تهويل عنصري ضد تصويت فلسطينيي الـ48

ولم يمر يوم الانتخابات بهدوء. فما حاولت الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة تحقيقه، طوال الأسابيع والأشهر الأخيرة، ولم تفلح، حاولت تحقيقه مرة أخرى أمس في ذروة العملية الانتخابية.

وبدا الأمر لدى البعض مهمة انتحارية بالدرجة الأولى من أجل كسب المزيد من الأصوات، بعد أن غدت مسألة حياة أو موت. لاحظ كثيرون مقدار التوتر، خصوصاً في صفوف القوى اليمينية التي لم تترك فرصة لمهاجمة بعضها بعضاً، وتحميل كل منهما الأخرى مسؤولية الفشل. وقد حمل «البيت اليهودي» على «الليكود»، موحياً بأن الخسارة المتوقعة نابعة أصلاً من حملة «الليكود» على شريكه في الحكم. وقال مسؤولون في «البيت اليهودي» إن حملة «الليكود» عليهم أفقدتهم ما لا يقل عن أربعة مقاعد.

لكن التوتر كان بارزاً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يؤمن كثيرون أنه الخاسر الأكبر، ليس في الانتخابات وإنما في الشعبية حتى داخل «الليكود». وتندر بعض قادة «الليكود» قائلين إن حزبهم سيخرج من هذه المعركة رابحاً لأنه سيتخلص من نتنياهو.
لكن نتنياهو الذي ظل حريصاً على عدم فقدان الأمل شعر بالرعب من الأنباء التي تحدثت حتى العاشرة صباحاً عن ارتفاع نسبة التصويت لدى فلسطينيي الـ48. وكانت الأنباء أشارت إلى أن نسبة التصويت بلغت 10 في المئة، مقارنة بـ 3 في المئة لدى اليهود حتى العاشرة صباحاً.
واضطر نتنياهو لإطلاق صافرة الإنذار، قائلا إن «حكم اليمين في خطر». وحث ناخبي اليمين على الذهاب بجموعهم إلى صناديق الاقتراع، لأن «الناخبين العرب يتحركون بأعداد هائلة نحو صناديق الاقتراع». واتهم نتنياهو «جمعيات اليسار بنقل العرب بالحافلات إلى أماكن الاقتراع».
وبدا نتنياهو، الشهير بعلاقاته مع كبار الأغنياء اليهود في أميركا وإسرائيل، بائساً وهو يقول «ليس لدينا تنظيم V15 (منظمة يسارية تعهدت بإسقاط حكمه)، لدينا الأمر رقم 8 (أمر الاستدعاء العسكري الطارئ للخدمة الاحتياطية)، اجلبوا معكم الأصدقاء والعائلة، صوتوا لليكود واردموا الهوة. بعونكم وبعون الرب سنقيم حكومة قومية تحافظ على دولة إسرائيل».

وكان تصويت فلسطينيي الـ48 قد أثار أيضا حنق قادة «البيت اليهودي»، حيث أعلن نفتالي بينت أن «نسب التصويت العالية جداً في الوسط العربي، تحرص على أن يتفوق حزب (احمد) الطيبي و(حنين) الزعبي على البيت اليهودي، وأن يكون الثالث الأكبر في الكنيست، وأن يضر بمعسكر اليمين. ينبغي الحرص على إخراج الجميع من البيوت. ضعوا بطاقة البيت اليهودي في صندوق الاقتراع».
ومن المعروف أن كلمة السر طوال يوم أمس كانت «نسبة التصويت». فنسب التصويت العالية في المجتمع الإسرائيلي تعني القدرة على التحشيد، وهي سمة كانت في الغالب من مميزات اليمين. وعلى الدوام كانت نسبة التصويت الأعلى هي التي توجد في الشرائح القطاعية، وخصوصا الحريديم والشرقيين. ويشهد تاريخ التصويت العربي في إسرائيل على أنه كان دائم التراجع. وأمل كثيرون أن اتحاد فلسطينيي الـ48، أو غالبيتهم الساحقة، في القائمة المشتركة والرغبة في إسقاط اليمين العنصري قد تشجع على زيادة نسبة التصويت التي تقل في العادة عن مثيلتها في المجتمع اليهودي.
وأثار ذلك قلقا واسعا في أوساط اليمين، خصوصا عندما أظهرت الساعات الأولى من صبيحة أمس احتمال حدوث ذلك. حينها جرى الكلام عن أن نسبة تصويت متدنية في الوسط اليهودي، ونسبة تصويت عالية في الوسط العربي، كفيلة بأن توصل القائمة المشتركة إلى 16 عضو كنيست. وهذا ما جعل اليمين يقف على رجليه الخلفيتين مطلقا الإنذارات وصيحات الاستهجان.

وتصدى عدد من قادة «حزب العمل» للهجمة اليمينية على الصوت العربي، معتبرين أن هذا «مرعب». وقالت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش «ليس هناك زعيم في الغرب يتجرأ على إصدار نص عنصري كهذا. تخيلوا رئيس حكومة، أو رئيسا في أي دولة ديموقراطية، كان سيطلق إنذاراً بأن حكمه في خطر، وأن ناخبين سودا، مثلاً، يتحركون بكثافة إلى صناديق الاقتراع؟ هذا مرعب، أليس كذلك؟ عموما يبدو لي أن ما يقلق نتنياهو هو أن مواطني إسرائيل يتجهون بجموعهم إلى صناديق الاقتراع، وهم ببساطة يريدون تبديل حكمه بشكل ديموقراطي».

أما «القائمة العربية المشتركة» فأصدرت بياناً تساءلت فيه «مم هم خائفون؟ لقد نشر نتنياهو قبل وقت قصير شريطاً يحذر فيه، وهو مذعور، من نسب تصويت عالية في الوسط العربي. ودعا (افيغدور) ليبرمان الجميع للذهاب إلى القرى العربية من أجل الجلوس هناك، وللإثبات للجميع من هو السيد هناك. إذن اسمحوا لنا بطمأنتكم. نحن ننوي أن نكون القوة الثالثة لجهة الحجم في الكنيست المقبلة». وأضاف البيان «نعم، إننا نشجع الجمهور العربي على الخروج والتصويت. ولكن كل مقعد لنا سيكون مقعدا للسلام والمساواة، للعدالة الاجتماعية وللعدالة القومية. في النهاية مقاعدنا، خلافا لمقاعد اليمين، ستكون لخدمة الجميع، بمن فيهم من لم يصوتوا لنا. إذن لا تدعوهم يخيفونكم».

وطلبت «القائمة الموحدة» عبر عضو الكنيست دوف حنين من رئيس لجنة الانتخابات المركزية القاضي سليم جبران حظر حملة «الليكود» ضد فلسطينيي الـ48. وجاء في الطلب أن «رئيس حكومة يدير حملة دعائية ضد تصويت مواطنين أبناء أقلية قومية، يجتاز الخط الأحمر للتحريض والعنصرية. رسالة كهذه، يطلقها رئيس الحكومة في يوم الانتخابات، حيث يفترض تشجيع المواطنين على التصويت، تشهد على عمى كامل، وعلى استعداد لتحطيم كل المبادئ الديموقراطية من أجل ضمان حكمه».

(السفير)

السابق
الراعي: القادة الموارنة لم يلتزموا اتفاق بكركي
التالي
«الداعشية» في لبنان بدأت بالاغتيالات