة الرُتَب والرواتب، أم غيرَ مدموجة، عِلماً أنّ الدولة لم تعرف أيَّ موازنة منذ عشر سنواتٍ حتّى اليوم، وهي تُنفِق بلا رقابة السُلطة التشريعيّة. وهذا التعطيل باتَ يُهدِّد بأزمةٍ على مستوى العلاقات بينَ مُختلف القوى السياسيّة في 8 و14 آذار المأزومة أصلاً تحتَ وطأة الخلاف على الاستحقاق الرئاسي والرهانات على الأزمات الإقليميّة التي ينقسم اللبنانيّون في الموقف منها، ويتمحوَرون حولَ القوى المُنغمِسة في هذه الأزمات.
هذا الواقع دفعَ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس إلى رفع صوت التحذير والتنبيه من تخريب البلاد جرّاءَ تعطيل مؤسساتها الدستورية، غامزاً من قناة المعوقات التي تَحولُ دون انعقاد مجلس النواب في عقدِه التشريعي العادي الأوّل في أيّ جلسة تشريعية، خصوصاً أنّ هذا العقد ينتهي في 31 أيار المقبل.
وعندما سُئل بري: هل ستبقى البلاد على ما هي عليه من تعطيل بما يحول دون انعقاد المجلس النيابي؟ قال أمام زوّاره: “لقد قمتُ بما عليّ، وخلافاً لما يتردّد، لن أُجريَ اتّصالات في شأن الجلسة التشريعية، فليتحمّلوا مسؤولياتهم ويراجِعوا مواقفَهم. المجلس النيابي بوضعِه الحالي يملك صلاحية التشريع “من بابها الى محرابها” في كلّ شيء، سواءٌ أكانَ رئيس الحكومة مستقيلاً أو رئيس الجمهورية غائباً او مغيّباً، وهذا ما يقوله الدستور. ومع ذلك راعيتُ إحساس البعض وقبلتُ بـ”تشريع الضرورة”، ليس على أنّه عرفٌ أو قاعدة، وإنّما انطلاقاً من هذا الإحساس والرغبة في تسهيل الامور.
وكان هناك أناس مع تشريع الضرورة وتراجعوا، وكان هناك أناسٌ مع التشريع العادي وتراجَعوا (التيار الوطني الحر). إنّ سلوكاًُ كهذا يقود الى خراب البَلد، وأريد القول صراحةً إنّ على الإعلام تسليط الضوء على كلّ الحقيقة. إذا كانوا يقاطعون التشريع بحجّة عدم انتخاب رئيس الجمهورية، ويقاطعون الجلسة التشريعية، فلينزلوا إلى المجلس ولينتخبوا رئيساً.
وهناك مَن يَجول في الخارج، من رؤساء طوائف وغيرهم، ويندبون على الرئاسة، فليسعَوا لدى طائفتهم وشارعِهم للتوفيق بين الأطراف لتحقيق هذا الهدف وانتخاب الرئيس، “حاجي يحطّوها عند رئيس الحكومة ورئيس المجلس والمجلس. المجلس لا يتحمّل المسؤولية، فهم يتسبّبون بأمراض، ونحن نداويها”.
وأضاف برّي: “إنّهم يعطلون البلد بالمقاطعة، والمجلس لا يعطّل البلد. فلنَقلها صراحةً وكفى تعمية للرأي العام، وعلى الإعلام كشف الحقيقة، وهي أنّ الدَين العام ليس 68 مليار دولار بل أصبح يفوق السبعين مليار دولار، وبالكاد تستطيع الدولة تسديد خدمة هذا الدين، وإنّ منحىً مماثلاً وتصرّفاً كهذا يُعطّل البلد، وليس المجلس النيابي هو من يُعطل.
فعلى جدول أعمال الجلسة التشريعية مشاريع حيوية ومهمّة، منها على سبيل المثال، ما يتعلّق بِرَيِّ بيروت من سدّ بسري، والمالية العامة وبُنى تحتية بقيمة 70 مليون دولار لكسروان، فضلاً عن اتّفاق الدفاع مع فرنسا والمتصل بالهِبة العسكرية للجيش، والتي تقضي باستقدام مدرّبين فرنسيّين على الأسلحة الفرنسية الجديدة، وإذا لم يحصل هذا الأمر، فلن تصلَ الى لبنان أيّ أسلحة فرنسية جديدة”.
وردّاً على سؤال عن الوضع الحالي، قالَ برّي: “إذا كانت الحكومة لا تستطيع إقرارَ مشروع الموازنة المنتظر منذ عقدٍ من الزمن، فما الفارق بينها وبين حُكومة تصريف الأعمال. هناك فرصةٌ وُجِدَت من خلال إنجاز موازنتَين في المهلة الدستوريّة والقانونيّة، فالموازنة لا تُقَرّ في مجلس الوزراء، وهناكَ من لا يريد إقرارَها بدمج سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، فهل يجوز الاستمرار على هذا المنوال؟”.
الحريري
في غضون ذلكَ، يُلقي الرئيس سعد الحريري، اليوم، محاضرةً في “ويلسون سنتر”، يَحضُرها باحثون وكتّاب وخبراء أميركيّون في شؤون الشرق الأوسط ورؤساء مراكز أبحاث، يتطرّق خلالها إلى الوضع في المنطقة وتداعيات الأزمة السوريّة على دوَل الجوار، خصوصاً لبنان، والتطوّرات في المنطقة والتحدّيات التي تواجهها في ظلّ تنامي التطرّف وسُبل مواجهته ودعم قوى الاعتدال.
وكان الحريري اجتمعَ إلى مُستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في البيت الأبيض، بحضور نادر الحريري ومديرة مكتب الشرق الأوسط في المجلس يائيل لامبيرت ومديرة مكتب لبنان كاتلين كوستيلو. وتطرّقَ المجتمعون إلى الأوضاع اللبنانيّة والتطوّرات في المنطقة، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن.
وأكّدت رايس التزامَ بلادها الثابت دعمَ سيادة لبنان واستقراره وقدرته على تحمّل تداعيات المنطقة، واستمرارها في تقديم المساعدة إلى الجيش اللبناني وتسليحه.
وكان الحريري زارَ مقرَّ وزارة الدفاع الأميركيّة “البنتاغون” وعرضَ مع نائب وزير الدفاع كريستين ورموس للأوضاع في المنطقة وسُبل زيادة الدعم للجيش والقوى الأمنيّة اللبنانية لتتمكّن من تأدية المهمّات المنوطة بها، بما فيها حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب.
كذلك، التقى الحريري ممثّلي ومندوبي الصحافة العربية المعتمدين في واشنطن، وتحدّثَ إليهم عن زيارته للولايات المتحدة ولقاءاته المسؤولين الاميركيين والتطوّرات في لبنان والمنطقة.
وأفاد المكتب الإعلامي للحريري أنّه “التقى الاسبوع الماضي نائبَ الرئيس الاميركي جو بايدن ومستشارةَ الأمن القومي سوزان رايس ووزيرَ الخارجية جون كيري وعدداً من أبرز أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، وعَقد معهم محادثات تناوَلت مجملَ الأوضاع في لبنان والمنطقة، وترَكّزت خصوصاً على ضرورة تحييد لبنان عن تداعيات الأزمة السورية وما تَشهده المنطقة”.
تقويم الزيارة
إلى ذلك، لم تشَأ المصادر الدبلوماسية البحثَ في نتائج زيارة الحريري الأميركية، في انتظار ما ستسمعه منه حول هذه الزيارة والكثير من التفاصيل التي ما زالت غامضة.
وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية” إنّ ما رافقَ الزيارة من تغطية إعلامية كشفَ عن مواقف الحريري ولم يعطِ كثيراً مِن الانطباعات عن حقيقة المواقف الأميركية المتردّدة.
وأضافت: “لا يبدو أنّ الإدارة الأميركية تمتلك صيَغاً أو مخارجَ حتى الآن سوى في مستقبل الملف النووي الإيراني، في انتظار معرفة انعكاسات هذا التفاهم النهائي إذا تمَّ التوصل اليه في 30 حزيران، ليبدأ البحث عملياً في بقيّة الملفات المتفرّعة منه، أو تلك التي ارتبطَت به من باب عرض القوّة الذي كان قائماً بين ايران والغرب طوال السنوات الماضية، والذي فجّر الأوضاع في اكثر من دولة من العراق وسوريا الى اليمن.
توازياً، أفادَ مراسل “الجمهورية” في موسكو أنّ الحريري سيزور العاصمة الروسية منتصَف أيار المقبل، وسيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعضَ المسؤولين الروس الكبار.
(الجمهورية)