يوميات مآسي معتقلي أنصار: هكذا تناتشنا أحجار الشطرنج وأوتار الغيتار

: كلما اشتد الإحتقان عند الأسرى، كان العدو الإسرائيلي يدخل إلى المعسكر أنواع جديدة من المأكل أو ما يسلي المعتقلين. ومن أبرزها الشطرنج والغيتار الذي كان يعزف عليه بسام ويغني لنا بصوته أغنية «الجسر»، وأغاني الحب في ساعات الليل الطويل.

دفعنا ثمن كل شيء دماً، الخبز والطعام والسكّر والأرز، ومن ثمّ ورق اللعب والآلات الموسيقية وكتب المطالعة وأحجار الشطرنج…فعندما كانت تصل درجة الإحتقان إلى أقصاها كانت قيادة المعسكر تعمد إلى إدخال شيء جديد، صنف جديد من الطعام أو وسيلة جديدة للتسلية.

في إحدى الأعياد أدخلوا ولمرّة واحدة وأخيرة قطعاً من اللحم، لكل أسير حصته التي لا تتجاوز الثلاثين غراماً، أذكر أنّنا أبقينا قطعة اللحم الصغيرة لنتلذّذ بطعمها بعد كمية الأرز المضافة إليها.

بعض الأسرى حاولوا أن يأخذوا ” حصّتهم ” من أحجار الشطرنج، ليتمتّعوا بإغاظة اللاعبين الذين وجدوا بها متنفساً في رحلة الأسر الطويلة، والبعض الآخر أراد ابتزاز اللاعبين بغرض إرجاع قطعة احتفظ بها مقابل نصف سيجارة، ومنهم من أراد ” حقّه ” بوتر من قطعة موسيقية أو ورقة من ورق اللعب!

نظّمنا مباراة في لعبة الشطرنج في المعتقل الصيفي، بدأت التصفيات بين المعسكرات إلى أن انتهت بوصولي إلى المباراة النهائية مع أحد الزملاء الأسرى، فزت بالبطولة بعد مباراة مثيرة استمرّت لساعات، بعدها اقترحت اللعب وفي نفس الوقت مقابل صاحب المركز الثاني والثالث، حيث كانت أنفاس المشجعين الصامتين محبوسة بانتظار نتيجة تلك المباراة المثيرة، فزت بالمبارتين وسط تهليل الرفاق المشجعين.

عانينا الكثير لكي يبقى “الجيتار” بيد بسّام ضو، بسّام الذي كان قبل اعتقاله عازفاً للأكورديون في فرقة الميادين، جلب معه بسّام إلى المعتقل لحن وكلمات أغنية “الجسر”. كانت الميادين قد أنجزتها قبل إعتقاله بأيّام، غنّاها لنا بسّام… وغنّاها للجميع أيضاً في حفلة نظّمناها قرب خيمتنا.

كنت وبسّام نترافق في الأداء، أنا ألقي أمام الجميع كلمات القصيدة (الجسر لخليل حاوي) حيث كنت أحفظ كلماتها منذ أيام المدرسة، ليبدأ بسّام بعزفها وغنائها. كان اللحن الذي أبكى المعتقلين حينها، حيث وجدوا بأن هناك في الخارج من يغنّي لهم ويعيش معهم لحظات الاعتقال، بعد أن اعتقدوا بأنهم صاروا من المنسيين…

كان صوت الجيتار يعلوا فوق كل ذلك الضجيج، كنّا نقفل باب الخيمة ونغنّي لساعات، كان البعض يأتي ليطلب منّي التمتع بجولة لعب شطرنج، أصبحت بطل اللعبة بدون منازع!

علّمنا بسّام العزف، كتب ” النوتة ” على ورق ووزّعها على من يرغب، أنامل بسّام أنستنا الأسر لشهور… كان لا يبخل علينا بأغاني الحب والعشق في ساعات الليل خصوصاً.

“مدينة العيون الجائعة إلى الحب والحرّية” أصبحت وبعد سنة من إنشائها تعاني الصراعات الدموية العنيفة، تعيش تناقضات حياة أية مدينة، هنا أنامل تعزف لحناً جميلاً، وهناك في الخيمة الملاصقة أياد تنزع الأوتاد لتصنع منها خناجر وسيوف… وفي الجهة المقابلة ثمة من يصنع خمراً أو يجفّف عيدان الشاي ليلفهم بأوراق مع حبوب مخدرة كسجائر، وآخر يبحث عن غلام حليق…

“أنصار” لا تستحق كلّ تلك الأغاني ولا القصائد… ولكن ثمة جزء صغير من سكّان تلك المدينة قد إرتقى إلى الأعلى… إلى السماء!

السابق
إسرائيل ضربت حزب الله مجددا… بلطف وحرص شديدين
التالي
وزير خارجية اليمن يتحدّث عن وجود عناصر من ايران وحزب الله في بلاده