في خطاب القاه في جامعة جورج تاون أمام الطلاب المهتمين بشؤون الشرق الاوسط في 27/2/2015، أعلن أمير قطر ان بلاده تريد الاستقرار للحكم في مصر.
ان الاختلاف على ضرب الطيران المصري أصوليين ليبيين تدعمهم قطر بعد تعرض 21 قبطياً مصرياً للذبح على ايدي هؤلاء، لا يعني ان البلدين على اختلاف. وكانت قطر مع السعودية قد اعلنت عن نقل مركز سفارتها في اليمن الى عدن لان الرئيس اليمني المستقيل والعائد عن استقالته استطاع الانتقال الى عدن وبدأ يسعى الى ادارة شؤون البلاد مقابل سيطرة الحوثيين في الشمال.
ويوم 27/2/2015 اعلنت كل من الامارات العربية المتحدة والكويت انتقال سفارتها الى عدن.
وكانت قطر في السابق تناصر حكم “الاخوان المسلمين” في مصر بعد انتخاب محمد مرسي في تموز 2012 وقد حولت خمسة مليارات دولار الى المصرف المركزي المصري، وتعهدت توظيف 15 ملياراً على مدى خمس سنوات في نشاطات مختلفة. لكن اطاحة مرسي على يد المشير عبد الفتاح السيسي دفع قطر الى سحب ودائعها، وامتنعت عن التزام إعانة مصر في ظل حكم السيسي، علماً انها بموجب تعهدها للسعودية والامارات العربية والبحرين أوقفت بث حلقات دعوات “الاخوان المسلمين” في قناة “الجزيرة” ودفعت سبعة من “الاخوان” للسفر الى خارج قطر.
كانت قطر، وخصوصاً عام 2013 وحتى نهاية ايلول 2014 في موقع اتهام بانها تناصر الحركات الاسلامية المتطرفة والسلفيين، وبانها تسلح “جبهة النصرة”، والحركات الاسلامية في ليبيا. وفي ايلول 2014 وخلال مقابلة تلفزيونية أولى لأمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد مع كريستيان امانبور على شبكة “سي أن أن”، نفى الامير الجديد مساندة الاسلاميين المتطرفين، وان هو أشار الى متابعة قطر مساعدة “جبهة النصرة” بتوفير مساعدات غذائية وصحية. وبعد ذلك بشهر التزم أمير قطر تجاه السعودية والامارات العربية وبمسعى من الكويت وقف المساعدات لهذه الجهة، ومنع ظهور الدعاة الاسلاميين على شاشات “الجزيرة”، وتخفيف الانتقادات لحكام الخليج العربي على هذه القناة.
قبل ذلك باقل من شهر كان وزير خارجية قطر خالد بن محمد العطية يقول في محاضرة القاها في معهد وودرو ويلسون لدراسة الشؤون العامة والدولية في جامعة برنستون، إن سياسة قطر الخارجية لا تخضع لاي مفاوضة، وان قطر “تعرضت لانتقادات وتهجمات لانها رفضت التزام سيناريو يحصر دورها على الصعيد الاقليمي والدولي”. وأضاف: “يبدو من النظرة الاولى ان قطر يصعب تفهم مواقفها ضمن الاطار الاوسع للمنطقة، وهذا الموقف يعود الى الهجوم المركز على قطر وسياساتها. ولم يكن هذا الأمر ممكناً لو كان المعلقون مستقلين وغير مأجورين من مكاتب تختص باستعمال هذه الاقلام لمهاجمتنا”. ومن ثم أوضح وزير خارجية قطر أن “دولتنا تلتزم منظاراً مختلفاً في نظرتنا الى شؤون المنطقة وحل المشاكل العالقة… قطر تلتزم سياسة خارجية مستقلة عن التأثيرات الخارجية، وهذا امر نعتز به… وسياسة قطر لا تتأثر ولا تتشكل بناء على آراء المعلقين في الصحافة والتلفزيون، فهي سياسة ترتكز على مبادئ مستقلة وواضحة”.
لقد كان الوزير القطري يجيب عن الاتهام الواضح الذي وجهته مجلة “فورين بوليسي” Foreign Policy المعروفة في تاريخ 30 ايلول 2014 اذ ادرجت المجلة الاستخلاص الآتي:
“الامارة الصغيرة، الغنية بموارد الغاز وفرت عشرات ملايين الدولارات عبر شبكات تمويل مشبوهة للثوار المتشددين في سوريا وحركات السلفيين المتشددة، وهكذا اتبعت قطر سياسات تتجاوز قدراتها الديبلوماسية. وبعد سنوات من تقبل سياسات قطر – والاستفادة منها أحياناً – قررت واشنطن بدء محاسبة قطر”.
لقد شاركت “فورين بوليسي” في هذا التقويم دراسة مطولة لمؤسسة كارنجي Carnegie Endowment for International Peace وضعها الاختصاصي في شؤون الخليج Kristian Coates Ulrichsen وتضمنت الاستخلاص الآتي:
“قبل انطلاق ثورات الربيع العربي اكتسب قادة قطر – الشيخ حمد بن خليفة، والشيخ حمد بن جاسم رئيس وزرائه – سمعة متعاظمة ان قطر تقوم بمهمات الوساطة لاطفاء الحرائق وذلك من أجل تكريس سمعة لقطر في الديبلوماسية المناطقية. وقد ساهمت مشاريع قطر البعيدة النظر لتطوير ثروتها من الغاز في تكريس قدرات قطر للتدخل الديبلوماسي لحل قضايا اقليمية عالقة. وعقود تصنيع الغاز المسيل وتصديره شبكت حاجات العديد من الشركاء الخارجيين مع ضرورات الحفاظ على الاستقرار في قطر، كما تحقيق قطر موارد مالية ملحوظة مكنها من الاستثمار في قطر وعدد كبير من البلدان الصناعية والنامية بتملك عقارات ومشاريع بالغة الاهمية. والغاز المسيل – وقطر كبرى الدول المصدرة له في العالم – مكن القطريين من تنويع استثماراتها وعلاقاتها الدولية، وذلك بزيادة اعتماد شركائها على ثروتها من الغاز، ومواردها المالية المتعاظمة”.
نجاح قطر في احتلال موقع ديبلوماسي ومالي متقدم بدأ يتعرض على الصعيد الديبلوماسي للانتقاد، وخصوصاً بعد تفشي فرق القتال في سوريا، وبعد التطورات المأسوية في ليبيا، حيث كان لقطر دور اساسي في تحفيز الثورة على القذافي. ومنذ صيف 2012 ساد شعور بان قدرات قطر الديبلوماسية لا تماثل قدراتها المالية، وان الدور الذي تسعى لتوليه في المنطقة فضفاض على قدراتها الديبلوماسية وخبرتها السياسية، وتكاثرت الدراسات والتعليقات المنتقدة بشدة لدور قطر في تحفيز التحركات الاسلامية.
وتحولت الانتقادات مواقف ديبلوماسية وسياسية متشددة وخصوصاً من دول الخليج وتجلى ذلك في سحب سفراء السعودية والامارات والبحرين من قطر، وكان هنالك أمل بعد تولي الأمير الجديد تميم بن حمد مسؤولية قيادة قطر، وهو كان اعلن منذ تسلمه القيادة في حزيران 2013 ان اهتمامه سينصب في المقام الاول على الشؤون الداخلية.
لكن التحول المرجو من دول الخليج العربية لم يتجل الا بعد المقاطعة الديبلوماسية، والتي تبعها اتفاق الرياض، وانحسار الدعوات على “الجزيرة”، واخراج عدد من الدعاة الاسلاميين من قطر.
والزيارة الاخيرة لأمير قطر للولايات المتحدة كرست موقف الاعتدال الجديد لقطر، وهذا الأمر له حسناته بالتأكيد وقطر يمكنها الاستناد الى انجازاتها الاستثمارية في حقول متعددة، سواء منها مجال الطيران التجاري، او توفير شبكة للاتصالات على نطاق دولي، أو تحقيق المركز الاول على صعيد حجم الميزانية والانتشار لبنك قطر الوطني الذي صار أكبر مصرف عربي.
ولا شك في ان الرئيس الاميركي في اجتماعه مع أمير قطر الذي صنفه الحليف القوي، وازن بين مصالح الولايات المتحدة، فهي عبر شركتها النفطية الكبرى في العالم، اكسون – موبيل وشركات أميركية أخرى تحوز النسبة الوازنة في 12 مشروعاً لتسييل الغاز في قطر من 15 مشروعاً قائماً، كما ان قاعدة العديد للسلاح الجوي الاميركي تعتبر كبرى القواعد الاميركية خارج الولايات المتحدة، وقطر باتت المركز القيادي الرئيسي للقوات الاميركية في المنطقة.
(النهار)