هو ليس بخطأ أكثر من كونه تبدلاً في الأدوار. فمن المتوقع (في الحالات الطبيعية) أن تقوم الحركات المدنية برصد الانتهاكات وموضوع السلامة الغذائية هو انتهاك صارخ لحقوق المواطنين، وهي بهذا الرصد تعمل على تشكيل حالة ضغط على المشرع القانوني والسلطة الإجرائية والسلطة القضائية لحماية حقوق المتضررين.
إلا أن ما شهدناه هو غياب للدور المدني في ما يتعلق بسلامة الغذاء لكنه أبرز دور الفعاليات الاقتصادية\السياحية في اعتراضها على الرصد الذي قام به الوزير الذي نجح في تظهير تراجع دور المدنيين في مناصرة حقوق العامة إن لم نقل فشله وإبراز الصورة المخيفة لحراك “مدني” اقتصادي أفشل في السابق حركة نقابية للمطالبة بزيادة الأجور.
واقع يشير بطريقة مخيفة إلى تخلي الدولة عن صلاحياتها عبر تقمصها عمل المجتمع المدني الذي تخلى بدوره عن الدفاع عن سلامة المواطن مقابل تمكين التجار من الحلول مكانه. وفي هذا الإطار نشير أيضاً إلى انكفاء حملة حظر التدخين بالأماكن العامة أمام ضغط حيتان الاقتصاد السياحي.
3- موضوع\ثيمة “التشهير”
لا شك ان موضوع السلامة الغذائية شعبي بامتياز فكلنا مهددون وهو موضوع عابر للطبقات الاجتماعية يضعنا جميعاً بشكل متساو أمام خطر التسمم، أو الاسهال أو التقيوء. وربما هو يضع الطبقة التي تتناول “السوشي” في خطر أكبر كونها تتناول طعاماً نيئا.
ولهذا كان التجاوب جماهيرياً مع حملة الوزير خاصة أنه في أحيان تعاطى معه بتلوينة تلامس “الشعبوية” علماً أن الناس تتأثر بالمقاربة الفضائحية المتلفزة والوزير بذلك بات منافساً لبرامج “الاثنين” التلفزيونية التي يشهد لها فضائحيتها الغذائية ربما قبل انضمام الوزير لهذه المسيرة.
ولكن ماذا لو كان الموضوع بطبيعته غير “شعبوي”.
لنأخذ على سبيل المثال مجدداً حملة حظر التدخين في الأماكن العامة الذي بدأ بزخم ولكنه انهار فيما بعد رغم أن ضرره قد يوازي الضرر الناجم عن سلامة الغذاء إلا أن الأخير نتائجه فورية أما الأول فمؤجلة.
إن الضجيج “الشعبوي” الذي أحدثه المتضررون من قانون حظر التدخين في الأماكن العامة فاق صمت “أكثرية” متضررة من ضجيج المدخنين وسماسرة الاقتصاد. وترى الوزير بعينه لا يتطرق إلى هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد رغم جهوزية القانون وآلية التنفيذ المرتبطة به.
مثال آخر يتعلق في ما يسمى العمل “الخيري” في لبنان. فالعرف العام هو النظرة بطريقة فائقة الإيجابية أحياناً تصل إلى درجة التقديس نحو هذا النوع من العمل. “كثر خيرن”….رغم الأخطاء والمخالفات وإساءة استخدام الأموال وصولاً إلى انتهاك حقوق العاملين وانتهاء بتعرض المستفيدين لاعتداءات جنسية مباشرة.
فالمنطق “الشعبوي” هنا يتفوق بصورة قاسية عندما يجبر الكثير من المتضررين إلى عدم البوح خوفاً من ردة فعل العامة التي تنحو إلى حماية “صيت” هذه الجمعيات الخيرية رغماً أنها مرآة مباشرة للمصالح الطائفية\السياسية عينها التي واجهت وزير الصحة العامة في حملة سلامة الغذاء.
وهذا ما حدث في قضية رجل الدين الذي اتهم بالاعتداء على عدد من الأطفال ضمن رعايته بحسب الحرم الكنسي الذي صدر بحقه. هنا نادى الكثير بالمسامحة كون الأخير قام بأعمال إنسانية كثيرة وترى البعض يدافع عنه من منطلق طائفي بحت.
حدث ذلك ايضاً في قضية طارق الملاح الذي خرج للعلن ليبوح بقصة تعرضه المتكرر للاعتداء الجنسي ضمن دار الأيتام الإسلامية. ترى الناس يشتمونه بأنه ناكر للجميل وبأنه “كتر خيرن” وصولاً للتشكيك بشخص طارق.
وماذا عن المطرودين تعسفياً من جمعيات “خيرية” وما زالت قضيتهم لسنوات طويلة في المحكمة العمالية حيث تمارس ضغوط للمماطلة بحجة أنها تمس أموال “اليتامى”.
ماذا لو خرج أحدهم للتكلم عن هذا الموضوع؟
هذا الضغط “الشعبوي” اللابس رداء الإنسانية والأخلاقية هو نفسه الضغط الطائفي الاقتصادي السياسي.
هل هذا الضغط عينه ما دفع وزير الشؤون الاجتماعية لغض الطرف عن قضية المؤسسات الرعائية؟
لنفترض أن وزير الشؤون الاجتماعية الآن هو وزير الصحة، هل كان خرج للتشهير العلني أم انكفأ إلى قضايا كبرى “شعبوية”…..
رغم كل شيء، يسجل للوزير وائل أبو فاعور وقوفه في وجه فساد مستشري فهو أباح المستور وهدد مصالح. وهنا اراني ألجأ للتعبير نفسه “كتر خيرو أبو فاعور”.
“أليس في هذا اشهار افلاسنا”؟