كنيسة في جزين تتحوّل «زريبة حيوانات»

“الرزق السايب بعلّم الناس الحرام”، قد يكون هذا المثل الشعبي هو الأفضل لتوصيف حال داريا في قضاء جزين. تلك البقعة شاسعة المساحة واستراتيجيّة الموقع، التي تربط بين محافظات النبطية والجنوب والبقاع، المطِلَّة على صيدا والتي يمكن النفاذ منها إلى الشوف.

داريا عبارة عن مزرعة في قضاء جزين، تقع جنوب شرق كفرحونة، قرب بلدة القطراني في الطريق التي تصل جزين بالبقاع الغربي. لا بيوت في تلك المنطقة ولا سكّان. يمكن القول إنها مهجورة كليًّا منذ عقود، ولا تحتوي سوى على قصر صغير من القرميد وكنيسة على اسم القديس يوسف.

عندما باتت الكنيسة زريبة حيوانات
تهدّمت أجزاء من الكنيسة ومن القصر الصغير جرّاء الاعتداءات الإسرائيليّة على لبنان عموماً والجنوب خصوصاً. وبعد التحرير عام 2000، عادت الأرض إلى أصحابها (ثلاثة أشقاء من آل أندراوس) بعدما كانت عبارة عن منطقة عسكريّة سيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ومنع الدخول إليها، واستعملها لعزل البقاع الغربي عن باقي الأقضية.

لكن يبدو أن خصوصيّتها الجغرافيّة كونها مواجهة لمنطقة عسكريّة تابعة لحزب الله في بركة الجبور في البقاع الغربي، حوّلها أرضاً مشاعاً. استثمر البعض محيطها وحوّله مراملاً لاستخراج الرمل الأسود والأصفر من جهة، وسيّر رعاة من مشغرة الماشية فيها حتى تحوّلت الكنيسة إلى زريبة للأبقار والأغنام من جهة أخرى.

تأكل الأغنام جوار المذبح وترقد الأبقار بين أعمدة الكنيسة الصغيرة. مشهد يستفزّ مشاعر كثير من المسيحيين ويضرب عرض الحائط المقدّسات واحترام المقامات الدينيّة التي يكفلها الدستور اللبناني بغض النظر عمّا إذا كانت ملكاً خاصاً أو تابعة لدير أو أبرشية. واقع مرّ عليه حوالى 15 سنة دون إيجاد حلّ يضع حداً لهذه الإهانة، فترميم كنيسة صغيرة لن يكون مكلفاً لا للمطرانيّة ولا لأصحاب الملك، ما يحفظ قيمة المقرّ الديني ويحترم مشاعر الناس.

الأبرشيّة تستمهل للتأكّد
وفي اتصال لـ”النهار” مع نائب مطران أبرشيّة صيدا للموارنة المونسنيور مارون كيوان، أكّد أن لا معلومات له حول الكنيسة المذكورة، لكنّه أكّد أن المطرانيّة لها سلطة رعويّة على أي كنيسة موجودة في أملاك خاصّة. وأضاف: “لا معلومات حول الكنيسة. يجب إجراء دراسة حول الموضوع، ومعرفة ما إذا كان المقام مهملاً أو يقصده مؤمنون قبل التحرّك”.

قد لا تكون الفضيحة الوحيدة
إلى ذلك، يبدو أن تحويل الكنيسة زريبة أغنام وأبقار لن تكون الفضيحة الوحيدة التي ستحيط بهذه الأرض البالغة حوالى 7 ملايين و500 ألف متر مربّع، فقد علمت “النهار” أن تلك المزرعة المهجورة لها سندات مفرزة وتتبع إدارياً إلى بلدية جزين.

وإضافة إلى الرمال والصخور والرخام والأحجار الجزينيّة والزجاج والبحص، تحتوي على أكثر من 150 شجرة صنوبر، و13 ينبوع ماء يحتوي كلّ منها 50 متراً مربّعاً. “تبلغ قيمتها الحقيقيّة 300 مليون دولار أميركي، ولكنها معروضة للبيع مقابل 85 مليون دولار أميركي، أي ما يساوي 17 دولار أميركي للمتر المربّع الواحد، وذلك بعدما تواصل أصحابها مع البطريركيّة المارونيّة أكثر من مرّة لبيعها لها مقابل 100 مليون دولار أميركي، كي لا يضطروا لبيعها لشخص من طائفة أخرى، ولكنّهم لم يلقوا أي جواب منها”، بحسب ما يؤكّد وكيلهم وقريبهم يوسف إندراوس لـ”النهار”.

مساحة شاسعة معروضة للبيع! قضية قد تعيد تحريك ملف يشغل بال مسيحيي لبنان: بيع أراضٍ يملكها أغنياء من الطائفة إلى آخرين من طوائف أخرى. وهو ما رفضت الرابطة المارونيّة التعليق عليه في الوقت الراهن في اتصال مع “النهار”.

يشار إلى أن السنوات الأولى من الألفية الثانية التي أعقبت تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، شهدت صراعاً حول تلك الأرض والبلدات التي تحيط بها مثل القطراني والسريرة، إضافة إلى أراض في بلدات كفرفالوس وبكاسين وبنواتي المواجهة لها، بعد شراء أشخاص من الطوائف الإسلاميّة مساحات شاسعة تخطّت ملايين الأمتار المربّعة من مالكين مسيحيين.

ملفٌ أثار خوف النائب وليد جنبلاط، في حينها، خصوصاً أن مثلث كفرحونة – القطراني – السريرة يقع على الطريق المؤدّية إلى البقاع الغربي ومنه إلى الشوف ولوجاً إلى المختارة، وقد تدخّل عام 2003 لمنع بيع المزرعة خوفاً منه على السريرة الدرزيّة، وللحدّ من تطويق المناطق الشوفيّة والبقاعيّة الغربيّة بصبغة سكانيّة تغيّر تركيبتها الديموغرافيّة.

(النهار)

السابق
الجسر: الحوار مستمر
التالي
الحرب والثورة