وقف المجتمع الدولي، أو بشكل أدق الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الدائرة في فلكها، متفرجاً على الجرائم التي يقترفها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام («داعش») بحق أبناء الشعبين السوري والعراقي، وبحق الإنسانية وتراثها القديم، وهي جرائم فاقت كل وصف. وبزّت أشكال الوحشية التي عرفتها البشرية كافة، ودعّمها التنظيم بقوانينه التي وضعها بنفسه، وقال إنها مستقاة من شرع الله. وحتى عندما طال إجرام «داعش» مواطنين أميركيين وغربيين، وقررت دولهم تشكيل تحالف لمقاتلته، كانت حربهم قاصرة ولم تؤثر على قدراته، الأمر الذي يدفع للتشكيك في نيات المجتمع الدولي تجاهه وجديته في محاربته، ليصل الكثير من المحللين، إلى أن الحرب المعلنة على «داعش»، ما هي سوى حرب وهمية، تخاض لأسباب يمكن أن تتكشّف لاحقاً، إن قيّد لها ذلك.
فبعد مضي أكثر من ستة أشهر على إعلان التحالف الذي شكلته واشنطن، وضمّ 60 دولة أوروبية وعربية ومن جنسيات مختلفة، وعلى استهداف غاراته تنظيم «الدولة»، فإن الوقائع العسكرية واستمرار قدرة التنظيم على التنقل والمناورة والتحشيد والهجوم، تدلّ على أن الغارات التي بدأت في استهدافه في العراق في 8 آب الماضي، وفي سوريا في 23 أيلول الفائت، لم تؤثر عليه برغم أن عددها قد وصل، حتى 3 كانون الأول الماضي إلى ألف غارة وضربة جوية وفق ما أفاد وزير الخارجية الأميركية جون كيري في مؤتمره الصحافي الذي عقده في بروكسل يومها. كما أنها لم تمنع التنظيم من حصار بعض المدن والبلدات، كحصاره لعين العرب «كوباني» منذ أيلول الماضي حتى تحريرها الذي لم يتم سوى في 27 كانون الثاني. فما بالكم بحقيقة احتفاظه بالقدرة على شن غارات يومية في مناطق لم يكن يتواجد فيها من قبل، و«تمدّده» في غرب سوريا وشمال ووسط العراق.
وبالمقارنة، يمكننا استجلاء حقيقة الجدية المعتمدة في محاربة التنظيم. فمن الناحية العسكرية، هو أضعف بكثير من دول أو قوى أخرى واجهت تدخلاً عسكرياً من أحلاف مشابهة. فلا يمكن مقارنته، على سبيل المثال، بالعراق ذي القدرات الهائلة، والذي واجه بداية العام 1991 تحالفاً عسكرياً دولياً لم يتعدَّ عدد الدول المشاركة فيه 34 دولة، لإجباره على الانسحاب من دولة الكويت، التي خوّلته قدراته العسكرية احتلالها في يومين، مع الإشارة إلى تميّزه لكونه لا يخوض الحرب بأسلوب كلاسيكي أو نظامي. أما على صعيد الضربات التي وجهت إليه، ووصل عددها إلى ألف ضربة خلال أربعة أشهر شنتها الطائرات المقاتلة وصواريخ أرض ـ أرض، من طراز «توما هوك»، فلا يمكن مقارنتها بالضربات التي وجهت للعراق سنة 1991 ووصل عددها إلى أكثر من 48٫000 ضربة خلال 43 يوماً.
كما أن التحالف لم يضع استراتيجية محددة لمحاربة التنظيم حتى بعد أشهرٍ من توجيه ضرباته. فعقد اجتماعاً، هو الأول من نوعه، لوزراء خارجية 60 دولة مشاركة فيه في 4 كانون الأول الماضي في بروكسل، وقرر التركيز على «خطوط إرشادية» عدة للتعامل مع التنظيم. أي أن التحالف لم يكن قد «قرر» من قبل ما الذي يجب فعله إزاء التنظيم. ومن حق المرء هنا الاستغراب، لأن تحالفاً قد تشكل قبل أن يضع برامج عمله، إنما يؤكد التساهل وعدم الجدية.
أما على الأرض، فلا يزال التنظيم قادراً على تجنيد ألف مقاتل كل شهر حسب مسؤول استخبارات أميركي، وهو ما يؤكد أن ذراعه ما تزال طويلة. كما ان هنالك إشارات أطلقها تظهر أنه كيان لا يعيش خوف الخطر المحدق به جراء التحالف الدولي ضده. إذ إنه بدأ يقيم ما يعتبر ملامح حقيقية أولى لدولة ينشدها. فأعلن نهاية العام المنصرم عن افتتاح مصرفٍ إسلامي يقدم قروضاً في الموصل العراقية، وكان قبلها قد أعلن عن صكّه عملة. علاوة على إعلانه بداية كانون الثاني عن افتتاح كلية للطب في الرقة.
سيظل الغموض يلف وجود «داعش» لفترة طويلة، وستظل الحيرة تلازم عدم جدية التحالف بمحاربتها. وربما يطول ذلك لسنوات من دون أن نعلم الأسباب. سنوات حددتها مسبقاً تصريحات لمسؤولين أميركيين، تكهّنوا أن الحرب ستكون طويلة، وقد تمتد لثلاثين عاماً.