نحو دولة الخلافة اليهودية

ساطع نورالدين

ليس من الآمن ولا من الممتع طبعا العيش في ظل او الى جوار ثلاث دول دينية : الدولة اليهودية والدولة الداعشية والدولة الشيعية، التي تتفاعل وتتصارع وتتواطأ في ما بينها، ولا تكتفي بارسال أبنائها الى الجنة وخصومها الى جهنم، بل تفرض على الاخرين الاختيار المستحيل بينها.

لم تعد دولة اسرائيل اليهودية مجرد حلم ، مثلما لم تكن دولة داعش السنية مجرد خرافة، مثلما لم تصبح دولة ايران الشيعية أسطورة. بالامس قرر الاسرائيليون وعن سابق تصور وتصميم ان يمضوا قدماً في شق الطريق الى دولتهم الدينية الموعودة التي تشكل الطرف الثالث من ذلك المحور الديني الطارىء الذي لم يسبق للتاريخ أن شهد مثيلاً له.

ليس اليمين الاسرائيلي الذي حصل من الناخبين على تفويض جديد للحكم، متديناً  كله او حتى ملتزما، كما ان حصة الاحزاب الدينية في الكنيست الجديد، تناقصت بضعة مقاعد. لكن تكتل ليكود القومي (العلماني) بات يختزل الجوهر السياسي لتلك الاحزاب ويحمل رايتها وشعاراتها وينفذ جدول اعمالها بدءا من السعي الى اعلان يهودية الدولة وصولا الى تصفية الاخر غير اليهودي داخلها.

ولعل الناخبين الاسرائيليين اختاروا التجديد لبنيامين نتيناهو وحزبه لما يمثل من بعدٍ دينيٍ، ما زال يجري التعبير عنه بلغة سياسية مواربة، تستخدم العقيدة كقاعدة رئيسية للعصبية القومية فقط، لا كبرنامج للحكم او منهاج للدولة والمؤسسات. وهو وعي متقدم بالمقارنة مع الدولتين الاسلاميتين المجاورتين لاسرائيل، لايسمح بانتاج طبقة من رجال الدين المرشحين للسلطة.. مع ان الوقت لم يعد يبدو بعيدا عن اسرائيل التي يحكمها حاخام، يتعالى عن الافتاء بالحلال والحرام، ويتولى ادارة السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات مع بقية دول العالم، ويقود الجيش ويتحمل مسؤولية اعلان الحرب او السلم.

نتيجة الانتخابات التي منحت الفوز لنتيناهو هي في العمق شكل من اشكال التحدي اليهودي-الديني، للدولتين الاسلاميتين اللتين تنتشر قواتهما على حدود الدولة اليهودية، وهما تتنافسان الان على بسط نفوذهما على مناطق كانت ولا تزال مطمعاً، لدولة اسرائيل، او على الاقل مجالاً لتوسيع مداها الامني..مع الاعتراف الضروري هنا بالفارق الشاسع حتى الان على الاقل في مستوى مشاركة هاتين الدولتين في الصراع العربي مع الدولة اليهودية، بل وحتى في طبيعة تلك المشاركة.

لكن الانتخابات الاسرائيلية لم تكن حول خلافا فقهيا حول جنس الملائكة، كانت في الاساس معركة سياسية جذرية نُحيت فيها العناوين الاقتصادية والاجتماعية التي تطغى في العادة على اي معركة انتخابية، وتركزت حول مفاهيم الامن ونظرياته وتطبيقاته، وحول الاستعداد الدائم للخروج الى الحروب بقيادة نتيناهو بالذات الذي اشعل اكثر من حرب ولم يحسم اياً منها.. سوى الحرب الاخيرة مع ايران التي يبدو انه انتصر فيها على جبهة واشنطن قبل اي جبهة اخرى.

واذا كان لا بد من توصيف سياسي لنتيجة الانتخابات الاسرائيلية فهو أنها احتفال بذلك النصر الباهر الذي حققه نتيناهو في الولايات المتحدة عندما استطاع مع غالبية من اعضاء الكونغرس ومن الرأي العام الاميركي عزل الرئيس باراك اوباما واحباط مشروعه للتوصل الى اتفاق نووي مع ايران. كان فوز نتنياهو بهذا المعنى بمثابة مكافأة له لانه اثبت على ان دولة اسرائيل ليست جمهورية موز أميركية، وهي تستطيع الحصول على ما تريده من اميركا من دون ان تضطر حتى الى التواصل مع البيت الابيض او مع وزارة الخارجية طوال العامين المقبلين من ولاية اوباما الاخيرة.

وبذلك تكون اسرائيل قد عطلت بالفعل المبادرة الاميركية الحالية تجاه ايران، مثلما سبق ان حظرت على تلك الادارة اي بادرة تجاه الشأن الفلسطيني الذي استطاع نتيناهو سحبه من التداول نهائياً طوال السنوات الست الماضية. وقد تباهى علناً بذلك الانجاز خلال حملته الانتخابية وتعهد بطريقة استفزازية بان يكون وجوده في السلطة ملازماً لمنع قيام دولة فلسطينية.

بعد هذين الانجازين المهمّين فعلا، لم يبق أمام نتيناهو سوى اعلان دولة الخلافة اليهودية، حتى يكتمل ذلك المشهد الديني الثلاثي الابعاد الذي قد يحرج السماء ومن فيها، ويحرق الارض ومن عليها.
(المدن)

السابق
تنظيم «داعش» يعلق راياته السوداء فوق أقدم الكنائس العراقية
التالي
صيادو الصرفند: قرار شهيب مجحف