
أن محدودية الحيز والكثافة السكانية داخله تبدو أحد مسببات العنف، وذلك فى ظل فوضى معمارية،ويعود ذلك إلى عديد الأسباب:
المسكن الضيق الحيز، طارد للسكان إلى خارجه، لأنه لا يستوعب الأسر كبيرة العدد، فى ظل عدم قدرتهم على تغييره، وانتشار البطالة وتزايد معدل الوالدية داخل الأسرة الواحدة، هذا التكدس يؤدى إلى نتائج خطيرة منها:
أ – انكشاف داخلى للسرائر والأسرار، ومن ثم انتهاك الحق فى الخصوصية داخل الأسرة.
ب – تزايد الحدة والغلظة فى التعامل اليومى بين مكونات الأسرة على بعضهم بعضا، وسيطرة الضوضاء الداخلية ذ والخارجية– على فضاء السكن الداخلي.
ج – يؤدى انتقال ضغوط الحياة اليومية فى العمل والشارع والجيرة، وأثرها على البنية النفسية للجمهور إلى داخل الحيز المكاني، فى ظل تكدس محتوياته على نحو ينتج بعضا من الفوضي، وغياب التنظيم والجمال فى ترتيب الأشياء والأدوات المنزلية، على نحو يؤدى إلى بعض القبح فى بعض المنازل، مما يؤدى إلى شيوع بعض من الاغتراب– (الأنوميا)- والإحباط، وغياب الأمل لدى الأسرة وأعضاءها فى الحراك الاجتماعي.
د – الفوضى التنظيمية والسلوك الخارج عن القانون من بعض الأشخاص، وانتشار الفساد والرشى فى استصدار تراخيص البناء دون توافر شروطها القانونية على نحو دعم ظاهرة العشوائية فى البناء الذى يفتقر إلى المواصفات، فى ظل ضعف التخطيط العمرانى فى المدن وداخلها وحولها وقاعها، أو فى شكل المبنى وجمالياته.
هـ – فرض الجمهور للأمر الواقع السكني، سواء فى التمدد وبناء غرف خارج الحيز المرخص به للبناء، أو التمدد فى الفراغات حوله، وهو شكل من أشكال العنف السكني.
و – الاعتداء على أراضى الدولة والبناء عليها لفرض أمر واقع، يجبر الدولة على إجراء تسويات تحصل بمقتضاها على بعض الغرامات المالية، والتصالح ليغدوا العمل اللا قانونى مشروعا رسميا. وتزايدت هذه الأساليب الخطيرة فى البناء طيلة عديد العقود.
ز – البناء العشوائى على الأراضى الزراعية، وفرض الأمر الواقع على الدولة وأجهزتها، واللجوء إلى الغرامات والتصالح، فضلا عن شبكات الرشاوى فى الإدارة.
ح – كسر وتخطى خطوط التنظيم، وعدم تقديم تصميم معتمد للمنازل والشقق ومدى مراعاتها للمعايير الهندسية المحددة، وهو ما حول بعض المنازل إلى سجون، ومن ثم إلى ما يقرب من العمارة الخشنة التى تؤكد وتحفز على العنف.
ك – تداخل البيوت العشوائية بعضها بعضا ككتل من الخرسانة والطوب الأحمر متراصة وتتساند على بعضها بعضا، دونما فواصل وفراغات فيما بين بعضها بعضا مما يؤدى إلى انكشاف الأسر على بعضها بعضا، على نحو يؤدى إلى انتهاك خصوصية الوحدات السكنية، ومن ثم خصوصية السكان، بما يؤدى إلى تفشى النميمة والتلاسن والخلافات بين الجيران وإلى إنتاج أشكال من العنف اللفظى والمادى والمعنوى من خلال الشجارات والنزاعات.
م – تنامى أشكال العنف الجنائى المستمر من الضرب والجرح والسب والقذف والردح –ظاهرة مصرية كما ذهب يوسف ادريس فى إحدى قصصه القصيرة – والعنف الأسرى ضد المرأة تحت دعاوى وتعلات شتى بل وشمول العنف العلاقات الحميمة داخل نظام الزواج، وفى بعض الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة، وخارجها، وأحيانا بين بعض السكان.
س – تدهور نظام الحياة فى المدن، فى تخطيطها والتمدد العشوائى والترييفى لقيمها وثقافتها المدينية، ولغة التعامل اليومي، وتراجع التهذب وقواعد اللياقة الاجتماعية وانفجار اللغة الحوشية والتى تنبو عن الذوق وقواعد الأدب، وشيوع لغة العنف فى قيادة المركبات الخاصة، وعدم الالتزام بقواعد المرور وقانونه، وتزايد بلطجية مواقف السيارات الأهلية، وفرض قانونهم وقواعدهم ولغتهم القبيحة المترعة بالعنف والمسبات.
ع – تحول الأدوار الأرضية فى المساكن الشعبية – الحكومية – المؤجرة وقيام مستأجريها، وملاكها ببيعها، وتحويلها إلى محلات تجارية، وإجراء تعديلات تمس أساسات المنزل بما يؤثر على سلامة السكان، دونما رقابة على مدى قانونية بيع هذه الوحدات السكانية، وبما يؤثر على السكينة العامة للسكان والأحياء، على نحو يشير إلى سطوة قانون الفساد ورشى بعض موظفى المحليات الذين يتغاضون عن هذه الخروقات لقانون الدولة، وقانون الإسكان، وبما يؤدى إلى عنف يتمثل فى ضجيج المحلات التجارية وعمالها ومشاجراتهم واستيلائهم على الأرصفة وأنهر الطرق، بلا روادع فى هذا الصدد.
ف – أدى الانفجار السكانى المستمر، وظاهرة الاستقطاب الحضرى لسكان الأرياف إلى عدم قدرة البنية الأساسية فى المدن الكبرى (المريفة)، ومدن الأرياف الآخرى على أداء وظائفها وتحولها إلى محفزات للعنف الجنائي، ثم العنف الجماهيرى فى اللغة والسلوك، وخرق القانون جهاراً أمام الأجهزة الحكومية، وتواطؤ بعضها بالفساد وآلياته على مواجهة انفجار المدن.
كل هذه الأسباب جعلت من السكن «جحيما» وأحد أشكال العمارة الخشنة مما يدعم مسببات ومحركات العنف الاجتماعى المفتوح والطليق.
(الاهرام)