ما إن تدخل مقر «نادي الصحافة»، في منطقة فرن الشباك، حتى ترى صورة قديمة للزميل جمال السعيدي، تظهر مقاتلَين ملثَمَين، أحدهما جالس على كرسي وسط السواتر الترابية، والآخر يدقق في هوية سيارة مدنية. يستقبلك المشهد، بالأبيض والأسود، قبل أن تصل إلى القاعة، وقد توزع فيها جمع من المقاتلين السابقين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد العشرة.
هنا، بدري أبو دياب، وهناك نسيم عبدالله، مع غيرهما، كانوا مقاتلين في الحرب الأهلية، في مواقع قيادية مختلفة. قرر المقاتلون السابقون الاندماج معاً في جمعية سموها «محاربون من أجل السلام»، رفعت شعار «تذكّر.. سامح.. غيّر».
اختار المحاربون الذكرى الأربعين لاندلاع شرارة الحرب الأهلية، مناسبة للإعلان عن «نبذهم الحرب الأهلية بكل مراحلها»، ودعوتهم لـ «الاستفادة مما أدركوه في مرحلة متأخرة». وألقى أحد مؤسسي الجمعية، زياد صعب، نص إعلان ولادة الجمعية، الذي تضمن دعوة الفئات الشبابية والطلابية والنسائية، إلى «التلاقي في حملات عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق». واعتذر من ضحايا الحرب، قائلاً إن «محو الألم، وإن كان متعذراً، فإن الاعتراف به وتحويله إلى ذكريات بناءة، يسمح بتخطيه نحو إعادة البناء والتحول إلى فضاءات من الحوار والمسامحة».
جلس صعب، القيادي العسكري السابق في «الحزب الشيوعي اللبناني» والعضو السابق في «حركة اليسار الديموقراطي»، إلى جانب «عدو الأمس»، نائب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات في «القوات اللبنانية» أيام الحرب الأهلية، أسعد الشفتري. وشاركت في الاعلان عن انطلاق الجمعية وزيرة المهجرين اليس شبطيني، التي أعربت عن تضامنها مع «جمعيات مماثلة، تحمل الهدف نفسه وتقوم بأعمال لدفن الأحقاد بالحوار والتفاهم، وليس بالحديد والنار».
وعرّفت الناشطة في الجمعية ليال أسعد بالجمعية ونشاطاتها، من مخيمات كشفية وورش عمل ولقاءات وندوات، ثم عُرض فيلم وثائقي عن المقاتلين السابقين، وتبعه حوار مع الحضور الذي طغى عليه مشاركة شبابية. وسط ذلك، كانت الطفلة كارلا تمشي بين الحضور وتصوّرهم وهي تبتسم، بينما والدها كان يستذكر أيام الحرب.
(السفير)